تسونامي يضرب جزر الكوريل الروسية وهوكايدو اليابانية بعد زلزال قوته 8ر8 درجة    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 30-7-2025 مع بداية التعاملات    ترامب: يتم إرسال العديد من الأموال إلى قطاع غزة وحماس تقوم بسرقتها    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    عمر فاروق: وعي الشعب المصري خط الدفاع الأول ضد مؤامرات «الإرهابية»    الغمري: «الإخوان الإرهابية» تزور التاريخ.. وتحاول تشويه موقف مصر الداعم لفلسطين    الحكومة تواصل إنقاذ نهر النيل: إزالة 87 ألف حالة تعدٍ منذ 2015 وحتى الآن    مدير أمن سوهاج يتفقد الشوارع الرئيسية لمتابعة الحالة الأمنية والمرورية    غرق طفل بترعة في مركز سوهاج.. والإنقاذ النهري ينتشل الجثة    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الإعلامى حسام الغمرى: جماعة الإخوان تحاول تشويه موقف مصر الشريف تجاه فلسطين.. فيديو    محمد محسن يحتفل بعيد ميلاد زوجته هبة مجدي برسالة رومانسية (صور)    لهذا السبب... لطفي لبيب يتصدر تريند جوجل    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    ترامب يهدد بفرض عقوبات ثانوية ويمنح روسيا 10 أيام للتوصل لاتفاق مع أوكرانيا    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول ضد يوكوهاما والموعد والمعلق.. موقف محمد صلاح    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    «التموين»: لا صحة لعدم صرف الخبز المدعم لأصحاب معاش تكافل وكرامة    بكابلات جديدة.. قرب الانتهاء من تغذية محطة جزيرة الذهب أسفل كوبري العمرانية    من المهم توخي الحذر في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 30 يوليو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    وكيله ل في الجول: أحمد ربيع لم يفقد الأمل بانتقاله للزمالك.. وجون إدوارد أصر عليه منذ يومه الأول    الخارجية الأردنية ترحب بعزم بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    استعدادًا للموسم الجديد.. نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تصبح سلطة الإخوان
قضية وجود!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 11 - 03 - 2013

لم تعد القضية الفلسطينية في منظور جماعة الإخوان، قضية وجود لا قضية حدود، فقد تم استبدالها بالسلطة حيث يتأكد يوما بعد يوم، من خلال تصرفات أهل الحكم، أن السلطة في ذاتها غدت قضية وجود لا قضية حدود، أيا كانت محاولات ودعوات إعادة رسم الخطوط والحدود بين الجماعة والقوي الوطنية، ولعلي لم أجاف الصواب عندما تساءلت هنا قبل بضعة أسابيع : لماذا تتصرف جماعة الإخوان كأنها قوة احتلال؟، فالشاهد أنها لا تزال لا تري في مرايا الواقع الوطني إلا نفسها، حكما واستحواذا وسطوة، مهما تكن طبيعة المتغيرات العاصفة من حولها، ومهما تكن طبيعة ودرجة الرفض الشعبي، ومهما نمت وتكاثرت المخاطر التي تهدد الكيان الوطني حد الاحتراب والتفكك.
والحقيقة أن محاولة تفسير ذلك، بأننا نواجه حكما ذا جلد سميك، لا تخرج عن محاولة إيقاف النظر عند حدود السطح الخارجي لنظام حكم الجماعة، لتصبح المشكلة معلقة بالجلد فقط، الذي يتمتع بخاصية خاصة هي خلوه من خلايا استشعار تعمل علي نقل المتغيرات في البيئة الخارجية إلي العقل عبر جهازه العصبي المركزي، ليقوم الجسد تلقائيا بالتكيف مع هذه المتغيرات، كما هو الحال في أغلب الكائنات الحية ، ذلك أنه إذا اقتصر الأمر علي هذا التفسير لتوقف الحل علي أحد خيارين، إما سلخ الجلد كي يصل نبض المتغيرات في البيئة إلي عقل الحكم مباشرة، وإما زرع خلايا عصبية اصطناعية في نسيجه كي تقوم بالوظيفة ذاتها، وكلا الأمرين لا يمثل حلا حقيقيا للمحنة التي تمسك بمصر بين فكيها، وربما لهذا لست من الذين يوافقون علي نظرية تفسير الأزمة بسماكة جلد أهل الحكم، وإن روجوا بأنفسهم لذلك، إذا أنني أري أن سهام وحراب المشكلات والأزمات المشتعلة في أنحاء مصر، ليست كفيلة باختراق أي جلد مهما تكن درجة سمكه، ولكنها كفيلة بالوصول إلي القلب وإجباره علي أن يقطر دما لا دموعا، ولهذا ينبغي البحث عن تفسير آخر، ليس في جلد الحكم وإنما في استراتيجية الجماعة.
