ليلة غنائية استثنائية.. بلاك تيما يحيي ذكرى انطلاقه بحفل كبير 30 أكتوبر    تركيا تخفض الحد الأقصى للفائدة على السحب النقدي ببطاقات الائتمان    18 سبتمبر 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    شراكة استراتيجية بين مجموعة طلعت مصطفى وبنك الإمارات دبي الوطني – مصر لإطلاق بطاقات ماستركارد الائتمانية الحصرية ذات العلامة التجارية المشتركة    وزير النقل: مصر تنفذ حاليا مشروعات كبرى للربط مع القارة الأفريقية    البورصة تستهل تعاملات اليوم الخميس نهاية جلسات الأسبوع    900 مليون يورو استثمارات إسبانية في مصر    السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة    مورينيو: لم أفكر مرتين لقبول عرض بنفيكا    سيميوني: تمت إهانتي في ملعب ليفربول    ننشر المواد المقررة على طلاب المرحلة الثانوية بالدرجات المخصصة لها في العام الدراسي الجديد    ضبط المتهمين في جريمة مقتل عامل ونجله إثر تجدد خصومة ثأرية بقنا    وزير الصحة يفتتح المؤتمر الدولي الثاني لكلية طب الأسنان بجامعة الجلالة    وزير الخارجية بالرياض للتشاور والتنسيق حول ملفات التعاون المشترك    ملف إنساني يتجاوز خطوط النار.. تقرير أمريكي يتهم روسيا بتجنيد الأطفال    القناة 12 العبرية: لقاء ويتكوف وديرمر في لندن محاولة أخيرة لإحياء مفاوضات غزة    الإقليمي للأغذية والأعلاف يختتم البرنامج التدريبي الصيفي لطلاب الجامعات المصرية    وزير الصحة: الدولة ملتزمة بالاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز البحث العلمي    مودرن سبورت "الجريح" يصطدم بصحوة إنبي في الدوري    ارتفاع تأخيرات القطارات على الوجهين البحري والقبلي    صادرات الصين من المعادن النادرة تسجل أعلى مستوى منذ 2012    مواعيد القطارات المكيفة والروسية بين القاهرة والإسكندرية وطرق الحجز    الحالة المرورية اليوم، تباطؤ في حركة سير السيارات بمحاور القاهرة والجيزة    بعد ساعات من هربه.. القبض على قاتل زوجته بمساكن الأمل في ضواحي بورسعيد    نشرة مرور "الفجر ".. زحام بميادين القاهرة والجيزة    28 سبتمبر محاكمة عاطلين في حيازة أسلحة نارية ومخدرات بعين شمس    بالفيديو.. ناقد فني يكشف عن 6 أفلام مصرية تتألق بمهرجان الجونة 2025    وفاة الإعلامية اللبنانية يمنى شري عن 55 عامًا بعد صراع مع المرض    خواكين فينيكس وخافير بارديم وإيليش يدعمون الحفل الخيرى لدعم فلسطين    تبدأ ب 5500 جنيه.. ليلة موسيقية ساحرة لعمر خيرت في قصر عابدين    الضيقة وبداية الطريق    القائمة الكاملة لأفلام مهرجان الجونة السينمائي 2025 (صور)    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    لليوم الثاني على التوالي.. انقطاع الإنترنت والاتصالات عن مدينة غزة    «متحدث الصحة»: نقص الكوادر الطبية مشكلة عالمية    قبل بدايته| استشاري مناعة توضح أهم المشروبات الساخنة في الشتاء    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    الرئيس السيسي يصدر 3 قرارات جمهورية جديدة.. تعرف عليها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين حسب أجندة العطلات