في أعقاب اعصار كاترينا الذي ضرب ولايتي لويزيانا ومسيسيبي في الولاياتالمتحدة انطلقت الاصوات من داخل الولاياتالمتحدة وخارجها منددة بسوء ادارة الحكومة الامريكية للأزمة التي لم تكن مفاجئة بعد ان تنبأت بها سلطات الارصاد الجوية ورغم ان كثيرا من الاصوات ارجعت العجز الامريكي في مواجهة واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ الولاياتالمتحدة الي انشغال حكومة البلاد بالخارج اكثر من الداخل وبالذات بعد تورطها في احتلال العراق مثلما قال المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور نحن نحتاج القوات الموجودة في العراق لانقاذ مواطنينا في نيو اورليانز الا ان نسبة لا يستهان بها من المعلقين في وسائل الاعلام الامريكية والعالمية تحدثت عما اسمته "فرار الاغنياء البيض من الاعصار" و"تلكؤ" الحكومة في انقاذ الفقراء السود الذين شكلوا اغلبية الضحايا الذين لم يستطيعوا مغادرة المنطقة مع اقتراب الاعصار وهكذا صعدت الي السطح مرة اخري قضية التمييز العنصري في الولاياتالمتحدة التي كنا نظن الي وقت قريب انها لم تعد مثارة خاصة مع تولي عدد من ذوي البشرة السمراء علي سبيل المثال كولن باول وكوندوليزا رايس مناصب حساسة في بلاد العم سام وربما يكون هذا الحدث دافعنا الي بحث المظاهر المختلفة للعنصرية في عالمنا المعاصر والكشف عن مدي تراجع هذه المظاهر او استفحالها في ظل النظام العالمي الجديد والعولمة التي باتت تنشب اظفارها في جسد الشعوب. "الأبارتهايد" تطل برأسها من جديد والمعروف ان تعبير "التمييز العنصري" ظل مقترنا لعدة عقود من القرن الماضي بنظام الفصل العنصري "الابارتهايد" في جنوب افريقيا وظهر التعبير علي السطح مع اشتداد نضال الزنوج في الولاياتالمتحدةالامريكية لنيل حقوقهم في المساواة كمواطنين داخل المجتمع الامريكي. وبعد ان نال جانب من الامريكيين السود بعض حقوقهم السياسية والاجتماعية وان لم يكن ما نالوه مساويا لحجم التضحيات التي بذلها اسلافهم لتحقيق حلم المساواة الحقيقية وما ان انهار نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا في عام 1994 حتي ظن الكثيرون ان تعبير التمييز العنصري بات من مخلفات الماضي متجاهلين ان العنصرية لا تعني قهر الآخر بسبب اللون فحسب وانما تمتد لتشمل جميع صنوف قهر الاخر لاسباب لا دخل لارادته فيها كالعرق او الجنس او الدين او اللغة او الطبقة الاجتماعية ومع اندلاع الحروب في البلقان تكرر استخدام تعبير التطهير العرقي لوصف ممارسات الصرب ضد الأقلية ألبانية الأصل في يوغوسلافيا. ولا شك ان الكثيرين يذكرون الاستماتة الامريكية قبل انعقاد المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية في دوربان بجنوب افريقيا عام 2001 للحيلولة دون ادراج قضيتي مساواة الصهيونية بالعنصرية والمطالبة الافريقية بتعويضات عن العبودية علي جدول اعمال المؤتمر. وتكفي نظرة سريعة علي خارطة العالم لتوضيح ان داء العنصرية لم يفرق بين المجتمعات الفقيرة والمتقدمة بل ربما كان اكثر ضراوة في الثانية عنه في الاولي الأطفال والنساء ومن الطبيعي ان ترتبط الممارسات العنصرية في المجتمعات الفقيرة بالطابع الاجتماعي حيث تبرز التمايزات ضد النساء الفقيرات وتشغيلهن بالسخرة او لقاء اجور زهيدة واجبارهن علي ممارسة الدعارة فضلا عن تعرضهن للعنف المنزلي كما يكثر في هذه المجتمعات ايضا اجبار الاطفال علي النزول الي سوق العمل للمساعدة في اعالة الاسرة وحرمانهم من حقهم الطبيعي في التعليم وممارسة طفولتهم بينما لا يكون الامر بنفس الصورة بالنسبة لنساء واطفال القلة الغنية من الاسر داخل هذه المجتمعات. والمعروف ان النساء الفقيرات والمهمشات اجتماعيا يتعرضن اكثر من غيرهن للتعذيب وسوء المعاملة وتشير تقارير منظمة العفو الدولية الي ان السياسات والممارسات الاجتماعية العنصرية في البلدان المتخلفة تضاعف من وطأة التميز الذي تتعرض له المرأة كما تفاقم الاعراف الاجتماعية والثقافية التي تحرم المرأة من المساواة في الحقوق مع الرجل من فرص تعرض المرأة للإساءة الجسدية والجنسية والنفسية. ووفقا لتقرير اصدرته الخارجية في الولاياتالمتحدة مؤخرا يجري تهريب ما بين 45 الفا و50 الف امرأة وطفل الي الولاياتالمتحدة سنويا وتشير منظمة العفو الدولية الي ان هؤلاء النسوة يجري توريطهن واكراههن واخضاعهن لاشكال مختلفة من الاستغلال تتضمن العمل القسري في المنازل او الاستغلال الجنسي. ولا شك ان الظروف الاقتصادية الصعبة او الاضطرابات السياسية والقلاقل الناجمة عن الحروب بما لها من آثار مدمرة علي حياة المجتمعات الا ان المرأة عادة ما ينالها اكبر قدر من الاذي الناجم عن هذه الاضطرابات ولعل الكثيرين يعرفون ما لحق بالعديد من نساء الاتحاد السوفيتي السابق بعد انهياره وهروب الكثيرات منهن طلبا للأمان أو للرزق في مختلف دول العالم فاذا بالعديد منهن يقعن في براثن عصابات الرقيق الابيض ورغم ان تقارير منظمات حقوق الانسان تحفل بالكثير من قصص الفتيات والسيدات اللاتي دفعتهن الظروف السياسية في بلدانهن وهروبهن بحثا عن الامان الي السقوط في ايدي شبكات الاتجار بالبشر ولنورد هنا مثالا واحدا من تقرير لمنظمة العفو "فالنتينا" وهي طبيبة نفسية واخصائية اجتماعية اوكرانية في السابعة والعشرين من عمرها وصلت الي اسرائيل بعد ان تعاقدت مع احدي الشركات الوهمية علي الذهاب الي هناك ممثلة للشركة بعد وصولها اخذت منها نقودها وجواز سفرها وتذكرة العودة ثم نقلت الي احدي الشقق حيث احتجزت لمدة شهرين واجبرت علي العمل في الدعارة وما ان تمكنت من الفرار حتي القي القبض علهيا لانها لم تكن تملك اوراقا رسمية تدل علي هويتها او تأشيرة دخول. [email protected]