أذكر أنني كتبت هنا قبل بضعة أشهر، مفسرا جوهر الأزمة الراهنة قبل أن تصل أعراضها وتداعياتها إلي هذا الحد، أن نظام الحكم قد اختار في سبيل استحواذه الدائم علي السلطة، وإحلاله لنفسه محل الدولة، وفرضه لقواعد العملية السياسية، التي تبقيه خالدا فوق سدة الحكم، أسلوب ومنهج 'المباراة الصفرية'، وهي مباراة عفي عليها الزمن فلم تعد قائمة في واقع المبارزات العسكرية أو الاستراتيجية بين جيوش الأمم، بقدر ما تحولت إلي نوع من مباريات عصف العقل، تقتصر علي القيام بتمارين افتراضية فوق مسرح الألعاب الإلكترونية، شأنها شأن المواجهات فوق رقع الشطرنج، التي تنتهي بتدمير أحد الجيوش وإزاحة الملك، غير أن نمط 'المباراة الصفرية' ينبني دائما علي 'عقيدة الصدمة' وهي نظرية متكاملة في إحداث تغيير جذري في البيئة، اقتصاديا واجتماعيا ومن ثم سياسيا، استغلالا لحالة مستجدة كبري سواء أكانت من صنع الطبيعة كالكوارث بأنواعها، أو من صنع البشر كالاضطرابات والثورات، وهي أحد الأعمدة الرئيسة لمدرسة شيكاغو وصاحبها 'ميلتون فريدمان' في فرض نموذج السوق الحر والرأسمالية الأصولية، والعلاج بالصدمة في كنف صندوق النقد الدولي، جنبا إلي جنب مع استئصال المعارضة، واستئناس بعض وجوهها كما حدث في تشيلي بعد الانقلاب علي الليمبي، وفي انجلترا نفسها في أعقاب حرب فوكلاند، وفي بلغراد بعد هجوم الأطلنطي، بل في العراق بعد احتلاله.
وما يهمنا هنا في العلاقة بين نمط 'المباراة الصفرية' و'عقيدة الصدمة' أمرين: استغلال حدث الثورة نفسه وما تلاه من متغيرات لتفكيك الدولة لا النظام السياسي فحسب، والعمل علي توجيه التغيير وفق مصالح أقلية محددة، مع نزع أمل التغيير الحقيقي الذي ينتظره عموم الناس بكل التضحيات التي قدموها، وكلا الأمرين تجري به 'المباراة الصفرية' التي يخوضها النظام الراهن علي قدم وساق، لكن تبنَّي هذا النمط في حيز التطبيق العملي، كما هو جار في مصر الآن يفرض عدة معايير محددة، تفسر بدورها كثيرا من سلوك الحكم، فإذا كانت ' المباراة الصفرية' تنتهي إلي كسب بالمطلق أو خسارة بالمطلق، فإن المعيار الأول لتطبيقها أن يأخذ التفكير ومن ثم التنفيذ طابعا خطّيا أي أن يسير في اتجاه مستقيم للوصول إلي الهدف الاستراتيجي من أقصر الطرق أولا وبأسرع الخطوات الممكنة ثانيا، وهذا بدوره ما يعكس معايير أخري متلازمة مع هذا الطابع، وهي محدودية وضعف المناورة أولا، وعدم السماح بتقديم أي تنازلات أو السعي إلي تهدئة حقيقية ثانيا، والتعجّل الشديد في قطع المسافات ثالثا، وعدم الالتفات إلي الخسائر الجانبية رابعا، وعدم وضع التفاعلات الجانبية رغم ما قد تحدثه من سلبيات شديدة في الاعتبار خامسا، واستخدام كل الوسائل الممكنة سياسية أو غير سياسية، وقانونية أو غير قانونية، في تحطيم دفاعات الخصوم سادسا، والوصول إلي الهدف الاستراتيجي هو المعيار الوحيد للكسب، أما الخسائر الجانبية، أو التفاعلات السلبية المصاحبة، فينظر إليها علي أن معالجتها واحتوائها ممكن في أعقاب الوصول إلي الهدف، لا قبل الوصول إليه، ولهذا ينبغي عدم الالتفات إليها في الطريق نحو الهدف، لأن عملية الالتفات إليها ستشكل حواجز تقلل من قوة الاندفاع علي جانب، وتطيل من السقف الزمني للإمساك بالهدف علي الجانب الآخر، إضافة إلي أن التمسك بمعيار عدم تقديم أي تنازلات للخصوم من شأنه أن ينزع الأمل من قلوبهم بشكل كامل، ومن ثم يساعد علي دفعهم خارج الساحة أو علي قبولهم بمنطق المباراة وفق القواعد المفروضة.
