مدرب الإسماعيلي يفوز بجائزة الأفضل في تنزانيا    قراءة فى انتخابات الشيوخ    جامعة أسيوط الأهلية تطلق برنامج «الدراسة باللغة الإنجليزية (EP)» بكلية العلوم الإدارية    نجاح تجارب زراعة الذهب الأبيض بمدينة الطور |قطن سيناء.. أول قطفة    فيديو السياحة    ترامب يستبعد وقف إطلاق نار فوريًا في أوكرانيا.. ويدفع مباشرة نحو اتفاق سلام    دبلوماسي روسي سابق: بوتين يسعى لحوار شامل مع واشنطن    قيادي بالجبهة الوطنية: البيان العربي الإسلامي تحول نوعي في مواجهة إسرائيل    لليوم ال13 على التوالي.. إسبانيا تواصل مكافحة حرائق الغابات وسط موجة الحر    تجمع بين الإبداع والتميز والانفتاح على قضايا العصر طفرة نوعية في الأنشطة الطلابية بجامعة حلوان    اجتماع «أون لاين» يحسم عودته من أمريكا.. ورسالة سرية من الوزير تمتص غضبه    توتنهام يقهر بيرنلي.. وثلاثية سندرلاند تزين عودته للدوري الإنجليزي    قاضى المعارضات ينظر اليوم تجديد حبس المتهمين    عودة الحركة المرورية بعد انقلاب سيارة بطيخ بالطريق الزراعي في القليوبية    ليلة روحانية ل«التهامى» بالقلعة    يوسف عامر: تطوير تطبيق مصر قرآن كريم ليشمل الفتاوى ومعاني الآيات قريبًا    ختام ورشة كتابة القصة القصيرة بثقافة الفيوم    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟| أمين الفتوى يُجيب    5 أطعمة غنية بفيتامين «د» لتعزيز صحة العظام وتقوية المناعة    نحو ميثاق انتقالى لحركة حماس    ريو فرديناند: أرقام صلاح جنونية.. أين تصنفونه بين أساطير البريميرليغ؟    كنائس هولندية تطالب الحكومة بالاعتراف بفلسطين ووقف تسليح الاحتلال الإسرائيلي    وفاة والدة الفنان صبحي خليل.. والعزاء غدًا بالحامدية الشاذلية    محمود الهباش: الموقف المصري والأردني أسقط مخطط التهجير الإسرائيلي من غزة    تحذيرات للمصطافين من إرتفاع الأمواج فى جمصة بالدقهلية    في يوم واحد.. إجراء 20 عملية مياه بيضاء بمستشفى نجع حمادي العام بقنا    عمرو يوسف: أستعد لتصوير «موسم صيد الغزلان» إبريل المقبل.. وأنتهي قريبًا من «السلم والثعبان2»    العلاوة التشجيعية.. شروطها ونص القانون الصادر لها    الشيخ خالد الجندي: الإسلام دين شامل ينظم شؤون الدنيا والآخرة ولا يترك الإنسان للفوضى    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 أدبي.. الكليات المتاحة بكل المحافظات    خبير اقتصادي: توجيهات وزير الصناعة تكسر جمود «البيروقراطية» وتُمهد الطريق لسيارة مصرية بالكامل    شمال سيناء: استمرار حملات مواجهة الحمى القلاعية حفاظا على الثروة الحيوانية    30 ألف جنيه متوسط سعر المتر للوحدة السكنية فى مشروع ظلال بديل جنة مصر    وزير الرياضة يشهد ختام دورة الألعاب الرياضية ببورسعيد بمشاركة 10 دول عربية.. صور    نتائج بطولة كأس مصر للتجديف بالإسماعيلية.. نادي القناة يحقق الصدارة    بيان بالتفاصيل.. مدبولي يترأس اجتماع مجلس المحافظين    في 3 أيام.. إيرادات "درويش" تتجاوز 8 ملايين جنيه    إليسا تخطف الأنظار في العلمين الجديدة.. فستان وردي وحضور غير مسبوق    نائب وزير الصحة يكشف عن عدة سلبيات داخل منشآت طبية بالمنيا.. ويجازي عددا من الأطباء    ضبط 35 شيكارة دقيق مدعم و150 قالب حلاوة طحينية مجهولة المصدر في كفر الشيخ    نجم بيراميدز يتحدى الجميع: سننافس على كل بطولات الموسم.. ويورتشيتش «كلمة السر»    «حادث وادي