الرسمية للرئاسة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الخميس 18 سبتمبر 2025    محمود وفا حكما لمباراة الأهلي وسيراميكا.. وطارق مجدي للفيديو    مصدر من بيراميدز يكشف ل في الجول سبب غياب رمضان صبحي أمام زد    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    غزل المحلة يحتج على حكم مباراته أمام المصري: لن نخوض مواجهة حكمها محمود بسيوني    التاريخ يكرر نفسه.. تورام يعيد ما فعله كريسبو منذ 23 عاما ويقود إنتر للتفوق على أياكس    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/9/2025 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بعد تعرضه لوعكة صحية.. محافظ الإسماعيلية يزور رئيس مركز ومدينة القصاصين الجديدة    مسلسل حلم أشرف الموسم الثاني.. موعد عرض الحلقة الثانية والقنوات الناقلة    صراع شرس لحسم المرشحين والتحالفات| الأحزاب على خط النار استعدادًا ل«سباق البرلمان»    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    قبل أيام من انطلاق المدارس.. تحويلات الطلاب مهمة مستحيلة!    ب 3 طرق مش هتسود منك.. اكتشفي سر تخزين البامية ل عام كامل    الشرع: السلام والتطبيع مع إسرائيل ليسا على الطاولة في الوقت الراهن    "أصحاحات متخصصة" (1).. "المحبة" سلسلة جديدة في اجتماع الأربعاء    حكم مباراة الأهلي وسيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    مواقف وطرائف ل"جلال علام" على نايل لايف في رمضان المقبل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من واشنطن
العدو علي الأبواب‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 06 - 2010

سألت صديقا في واشنطن‏:‏ ما الذي يشغل إدارة أوباما اليوم؟ وجاءت الإجابة مفاجئة للغاية‏,‏ فلم تكن حول صواريخ روسيا النووية‏,‏ أو التوسع الكوني للدولة الصينية‏,‏ أو صعوبات ومعضلات الخروج الأمريكي من أفغانستان أو العراق‏. أو حتي أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية التي لا حل لها منذ ستة عقود وأكثر‏,‏ وإنما كان الرد مختصرا ومباشرا‏:‏ إنها مسألة تسرب البترول في خليج المكسيك‏.‏ ولم يأت المساء إلا وكان باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة يلقي خطابا تليفزيونيا إلي الشعب الأمريكي يقول فيه إن هناك هجوما علي الشواطئ الأمريكية بلغ ملايين البراميل من النفط التي تدفقت من منابعها داخل المياه الدولية والتي تديرها شركة البترول البريطانية واختصارها بي بي أو‏BP‏ منذ شهر إبريل الماضي‏,‏ وبدأت في الوصول إلي الشواطئ الأمريكية في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية والاقتصادية علي مجموعة من الولايات التي لم تشف بعد من المصائب السابقة لإعصار كاترينا الذي لم تمض عليه إلا سنوات معدودة‏.‏