في ضوء ذلك يمكن البحث عن تفسير آخر، غير 'الجلد السميك' لغيبة ردود فعل مناسبة من السلطة تجاه ما يجري فوق أرض الواقع من أزمات، سواء أكانت الأزمات التي تمسك بتلابيب القواعد المنتجة العريضة من المواطنين في الغذاء والوقود والأسعار واضمحلال القدرة علي إشباع الحاجات الأساسية، وتفشي البطالة وتجريف العملة الوطنية وتصدع الصناعة واستفحال العجز في الموازنة العامة وفي الميزان التجاري، الخ....، أو الأزمات التي تعكس تآكل مصداقية الحكم وانخفاض منسوب تأييده، وتحولها إلي صدامات دامية تغطي الميادين والشوارع الرئيسة في أغلب المدن المصرية، والتي وصلت بدورها إلي أعماق المناطق الريفية، إلي جانب غض البصر عن التهديدات الاستراتيجية المستجدة، التي تحيط بالكيان الوطني وتصوّب مدفعياتها الثقيلة علي جميع المحاور الاستراتيجية، عبر حدوده وبواباته.
وفي المحصلة النهائية، ففي إطار ذلك يمكن الإجابة عن هذا السؤال المعلّق : لماذا يبدو نظام الحكم سادرا في غيّه، غير مبال، لا بالدم الذكي الذي يسال علي الأرصفة، ولا بالفقر والجوع الذي ينخر في عظام الناس، ولا بعوامل الفرقة والاحتراب والانقسام، التي تشق صخرة الوطن، ولا بهذا الغضب السائل الذي أصبح بحرا واسعا يغطي سطحه نوافذ البيوت، ولا بحالة التمرد والعصيان التي تنفث نارها في الصدور، لماذا يبدو في مواجهة ذلك كله ساكنا، بليدا، غير مكترث ولا مبال، وكأنه يشكل بذاته عالما خاصا مستقلا، عما يجري حوله، وكأن ما يضطرب من حوله، وما يصطدم به، إنما تجري به المقادير في كوكب آخر، في فضاء بعيد.