الحراش».. إعلان الحداد الوطني وتنكيس الأعلام بعد مصرع 18 شخصًا في الجزائر (فيديو وصور)    إصابة 9 أشخاص باشتباه في تسمم غذائي إثر تناولهم وجبات بمكان ترفيهي بالشرقية    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    تنفيذ 47 ألف زيارة منزلية لعلاج لكبار السن بالشرقية    السيسي يوافق على ربط موازنة الجهاز المصرى للملكية الفكرية لعام 2025-2026    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    خالد سليم يلتقي جمهور القلعة اليوم ضمن فعاليات الدورة 33 في هذا الموعد    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جعفر الطلحاوى يكتب:إلى رئيس مصر القادم 1 — 2
نشر في الوفد يوم 07 - 06 - 2012

كتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عهدًا لمالك (الأشتر النخعي) حين ولاه مصر جمع فيه بين حاشيتي التقوى والسياسة على بُعْد أقطارهما.
وَجَدْتُه يُغْني عن كثير من كلام الحكماء والقدماء، وهو مع فرط الإطالة مأمون الملالة، لجمعه بين البلاغة البارعة والمعاني الرائعة، ولولا رغبة الناس في تغاير الكلام وميل النفوس إلى التنقل في الألفاظ، لاكتفيت بإيراد هذا العهد عن غيره، إذ كان حاوياً لأشتات الآداب والسياسات، جامعاً للأسباب التي تلزم الملوك والولاة.. والعهد هو:
هذا ما أمر عبدالله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولَّاه مصرَ: جِبَايةَ خراجها وجهادَ عدوّها، واستصلاحَ أهلها، وعمارةَ بلادها: أمره بتقوى الله تعالى وإيثارِ طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسنّته التي لا يَسْعَدُ أحدٌ إلا باتِّبَاعها، ولا يَشْقى إلا مع جُحُودها وإِضَاعَتها، وأن ينصرَ الله تعالى بيدِه وقلبِه ولسِانه، فإنه جلَّ اسمه قد تكفَّل بِنَصر مَنْ نَصَره وإعْزاز مَن أعزَّه، وأمره أن يَكْسِر مِنْ نفسه عند الشهوات وَيَرْدَعَها عِند الْجَمَحات، فإنَّ النَّفس لأمَّارةٌ بِالسُّوء إلا ما رحم الله.
ثم اعْلمْ يا مالك أَنِّي قدْ وَجَهْتُك إلى بلادٍ قَدْ جَرَت عليها دُوَل قَبْلك مِنْ عدلٍ وجورٍ، وأَنَّ النَّاس يَنْظرُون مِنْ أُمُورك فِي مِثْل مَا كُنْتَ تَنْظرُ فيه مِنْ أمورِ الوُلاة قَبْلك، ويَقُولون فِيْكَ مَا كُنْت تَقُولُ فِيهم، وَإِنَّمَا يُسْتَدلُّ على الصَّالحين بِمَا يُجرِي الله لَهُم على أَلْسُن عِبَاده، فَلْيَكُن أحبَّ الذَّخَائر إليك ذَخِيْرةُ العملِ الصالحِ، فامْلِكْ هَوَاك، وشُحّْ بِنَفْسك عَمَّا لا يَحِلّ لَكَ، فإنَّ الشُّّحَّ بِالنَفْس الإنْصافُ مِنْها فِيْمَا أَحَبَّتْ وَكَرِهَتْ. وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمة بِالرَّعيَّةِ والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللطُّفَ بِهِمْ، وَلَا تَكُونَنَّ عليهم سبْعًا ضَارِيًا، يَغْتَنِمُ أكْلَهم، فَإِنَّهُم صِنْفان:
إمَّا أخٌ لكَ فِي الدِّين، وإمَّا نظيرٌ لكَ فِي الخَلْق، يَفْرُطُ مِنْهُم الزَّلَلْ، وَتَعْرِض لَهُم العِلَلْ، وَيُؤْتَى على أَيْدِيْهِم فِي العَمْد وَالْخَطأِ، فَأَعْطِهِم مِنْ عَفْوِك وَصَفْحِك مِثْل الَّذِي تُحِبُّ أنْ يُعْطِيَكَ اللهُ تعالى مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فإِنَّكَ فَوْقَهُم، وَوَلِي الأَمْر عَلَيْك فَوْقَك، وَاللهُ تعالى فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ، وَقَدْ اسْتَكْفَاكَ أمْرَهُم وابْتَلَاكَ بِهِم.