وبالمصادفة البحتة فقد كنت في الولايات المتحدة للبحث والتدريس خلال ذلك الوقت من صيف عام‏2005‏ عندما جاء الإعصار الرهيب لكي يدمر مدنا بأكملها‏,‏ ويحول حياة ملايين من البشر من الدعة والطمأنينة إلي حياة اللاجئين في المدارس ومعسكرات الإيواء وانتظار المنح والمعونات‏.‏ وكم كان المشهد في ذلك الوقت رهيبا عندما غمرت المياه كالطوفان مدينة نيو أورليانز الشهيرة بعد أن دمرت سدودها وقناطرها وخرج الناس منها فارين كما لو أن التاريخ يعيد قصة النبي نوح مرة أخري مع مطلع القرن الحادي والعشرين‏.‏ أما هذه المرة‏,‏ فأنا في زيارة للولايات المتحدة في أمور تخص شركة الأهرام الدولية في أمريكا الشمالية‏,‏ ولكن السياسة الأمريكية فرضت نفسها كما هي العادة عند كل لقاء أو مقابلة أو حتي وقت غداء أو عشاء‏,‏ وبعد أيام قليلة من الزيارة ظهر أن ما شاهدته يوم وصولي لم يكن سوي قشرة رقيقة تخفي الكثير وراءها‏.‏ وما حدث يوم الوصول كان أن العاصمة الأمريكية خرجت عن بكرة أبيها لمشاهدة المباراة الأولي للمنتخب الأمريكي في كأس العالم مع المنتخب البريطاني‏,‏ فظهرت شاشات ضخمة تم نصبها في الميادين العامة‏,‏ وأخري لا تقل ضخامة‏,‏ وضعتها الفنادق والحانات ومجمعات التسوق الهائلة لكي تجتذب مشاهدين قرروا خوض معركة ربما لم يحدث مثيل لها منذ حرب الاستقلال الأمريكية في عام‏1776,‏ أو ربما منذ حرب عام‏1812‏ التي قامت فيها القوات البريطانية والأسطول البريطاني بحرق واشنطن كلها‏.‏ كان الأمريكيون متحمسين في مباراة لكرة القدم التي لا تأتي ضمن أنواع الرياضات المفضلة في الولايات المتحدة‏,‏ فالأمريكيون يهيمون بلعبة البيسبول وكرة السلة ونوعية خاصة من كرة القدم هي تطوير عنيف للعبة الرجبي البريطانية‏,‏ ولكن يبدو أن حمي الكرة وصلت أخيرا إلي أمريكا‏,‏ أو أن الخصم هذا اليوم كان جديرا بهذه الدرجة من الحماس‏.‏
فسرعان ما ظهر أن المسألة كانت أكبر من مباراة في كرة القدم‏,‏ لكن كان وراءها الدولة الأمريكية في مواجهة الشركة البريطانية‏,‏ حينما بدأت الحقائق تتكشف عن تهديد بالغ‏,‏ وخطر حال‏,‏ علي الأمن القومي الأمريكي لم يأت من دول معادية تقوم بالهجوم والغزو‏,‏ وإنما جاء نتيجة أنواع جديدة من التهديد والأذي أصبحت تضع الدولة الأمريكية المعاصرة تحت تهديد بالغ‏.‏ وربما يتضح الأمر لو عدنا بالذاكرة إلي ذلك الفيلم الأمريكي الشهير العدو علي الباب‏TheEnemyOntheGate‏ الذي صور الجيش الألماني وهو يقف علي أبواب ستالينجراد السوفيتية كما كانت معروفة في ذلك الوقت من أيام الحرب العالمية الثانية‏,‏ بينما يقوم الجيش والشعب السوفيتي بالدفاع عنها حتي تم النصر وهزيمة العدو‏.‏ وكانت تلك هي الصورة الكلاسيكية والنقية للتهديد الذي يأتي من الخارج ومن قبل دولة وجيش متفوق يحاول بكل العنف فرض السيطرة والهيمنة المسلحة بينما تحاول الدولة الدفاع عن نفسها وصد الهجمات بالقدرة والشجاعة‏.‏
ولكن المسألة هذه المرة اختلفت‏,‏ وسواء كان الأمر أثناء إعصار كاترينا أو تسرب ما يقرب من‏60‏ ألف برميل بترول يوميا من بئر معطوب منذ شهر إبريل الماضي فإن الكارثة لم تكن أقل عنفا‏.‏ وربما كان الفارق هو أنه في الحروب التقليدية‏,‏ والتهديدات المعروفة للأمن القومي‏,‏ فإن وسائل المخابرات‏,‏ وأساليب الدفاع والمواجهة‏,‏ لها تراث طويل في الفكر الاستراتيجي‏,‏ وهناك مؤسسات لديها من الإمكانيات والقدرات ما يجعلها تستطيع صد الهجوم‏,‏ أو لتعبئة الشعب من أجل ردعه وهزيمته‏.‏
