يا علماء ويا فقهاء ويا شيوخ اليوم والمستقبل علي رسلكم رويداً رويداً لا تنفروا من الدين بعصبيتكم علي الناس وعلي أنفسكم فعليكم أن توغلوا في الدين برفق وحسن الخلق والقول اللين والأدب في النصيحة والسر بها في بعض الأحيان فلا تؤلهوا أنفسكم ويسروا ولا تعسروا وفي الحديث: 'وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ'. فميزان العدل بيد الله تعالي وحده ودخول الجنة أو النار بيده وحده وهو أعلم بعباده وسرائرهم ونياتهم وأفعالهم وأعمالهم. وهو تعالي {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فها هو النبي صلي الله عليه وسلم يخبرنا في الحديث: 'كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَي رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَي رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَي أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَي أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّي إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ. فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ. فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَي اللهِ. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَي أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَي فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَي إِلَي الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ'. وفي رواية: 'بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَي أَيِّ الْقَرْيَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ فَأَلْحِقُوهُ بِأَهْلِهَا. فَقَرَّبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ وَبَاعَدَ مِنْهُ الْخَبِيثَةَ وَأَلْحَقُوهُ بِأَهْلِهَا'. نعم أهلك دنياه وآخرته لأنه ألَّه نفسه ونصب نفسه مكان الله تعالي حاكماً وقاضياً وكأن مفتاح الجنة والنار بيده كما يفعل بعض الناس في زماننا. فهؤلاء ما قدروا الله حق قدره وما علموا أنه هو الحكم العدل وأنه هو الرحمن الرحيم وأنه هو الحليم ذو العفو والمغفرة لعباده علي ظلمهم وأنه هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها ومن الدابة بوليدها. والبعض يتمسك بالسنن ويتشدد فيها أشد من الفرائض فإذا رأي من يتركها تحمر عيناه وتنتفخ خدودة وترتعد مفاصله وينتصب كأنه أسد حروب أو نمر وثوب علي ذلك الرجل المسكين كأنه شق عن قلبه وعرف أنه كافر ابن كافر أو مشرك ابن مشرك!! فهلا كان لهؤلاء في رسول الله أسوة حسنة عندما أراد أن يعلم أحد الأعراب السنن والنوافل بعد أن علمه الفرائض فقال الأعرابي مكتفياً بما علمه من فرائض: 'وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَي هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ'. فقال النبي صلي الله عليه وسلم قولته المشهورة: 'أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ'. وصدق الله تعالي الذي وصف نبيه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَي خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال في حقه أيضاً: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} صدق الله العظيم. فيا فقهاء الإسلام ويا شيوخ الإسلام ويا نصحاء الإسلام ويا وعاظ الإسلام عليكم بالنصيحة الحسنة والقول اللين والرزين وحسن الخلق فلا تُكفروا الناس وهم لم يكفروا ولا تزكوا أنفسكم ومن لم يخطئ منكم فليرجم الناس بحجر وتأملوا في القرآن وانظروا إلي تعليم الله تعالي عندما أرسل نبيه موسي عليه السلام إلي فرعون الذي يدعي الألوهية ويقول للناس أنا ربكم الأعلي وهو أشد أنواع الشرك أمره تعالي بقوله: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَي فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَي * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَي} وتذكروا قوله تعالي في كتابه العزيز وقرآنه الكريم : {ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وقوله تعالي للمسلمين عند مخاطبة الكافرين: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} صدق الله العظيم. فهل أنتم أحق بهذه النصائح القرآنية أم باحمرار العين وانتفاخ الخدود ورفع الصوت والعصبية المفرطة وتكفير الناس أو البطش بهم أو تخويفهم وإرهابهم أو الإفتاء بقتلهم وتكفيرهم أو الحكم عليهم بالخروج عن الملة وتحليل دمائهم؟! فهل شققتم عن قلوبهم وعرفتم نياتهم أو اطلعتم علي الغيب وعلي اللوح المحفوظ وعلمتم أنهم كفار وحلال دماؤهم وأعراضهم وأموالهم؟! ألم يقل سبحانه وتعالي لنبيه المرسل سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} وقال له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَي آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} وقال تعالي: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَي} صدق الله العظيم فلا تغلوا في دينكم ولا تقولوا علي الله إلا الحق اللهم بلغتُ اللهم فاشهد