2- باستثناء الصين لماذا انهارت أمريكا وأوروبا أمام وباء كورونا ؟ منذ انتشار فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية أواخر شهر ديسمبر الماضي 2019 وبما أحدثه من وفيات وإصابات بها لم يكن يتصور العالم وبخاصة دوله الكبرى أن ينتشر هذا الفيروس ويستفحل لتنتقل عدواه وآثاره المدمرة إلى بلدان العالم وبخاصة إلى أوروبا وأمريكا ليحصد الأرواح ويتسبب في نشر الخوف والذعر ومن ثم غلق معظم أنشطة الحياة بتلك الدول ، ووصولا إلى تطبيق الحظر الصحي بعد فشل تلك الدول في السيطرة على الفيروس ووقف عدوى انتشاره على هذا النحو . ومع بداية انتشار الفيروس في الصين وإعلان سلطاتها عن عدد الوفيات والإصابات في المدن الصينية تباعا اتخذت السلطات الصينية إجراءات حاسمة ومنها فرض الحظر الصحي الكامل على مدينة ووهان والقيام بإنشاء المستشفيات الخاصة لاستقبال الإصابات حتى نجحت في السيطرة على الأزمة وبدأت الحياة تدب في أوصال المدينة من جديد ، وذلك بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى أحد مستشفياتها والتجول في شوارعها بدون ارتداء قناع ليثبت للعالم انتصار الصين على الوباء بعد أن تمكنت الصين من تقليل عدد ضحاياها ومصابيها ، لينتقل الفيروس بعدها إلى بلدان العالم حاصدا الكثير من الوفيات والإصابات في بلدان أوروبا وبخاصة في إيطاليا التي سبب فيها أكثر من 14ألف حالة وفاة ، وفي أسبانيا التي حصد فيها أكثر من 11ألف حالة وفاة ، ثم في فرنسا التي حصد فيها الفيروس أكثر من 6 آلاف حالة وفاة ومخلفا ما يقارب من 50 ألف إصابة في مدنها ، كذلك في كلا من انجلتراوألمانيا وبلجيكا وسويسرا وغيرها من دول أوروبا ، ووصولا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي احتلت النصيب الأكبر من نسبة الإصابات في بلدان العالم وأكثر من 6000 حالة وفاة دون توقف ، في حين أن عدد والوفيات بالصين قد بلغ 3300 حالة وفاة على الأكثر برغم أنها البلد المسئول عن انتشار الفيروس . ومع التداعيات الكارثية لوباء كورونا وانتشاره في أمريكا ودول صناعية كبرى كفرنساوإيطالياوأسبانيا وكلا من ألمانياوانجلترا على هذا النحو بدأ الكثير من المراقبون والمحللون بالعالم في طرح العديد من الأسئلة الهامة بعد مراقبة التطورات والأحداث ، ومن أهمها هو هل تكون الصين قد خدعت العالم ؟ وهل تكون قد تعمدت عدم إظهار المعلومات الحقيقية منذ بداية انتشار الفيروس وإخفاء حقيقة الوضع الخطير لهذا الفيروس ، وبالفعل فهناك الكثير من دول العالم وعلى رأسهم الدول الكبرى تتهم الصين علنا بأنها المسئولة عن انتشار هذا الفيروس ، سواء كان هذا الانتشار متعمدا أو غير متعمد ، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومنذ منتصف شهر يناير الماضي للعام الجاري 2020 قد اتهم الصين بالمسئولية عن انتشار هذا الفيروس ، وهو الأمر الذي نفته الصين وأعلنت مقابله باتهامها للجيش الأمريكي بالمسئولية عن نشر هذا الفيروس بهدف ضرب الاقتصاد الصيني ، وكما يرى بعض المراقبون أيضا ومن خلال الأحداث سرعة الصين في مواجهة الفيروس ووقف عدواه وهو ما يلفت الانتباه أيضا ولهذا راحوا يتساءلون هل بالفعل تمكنت الصين من إيجاد اللقاح المناسب للتغلب على الفيروس ومن ثم الاحتفاظ بسريته وحجبه عن أمريكا وأوروبا لضرب اقتصادهما ؟ إن العجيب في هذا الأمر هو أن كلا من أمريكا والدول الصناعية الكبرى وغيرهم قد وجدوا أنفسهم وبرغم ما يمتلكوه من إمكانات علمية وعسكرية واقتصادية عاجزين عن فعل شيء تجاه وقف مخاطر هذا الفيروس ، والأخطر من ذلك اكتشافهم بعدم وجود المستلزمات الطبية والمستشفيات الكافية للتعامل مع الفيروس للحفاظ على صحة رعاياها ، في حين أن الصين ظهرت بعد أن عادت الحياة في التعافي في مدنها مرة أخرى بامتلاكها الكثير من الإمكانات الطبية ، وبقدرتها وحدها دونا عن غيرها من البلدان على تصدير الأقنعة والمستلزمات الطبية إلى أمريكا وأوروبا وبالمتاجرة والمزايدة بها ، وتحقيق الأرباح الاقتصادية في وقت عجزت فيه الدول الكبرى عن مواجهة الأزمة . وفي هذا الصدد يقول أحد الخبراء الأوروبيين معلقا على مجريات تلك الأحداث ( إن أسوء ما في الكارثة أن يخرج الناس منها وهم مقتنعون بأن حلها سيكون عند الصينيين ) وبالفعل فقد اعترض الكثير من نواب البرلمان البريطاني على حكومة بوريس جونسون التي طلبت من الصين شراء الكثير من المستلزمات والأقنعة الطبية ، وقد اتهموا الصين صراحة بالمسئولية عن انتشار الفيروس وحملوها مغبة وتداعيات ذلك ، وطالبوها بتقديم المساعدات الطبية للدول المحتاجة بالمجان بدلا من الدعاية الرخيصة التي تسوقها من أجل استعادة ثقة العالم بها وباقتصادها من جديد ، وهو نفس الموقف الذي اتخذه أيضا الكثير من النواب والوزراء الفرنسيون وغيرهم من الأوروبيين والأمريكيين والذين يحملون الصين المسئولية تجاه انتشار الفيروس ، ويرى بعض الخبراء والمحللون أيضا إمكانية وجود مؤامرة صينية وراء انتشار هذا الفيروس ويرجع تكهناتهم في ذلك إلى سعي السلطات الصينية ومن خلال انتشار الوباء في الضغط على الشركات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية الموجودة بالصين لبيع أسهمها والرحيل عن الصين لتتمكن الصين بعد ذلك من السيطرة على الأسواق الدولية ومن ثم ضرب المنتجات الوطنية والاقتصاد في كلا من الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا ووصولا إلى السيطرة على اقتصاد العالم ، وبالفعل فقد سجل خلال كارثة كورونا قيام الكثير من الشركات الأوروبية والأمريكيةبالصين ببيع أسهمها بأثمان زهيدة الأمر الذي انعكس إيجابا على تعافي الاقتصاد الصيني وتحقيق الكثير من الشركات والبورصات الصينية خلال شهر فبراير ومارس الماضي أرباح إيجابية ، يحدث ذلك في الوقت الذي يتواصل فيه انهيار الاقتصاد الأمريكي والأوروبي على نحو غير مسبوق ، ناهيك عن مواصلة الفيروس في حصد وإصابة الكثير من الأرواح في تلك البلدان بشكل يومي . وعلى صعيد أخر يحمل الكثير من الخبراء والسياسيون كلا من أمريكا وأوربا المسئولية الكبرى عن الوصول إلى تلك المحنة وتعريض اقتصادهم وصحة أبناء بلدانهم لهذا الخطر ، ويرون أن الصين برغم اتهامها بعدم كشف أجهزتها الرقابية وسلطاتها المركزية عن حقيقة الفيروس ، وعن عدم مصداقيتها في الإعلان عن الأعداد الحقيقية للوفيات والإصابات قد نجحت في التعامل مع الأزمة ، في حين أن كلا من أمريكا ودول أوروبا قد انشغلوا خلال السنوات الماضية بالاهتمام بالتسلح العسكري والتقدم التكنولوجي وأهملوا الجانب الصحي على نحو خطير وهو الأمر الذي أوصلهم إلى ما هم عليه الآن، فدولا مثل إيطالياوفرنساوانجلتراوأمريكا اكتشفت بأنها لا تملك حتى أبسط المستلزمات الطبية والأقنعة اللازمة لمواجهة هذا الوباء ، مقابل الصين التي تبقى وحدها القادرة على امتلاك تلك المستلزمات وبقدرتها الفائقة على تصنيعها ، في الوقت الذي فقدت فيه أمريكا وأوروبا صناعاتهم الدوائية والوطنية بعدم قدرتها على مواجهة الوباء كما يجب، ويرجع السبب في ذلك إلى أن تلك الدول التي تدعي ممارسة الديمقراطية لم توازن في مواجهتها لأزمة كورونا ، بين المعالجات الطبية وبين حماية اقتصادها من جهة وبحفاظها على الحريات العامة من جهة أخرى ، ولهذا وبمجرد انتهاء الأزمة سيكون هناك إعادة للنظر في النموذج الاقتصادي للدول الكبرى وبجدوى استمراره من عدمه ، وستكون هناك محاسبات كبرى للقادة والحكومات من جانب أحزاب المعارضة في تلك الدول بخصوص تقصيرهم في إدارة ومواجهة تلك الكارثة كما يجب ، وبسبب إهمالهم الصحة العامة وحياة البشر مقابل اهتمامهم بجوانب أخرى لم تكن هامة للخروج من هذا النفق ، وأيا كانت الأسباب الحقيقية التي تقف وراء انتشار الفيروس فإن الإنسان سيكون في تلك المعركة هو الخاسر الوحيد .