ولكن الأعداء الجدد يختلفون كثيرا عما اعتادت عليه الدول‏,‏ وسواء كانت ثورات الطبيعة من الأمور الطبيعية في التاريخ أو أن هناك عوامل جديدة مثل الاحتباس الحراري باتت تجعل الطبيعة غاضبة أكثر مما اعتادت‏,‏ أو أن الكارثة جاءت من خطأ إنساني جسيم كما حدث مع شركة البترول البريطانية‏,‏ فإن الدولة الأمريكية لم تكن جاهزة علي الإطلاق ولا أدري عما إذا كانت دول العالم الأخري علي درجة كافية من الاستعداد للتعامل مع هذه المواقف أم لا‏.‏ وليس سرا علي أحد أن هزيمة جورج بوش وحزبه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كانت وراءها ثلاثة أنواع من الفشل‏:‏ الأول هو العجز عن التعامل مع الحرب في أفغانستان والعراق‏,‏ والثاني كارثة كاترينا التي فشلت الإدارة الأمريكية في التعامل معها‏,‏ حين اجتاح إعصار كاترينا‏,‏ بقوته التي بلغت الدرجة الخامسة‏,‏ في أغسطس‏2005‏ ثلاث ولايات في جنوب الولايات المتحدة هي لويزيانا ومسيسبي وألاباما‏,‏ مدمرا منطقة تبلغ مساحتها نحو‏235‏ ألف كم مربع‏,‏ أي ما يوازي نصف مساحة فرنسا أو مساحة رومانيا بأكملها‏.‏ وقد قدرت الخسائر الناجمة عن الإعصار بنحو ثلاثمائة مليار دولار‏,‏ وهو ما يوازي وفقا لبعض التقديرات ما تم إنفاقه خلال السنوات‏(2001-2005)‏ علي حربي الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق‏.‏ كما أدي الإعصار إلي إغلاق‏711‏ بئرا نفطية في خليج المكسيك‏,‏ فتوقف‏92%‏ من إنتاج النفط و‏83%‏ من إنتاج الغاز الطبيعي‏.‏ وهو ما أدي لارتفاع سعر جالون البنزين لأكثر من‏3‏ دولارات‏,‏ وهو معدل لم يحدث من قبل‏.‏ ولمن لا يعلم فإن منطقة الساحل الأمريكي لخليج المكسيك وبصفة خاصة الشريط الممتد من مدينة موبيل المجاورة لنيو أورليانز‏(‏ لويزيانا‏)‏ إلي ميناء بورت أرثر القريب من هيوستن‏(‏ تكساس‏)‏ أكبر تجمع عالمي لصناعة التكرير وواحدة من أضخم شبكات الأنابيب‏.‏ ولو أن خليج المكسيك دولة مستقلة مجازا‏,‏ لاحتل المرتبة ال‏29‏ ضمن أكبر اقتصاديات العالم‏,‏ حيث يسهم كل من قطاعات النفط والسياحة والصيد والسفن في هذا الخليج بنحو‏234‏ مليار دولار سنويا‏,‏ ويبلغ نصيب الولايات المتحدة منه الثلثين والباقي للمكسيك‏.‏ فعلي سبيل المثال‏,‏ يسهم قطاع النفط والغاز ب‏53%‏ من اقتصاد المنطقة وكذلك يسهم قطاع السياحة بما يقرب من‏46%‏ من اقتصاد المنطقة‏,‏ بما يفوق‏100‏ مليار دولار سنويا‏.‏ والثالث هو الفشل في التعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت أمريكا وبقية دول العالم‏.‏
والآن‏,‏ ومع باراك أوباما‏,‏ فإن الأسباب تبدو كافية للمقارنة‏:‏ فمشكلة العراق وأفغانستان لا تزال باقية كاللعنة الأبدية‏,‏ والأزمة الاقتصادية رغم شواهد العبور منها‏,‏ إلا أن الأمر كما يقال في مصر لم يصل إلي الإنسان العادي بعد‏,‏ وعندما لا تصل نتائج الخروج من أزمة اقتصادية إلي الإنسان العادي‏,‏ فمعني ذلك أن الأزمة لاتزال باقية‏,‏ ولسعتها أعنف بحكم طول الزمن والانتظار الذي طال‏.‏ ولم يكن أوباما يحتاج حتي تكتمل المقارنة إلي كارثته الخاصة‏,‏ التي لم تأت فقط عندما لم تنجح شركة البترول البريطانية في إتمام حفر بئر بحرية يوم العشرين من إبريل الماضي‏,‏ ولكن عندما عجزت أيضا عن سد الفجوة الناتجة عن الحفر‏,‏ فكانت النتائج الإنسانية والاقتصادية مروعة‏,‏ فمع الانفجارات التي حدثت في موقع البئر الفاشلة قتل أكثر من‏11‏ شخصا من إجمالي‏126‏ عاملا علي المنصة‏,‏ ولم يفلح ما قيل عن تجمع أفضل العقول الإنسانية في وقف التدفق الهائل من آلاف البراميل من النفط بلغت بعد شهرين من الأزمة ملايين‏.‏