ولا تَنْصِبنَّ نَفْسَكَ لِحَربِ اللهِ، فإنَّهُ لا يَدَ لَك بِنِقْمَتِه، وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِه، وَلَا تَنْدَمنَّ عَلَى عَفْوٍ، وَلَا تَبَجَّحَنّ بِعُقُوبَةٍ، وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ عَنْها مَنْدُوحَةٍ، ولا تَقُولَنَّ إِنِّي مؤمّرٌ، آمرُ فَأُطَاع، فإنَّ ذلك إدْغَالٌ فِي الْقَلْب، وَمَهْلَكَةٌ لِلدِّين وَتُقَرِّبُ مِنْ الغِيَر، فإذا أحْدَثَ لَكَ مَا أنْتَ فِيْه مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً وَمَخِيْلَةً، فانْظُرْ إِلَى عِظَم مُلكِ اللهِ تعالى فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مِنْك عَلَى مَا لَا تَقْدِرْ عَلَيْه مَنْ نَفْسِك، فإنَّ ذَلِكَ يُطَامِن إليك من طِمَاحك، ويَكُفّ عنك من غَرْبك، وَيَفِيء إليك بما عَزُب عَنْك مِنْ عَقْلِكَ. وَإيَّاكَ وَمُسَامَاةَ اللهِ فِي عَظَمَتِه وَالتَشَبُّه بِهِ فِي جَبَرُوتِه، فإنَّ اللهَ يُذِلُّ كلَّ جبارٍ، ويُهِينُ كلَّ مختالٍ. أنْصِفْ اللهَ وأنْصِفْ النَّاسَ مِنْ نَفْسِك وَمِنْ خَاصَّةِ أهْلِكَ وَمَنْ لَكَ فِيْهِ هَوَى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ، ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كان اللهُ تعالى خَصْمَهُ دُوْنَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ تعالى أدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ للهِ حَرْبًا حَتَى يَرْجعَ ويتوبَ، وليْس شيءٌ أدْعَى إلى تَغْيِير نِعْمةِ اللهِ تعالى وتَعْجيل نِقْمَتِه مِنْ إقامةٍ على ظُلْمٍ.
وّلَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِك بَخِيْلاً يَعْدِل بِكَ عَنْ الفَضْل، ويَعِدُك الفَقْرَ، وَلَا جَبَانًا يُضْعفُك عن الأمور، وّلَا حَرِيْصًا يُزيِّنُ لَكَ الشَّرَه بِالْجَوْر، فإِنَّ البُخْل وَالْجُبْن وَالْحِرْص غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِالله.