قد يكون من الضروري التأكيد علي أن استخدام نمط 'المباراة الصفرية' كمنهج للحكم في مرحلة انتقالية وفي بيئة وطنية واسعة، تتنوع فيها وتتداخل عوامل التأثير المحسوبة وغير المحسوبة، داخل بوتقة واسعة من التفاعلات، يشكل بدوره مغامرة غير محسوبة عالية التكلفة، غير مأمونة العواقب أو مضمونة النتائج، إذ غالبا ما يكون الثمن المدفوع خصمًا من أرصدة الوطن نفسه واقعًا ومستقبلا وسلامة واستقرارًا، وهي أرصدة ممتدة تشارك في تسديد أعبائها عدة أجيال قادمة، حتي لو انتهت المباراة لصالح نظام الحكم، الذي قد يجد نفسه حاكما مطلقا فوق الأنقاض، والذي لن يجد بديلا عن أن يضع نفسه بنفسه في حالة استضعاف وتبعية، مع القوي المسيطرة دوليا، وفي حالة استقواء واستبداد في الداخل، بحكم ما لحق بالوضع الداخلي من تصدعات وانهيارات، وما أصاب شعبيته من تآكل ومشروعه من إفلاس، فتلك هي النتيجة الطبيعية إذا ما نجح النظام في استكمال المباراة إلي نهايتها، وتمكن من الوصول إلي هدفه والإمساك به، لكن ذلك مرهون بشرطين أساسيين، وهما تحديدًا: الأول، معدل تراكم الخسائر الجانبية التي تلحق به، وبدرجة قبوله شعبيًّا، والتي يمكن أن تشكل حواجز معيقة له في مرحلة متقدمة قبيل وصوله إلي هدفه، والثاني، درجة نضج التفاعلات الجانبية علي المستوي الشعبي، والتي يمكن أن تسيطر علي التفاعل الرئيسي وتغير اتجاهه، وتدفعه إلي الناحية العكسية، أي الناحية المناقضة لاتجاه هدف النظام، وفي كلتا الحالتين، فإن المنحني الذي يمكن أن يأخذه توجه النظام، لا يخرج عن خيارين، إما إعادة المباراة وفق معطياتها الجديدة ببناء سقف زمني أطول لها، مع تقديم بعض التنازلات الشكلية، وإما الخروج من المباراة كليًا، وفرض حالة عامة من الفوضي، واستخدام القوة بكل مستوياتها، للوصول إلي الهدف والإمساك به عنوة، وإذا كانت هذه هي طبيعة 'المباراة الصفرية' التي تبدو معالمها وآثارها واضحة، في حيز السلوك العملي للنظام، فما هو الهدف المباشر الذي يريد أن يصل من خلالها إليه؟
أعتقد أن الهدف المرحلي المباشر هو إضفاء صبغة ديمقراطية شكلية مصطنعة، علي عملية استحواذ النظام علي السلطة والدولة وتغيير قواعد الأمن القومي، باستكمال تشكيل مجلس للنواب يمنح نظام الحكم شرعية شكلية كاملة، معترفًا بها من داعميه الدوليين والإقليميين، تمنحه بدوره حقوقًا مباشرة في استكمال تحقيق أهدافه السابقة ذاتها، عن طريق طرد خصومه كليا خارج الساحة، واستكمال استحواذه علي مؤسسات الدولة، وإخضاعها كليا له، بعد تفكيكها رأسيا وأفقيا، ودفع أتباعه والمؤيدين له، وغيرهم ممن يتم شراء ولائهم لاحتلال مواقع القيادة والنفوذ في مستوياتها الرئيسية.
في ضوء ذلك يمكن تفسير كثير من الظواهر والإجراءات، التي أقدمت عليها السلطة الحاكمة، والتي بدت أحيانا غير مبررة، وغير مفهومة، بل أحيانا غير منتجة، إلا لمزيد من الفرقة والشقاق، بدءًا من السرعة الضوئية في إقرار الدستور ودفعه إلي الاستفتاء، وانتهاء بإصدار قانون الانتخابات، دون إعادة عرضه علي المحكمة الدستورية، رغم وجود يقين لدي المصدرين له بعدم دستوريته، بسبب مخالفتين جوهريتين، هما ما يتعلق بالتجنيد وتقسيم الدوائر، أو حسب تفسير المتحدث الرسمي باسم الجماعة، لإصدار القانون دون إعادته للمحكمة، بأن 'إعادة القانون مرة أخري إلي المحكمة الدستورية، كان سيعطل الانتخابات' فإتمام الانتخابات والاستحواذ علي مقاعد المجلس القادم بكل السبل والأدوات، هو الهدف