وكما يحدث في هذه الحالات فإن الشركات‏,‏ والدول أيضا‏,‏ تميل إلي التقليل من شأن القضية‏,‏ فجاءت التصريحات تهون من التسرب‏,‏ وتضع حجمه فيما لا يزيد علي تسرب خمسة آلاف برميل‏,‏ بينما الشركة البريطانية لديها القدرة علي التعامل مع‏250‏ ألف برميل من التسرب‏.‏ ولكن سرعان ما ظهر أن التسرب يزيد علي‏60‏ ألف برميل يوميا‏,‏ وأن قدرات الشركة لا تزيد علي خطط ورقية ثبت أنه لا وجود لها في الواقع‏.‏ ورغم التكرار الدائم من جانب الرئيس أوباما بأن هناك أكثر من‏1900‏ سفينة و‏20‏ ألف شخص يساعدون في القضاء علي التسرب فإن النتيجة هي حدوث أسوأ تسرب تشهده الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها‏,‏ بل إنه ينذر بكارثة سواء علي الصعيد الاقتصادي أو البيئي‏.‏
وهكذا وجد أوباما نفسه ليس فقط في مواجهة حروب عليه أن يخوضها‏,‏ بل أيضا أمام كارثة عليه أن يثبت فيها كفاءته السياسية والإدارية‏,‏ وانتظر الأمريكيون ردا مختلفا عما حدث خلال فترة جورج بوش‏,‏ ولكن كان هناك داخل إدارة الرئيس من هون أيضا من شأن الكارثة‏,‏ ودعا إلي أنه لا يجوز أن تصرف الأحداث في خليج المكسيك نظر الإدارة عن تنفيذ البرنامج الذي وضعته لنفسها‏.‏ وبالطبع لم يمض وقت طويل حتي باتت الكارثة من الإلحاح بحيث يستحيل علي الرئيس الأمريكي تجاهلها‏,‏ ومن ثم شمر الساعد لكي يتعامل مع الكارثة ونتائجها السياسية والاقتصادية‏,‏ وكما هي العادة لكي يحولها من مخاطرة سياسية كبري إلي فرصة عظيمة لتنفيذ برنامجه الخاص بالطاقة الجديدة والنظيفة أيضا لكي تحل محل الطاقة الكربونية وفي المقدمة منها البترول‏.‏
مثل ذلك الذي حدث كان كفيلا بأن يعيد إلي الأذهان نقاشا عنيفا داخل الولايات المتحدة حول النفط وبدائله‏,‏ وهو النقاش الذي ينبع من مصالح متعددة بين الشركات والولايات التي لها توقعات اقتصادية من مصادر الطاقة المختلفة‏.‏ ولا يخلو الأمر بالطبع من نوازع فكرية وأيدلوجية تري الطاقة الكربونية الفحم والبترول والغاز من مصادر تدمير الكوكب‏;‏ ولم تكن هناك صدفة في أن يتم استدعاء المخرج الأمريكي جيمس كاميرون صاحب تايتنك وأفاتار إلي ساحة الكونجرس لكي يبدي الرأي في ضرورة الحفاظ علي كوكب نظيف‏.‏ ولا كانت هناك صدفة في استدعاء الممثل كيفن كوستنر الذي عرف فجأة أنه يمتلك شركة كبري لتنظيف البحار من تسرب النفط‏.‏ ومن المؤكد أن الظهور المفاجئ لجيمس كاميرون وكيفن كوستنر يعكس واحدة من الخصائص الأمريكية في عدم القدرة علي استبعاد هوليوود في ساعة أزمة حزينة‏;‏ ولكنه من ناحية أخري يعكس تلك الحالة من الحيوية التي لا تستبعد أحدا من الحوار العام في ساعة أزمة لا يعرف أحد حلا لها علي وجه التحديد‏.‏