شَرُّ وُزَرَائِك مَنْ كَانَ لِلْأشْرَارِ قَبْلَك وَزِيْرًا، وَمَنْ شَرَكَهُم في الآثام فَلَا يَكُوْنَنَّ لَكَ بِطَانةً، فإِنَّهُم أعْوَانُ الأَئِمَّةِ وَإِخْوَانُ الظَّلَمَة، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُم خَيْرَ الْخَلَف مِمَّن لَهُ مِثْل آَرَائِهِم وَنَفَاذِهِم، وَلَيْس عَلَيْه مِثْل آَصَارِهِم وَأَوْزَارِهِم، مِمَّن لَا يُعاوِنُ ظَالِمًا عَلَى ظُلْمِهِ، وَلَا آَثِمًا عَلَى إثْمِهِ، أُوْلَئِك أَخَفُّ عَلَيْك مَؤُوْنَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُوْنَةً، وَأَحْنَى عَلَيْك عَطْفًا، وَأَقَلُّ لِغَيْرِك إِلْفًا، فَاتْخَذْ أُوْلَئِك خَاصَّةً لِخَلَوَاتِك وَجَفَلاتِك، ثُمَّ لِيَكُنْ آثرَهم عِنْدكَ أقْوَلُهُم بِمُرّ الحقِّ، وأقَلُّهم مُسَاعَدةً فيما يَكُونُ مِنْك مِمَّا كَرِهَ الله تعالى لِأَوْلِيَائِه، وَاقِعًا ذَلِك مِن هَوَاك حيث وَقَع؛ وَالْصَقْ بِأَهْلِ الوَرَع وَالصِّدْق ثُمَّ رَضِّهِم عَلَى ألَّا يُطْروك، وَلَا يُبَجِّحُوك بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْه، فإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاء تُحْدِثُ الزَّهْوَ وتُدْنِي مِنْ الغِرَّة.
وَأَكْثِرْ مُدَارَسةَ العلماءِ ومُنَاقشةَ الحكماءِ في تثبيتِ ما صَلُحَ عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقامَ به الناسُ قِبَلك.
واعلم أن الرعيَّةَ طبقات لا يصلحُ بَعْضُها إلا بِبَعض، ولا غِنَى ببعضها عن بعض، فمنها جنودُ الله، ومنها كتّابُ العامة والخاصة، ومنها قضاةُ العدل، ومنها عمّالُ الإنصافِ والرفقِ، ومنها كتّابُ أهلِ الجزيةِ والخراجِ مِنْ الذِمَّة ومَسْلمة الناسِ، ومِنْها التُّجارُ وأهلُ الصِّناعاتِ، ومنها الطبقةُ السُفْلى مِنْ ذَوِي الْحَاجَة وَالْمَسْكَنة، وَكُلُّ مَن قد سَمَّى اللهُ تعالى سَهْمَهُ، ووضع على حَدِّه وَفَرِيْضَتِهِ فِي كِتابِهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ عليه السلام عهدًا مِنْهُ مَحْفُوظًا:
فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَزَيْنُ الوُلَاةِ وَعِزُّ الدِّيْنِ وَسُبُل الْأَمْنِ، وَلَيْس الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِم، ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَا بِمَا يُخْرِجُ اللهُ تعالى لَهُم مِن الْخَرَاج الَّذِي يَقْوُون بِهِ فِي جِهَاد عَدُوِّهِم، وَيَعْتَمِدُون عَلَيْه فِيْمَا أَصْلَحَهُم، وَيَكُونُ مِن وَرَاءِ حَاجَاتِهِم، ثُمَّ لَا قِوَام لِهَذَيْن الصِّنْفَين إِلَا بِالصِّنْف الثَّالِث مِن القُضَاة والعُمَّال وَالكُتَّاب، لِمَا يُحْكِمُون مِن الْمَعَاقِل ويَجْمعون من الْمَنَافِع، ويُؤْتَمَنون عليه مِنْ خَوَاصِّ الأمُورِ وَعَوامِّها، ولا قِوَام لهم جميعا إلا بالتُّجَّار وَذَوِي الصِّناعات فيما يَجْتمعون عليه مِنْ مَرَافِقِهم ويُقِيمون مِنْ أسواقهم ويَكْفونهم بِالرِفْق بأيديهم مما لا يَبْلُغُه رِفْق غَيْرِهم، ثم الطبقة السفلى أهل الحاجة والمسكنة الذين يَحِقّ رِفْدهم ومعونتُهم، وفي الله لكلٍّ سِعَة، ولكلٍّ على الوالي حقٌّ بِقَدر ما يُصْلِحه.
فولِّ مِنْ جُنُودك أنْصَحَهم في نَفْسِك للهِ تَعَالى وَلِرَسُولِه صلى الله عليه وسلم ولإمامك، وأنقاهم جَيْباً، وأفْضَلهم حِلْماً، ممّن يُبطىء عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء، وينبو على الأقوياء، ممن لا يُثِيره العُنْف، ولا يَقْعُد به الضعف. ثم الصَقْ بِذَوِي الأحْساب وأهلِ البُيُوتات الصَالحةِ والسَوَابق الحسنة، أهلَ النجدةِ والشَّجاعة والسَّخاء والسَّماحة، فإنهم جِمَاع الكَرم وشعب العرف، ثم تفقّدْ مِنْ أمورهم ما يتفقدُ الوالدان من ولدهما، ولا يَتَفَاقَمنّ في نفسك شيء قوّيتهم به، ولا تحقرنّ لطفًا تعاهدتهم بِهِ وإنْ قَلَّ، فإنَّهُ داعيةٌ لهم إلى بذل النصيحة لك، وحُسْنِ الظنِّ بِكِ. ولا تَدَعْ تَفَقُّد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فإنَّ لِلْيَسير مِن لُطْفك موضعًا ينتفعون به، وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه.
وَلْيَكُن آثر رؤوسِ جندك عندك من وَاسَاهم في معونته، وأَفْضَلَ عليهم من جِدَته بما يَسَعُهم ويَسَع من وراءَهم من خلوف أهليهم، حتى يكون همَُّهم هَمََّا واحدًا في جهاد العدوّ، فإنَّ عطفك عليهم يُعَطِّف قلوبهم عليك، وإنَّ أفضَلَ قُرَّة عين الولاة استقامةُ العدلِ في البلاد، وظهورُ مودَّةِ الرعيَّة، وإنَّه لا تظهر مودَّتُهم إلا بِسلامة صدورهم، ولا تصِحُّ نصيحتُهم إلا بحيطتهم على وُلاةِ أمُورهم وقِلَّةِ اسْتِثْقَال دولهم، وَتَرْكِ اسْتِبْطاء انقطاع مُدَّتهم، وافْسَحْ في آمالهم، وَوَاصِل مِن حُسْن الثَّناء عليهم، وتَعْديد مَا أبْلى ذَوُو البلاء منهم، فإنَّ كثرةَ الذِّكر لِحُسن فِعَالِهم تَهُزُّ الشُّجاع، وتُحَرِّض النَّاكِل إنْ شَاء اللهُ تعالى.
ثم اعْرِف لِكلِّ امْرئ منهم ما أبلى، ولا تَضُمَنَّ بلاء امرئ إلى غيره، ولا تَقْصُرَنَّ بِهِ دون غايةِ بَلَائه، ولا يَدعُونَّك شرفُ امْرئٍ إلى أنْ تُعَظِّم مِن بَلَائِه ما كان صغيراً، وَلَا ضِعة امْرئٍ إلى أن تَسْتَصْغِر مِن بَلائِه ما كان عظيماً.
وارْدُدْ إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يُضْلِعُك مِن الخُطُوب، ويَشْتَبِه عليك مِن الأمُور، فقد قال الله تعالى لقومٍ أحبَّ إرشادهم: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ..."، فالرادُّ إلى الله الآخذُ بِمُحكم كتابه، والرادُّ إلى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم الآخذُ بِسُنَّتِه الجامعة غير المفرّقة.
وفي الحلقة القادمة نواصل بحول الله وقوته تقديم بقية وصية الإمام علي لمالك الأشتر، حينما ولاه مصر
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.