والحقيقة هي أن القضية باتت لها عدة وجوه أمريكية وعالمية‏:‏ أولها أنه مع النمو الاقتصادي العالمي الهائل خلال العقود الأخيرة أصبحت الحاجة إلي النفط تدفع للبحث عنه دون استثناء المنالطق الصعبة‏,‏ وفي المناطق الصعبة يوجد دائما مجال واسع لأحداث غير متوقعة‏.‏ وثانيها أن الشركات الكبري‏,‏ في سعيها للربح وإرضاء المساهمين فيها باتت تبالغ في اختصار الكثير من إجراءات الأمان اعتمادا أو اعتقادا في قلة المخاطر‏.‏ وثالثها‏,‏ أن القيود التي فرضتها الحكومات الغربية‏,‏ وبالذات الولايات المتحدة علي عمليات التنظيف حتي تتم حماية الحياة البرية والبيئة البحرية في العموم خلقت صعوبات كبيرة أمام عمليات التنظيف السريعة الممكنة‏.‏ ورابعها‏,‏ أن الأمر لا يخلو أيضا من انتهازية حيث تدافعت الحكومات المحلية للضغط علي الشركة البريطانية من أجل الحصول علي تعويضات عادلة عن كل شيء سييء سواء كان واقعا قبل الكارثة أو بعدها‏.‏ وخامسها أن القضية برمتها ليست منفصلة عن النقاش الدائر داخل الولايات المتحدة وخارجها أيضا حول دور الدولة والقطاع الخاص بما فيها الشركات الدولية العملاقة في التنمية الاقتصادية‏.‏ وسادسها أن الأمر برمته جديد‏,‏ ومع بداية الأزمة قدمت الشركة البريطانية تعويضات قدرها‏1.6‏ مليار دولار للجهات المضارة‏,‏ ولكن الحكومة الأمريكية طلبت‏20‏ مليار دولار للتعامل مع الأزمة بينما لا يوجد لدي الشركة لدي البنوك إلا سبعة مليارات فقط‏,‏ وهو الأمر الذي ربما كان سببا في اتفاق الرئيس أوباما مع الشركة علي إنشاء صندوق تعويضات بقيمة ال‏20‏ مليار دولار لتعويض المتضررين‏.‏ وسابعها أن عمليات الإنقاذ كلها تحتاج إلي تمويل أضخم مما تستطيع الشركة البريطانية تقديمه‏,‏ ومن ثم هل يجوز فرض ضرائب جديدة تبلغ‏50‏ مليار دولار للإنفاق علي هذه المهمة؟ وثامنها أن كل هذه الأمور واقعة ضمن الصراع السياسي والأيديولوجي الدائر في الولايات المتحدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري استعدادا لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس‏,‏ ومن بعده تلوح الانتخابات الرئاسية من جديد‏.‏ وتاسعها‏,‏ أن شبح المحافظين الجدد ظهر من جديد مبشرا بفشل تجربة أوباما الليبرالية‏,‏ ومنذرا بأنه آن الأوان للعودة إلي أجندة جورج بوش مرة أخري التي يري المحافظون أن أحد أسباب فشلها هو خيانة بوش نفسه لها خلال فترة رئاسته الثانية‏,‏ وتخليه عن الكهنة العظام للفكر المحافظ الجديد‏.‏ ولمن يشعرون الآن بالسخط علي أوباما‏,‏ فربما يكون عليهم الانتظار حتي تأتي أيام أخري تقود فيها سارة بالين الولايات المتحدة الأمريكية‏!.‏
إلي أين يأخذنا ذلك كله؟‏.‏ الإجابة عن ذلك السؤال لابد أن تأتي في إطار النظر تجاه الولايات المتحدة باعتبارها دولة من الأهمية بحيث يجب متابعتها عن قرب‏;‏ وفي إطار النظر تجاه مصر حيث الأسئلة فيها مطروحة بنفس الدرجة والحدة المطروحة بها في الولايات المتحدة‏.‏ وكل ذلك مع الأخذ في الاعتبار الفارق بين البلدين في معطيات كثيرة‏,‏ ولكن التحديات واحدة في كل الأحوال‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.