المرحلي المباشر الذي يعلو علي كافة الأوضاع المتفجرة القائمة، والأهداف المنتظرة القادمة، لأنه يعني كما سبق القول، استكمال الشرعية الشكلية للسلطة القائمة، وإطلاق يدها دون قيود، سواء في تصفية المعارضة أو في استكمال عملية الانقضاض علي الدولة، والاستحواذ الكامل عليها، ولهذا يبدو أن 'واشنطن بوست' نفسها، لا تفهم بالقدر الكافي، منطق الجماعة عندما تقول بالنص 'مصر تنزلق إلي الخراب، وحكومة مرسي لا تفعل شيئا، وتنزلق نحو الهاوية المالية' فليس مهمًا في فقه الجماعة ولدي هذه السلطة، أن تنزلق مصر إلي الخراب، أو إلي الهاوية المالية، أو إلي الفوضي والحرب الأهلية، مادام تحقيق هدف الاستحواذ الكامل علي الدولة، بإضفاء شرعية شكلية علي النظام، يعلو علي سواه من الأهداف، ومادام العمل يجري باستخدام كل الوسائل لتحقيقه، ولهذا فإنني لا أجد سندًا منطقيًا أو واقعيًا، للقول إن قرار محكمة القضاء الإداري، الذي ترتب عليه إرجاء الانتخابات لفترة قد تطول بضعة أشهر يشكل 'فرصة حقيقية لمصالحة وطنية' ولا أن 'الفترة التي يمنحها قرار الوقف تفتح الباب لاحتمالات عديدة كثير منها إيجابي ويعطي أملا' ولا أن 'وقف الانتخابات ربما يكون فرصة أخيرة لكي يعود العقل إلي سلطة الحكم' ولا أن الوقف 'هدية من السماء' ولا أنه 'فرصة تاريخية ستقود إلي توافق سياسي حقيقي' رغم أن جميع هذه الأقوال صدرت عن معارضين بارزين، ليس لديّ شك في صدق وطنيتهم وطيب نواياهم، لكن الملفت للنظر أن أفضل الردود عليهم، من أفواه تنتسب إلي الجماعة، وصفت أقوالهم بأنها تعبر عن 'فرح طفولي بالهروب من الانتخابات' ولهذا أيضًا فإنني أري أن منطق 'المباراة الصفرية' سيظل معتمدًا بوصفه منهجًا وحيدًا لا بديل له، ولا تبديل له، في عقل سلطة الحكم، وفي ممارساتها، ومهما اتسع حجم الصدام وتضاعف نزيف الدم، وارتفعت أمواج الغضب الشعبي، التي ستتم تغذيتها تلقائيًا بمزيد من الفقر والجوع، جنبًا إلي جنب مع مزيد من الإهمال واللامبالاة وعدم الاكتراث.
والمؤكد عندي أن السعي الوحيد لسلطة الحكم لن يخرج عن محاولات مستميتة لدفع المحكمة الدستورية إلي إقرار قانون الانتخابات المعدل، خارج إطار الوقت المحدد لإنضاجه قانونيا، ولن يخرج عن محاولات لتقديم بعض الإغراءات أو الإغواءات الشكلية، لدفع جانب من وجوه المعارضة إلي الانخراط في عملية الانتخابات، التي سيخوض الإخوان معركتها علي 100% من المقاعد، وقد أعدوا عدتهم لاستخدام كل الأدوات المشروعة وغير المشروعة، لحصاد أغلبية ملموسة لمقاعدها، مهما تكن حقائق الرفض والغضب ممسكة كالنار بصناديقها، وإذا كان هناك من يتصور أو يعتقد أن هناك إمكانية لانحناء سلطة الحكم، أمام طلبات من نوع تغيير الحكومة الحالية بحكومة ائتلافية، أو استبدال أحد وجوه القضاء المضيئة بالنائب العام، فإنه يقتات وهما كاذبًا، أو إيهاما باطلا، فصندوق الحكومة المغلق عند رئيسها، بكل ما يتضمنه من تعهدات واتفاقيات وعقود لصالح قوي دولية وإقليمية، وعلي حساب المصلحة الوطنية، لا سبيل إلي فتحه بمفتاحه الطبيعي، كما أن تغيير النائب العام، قد يؤدي إلي أن تأخذ التحقيقات في كثير من القضايا والاتهامات المعلقة مجري، لا ينبغي حفره أو الوصول إليه.
والمؤكد عندي بعد ذلك أن مزيدا من الإكراه المادي والمعنوي، سوف يتقدم علي قارعة الطرق المفتوحة، وأن دعوات استخدام القوة، ودعوات تنظيم لجان شعبية، ل'تنظيف مصر من هؤلاء البلطجية' و'إلقائهم من فوق الكباري' و'الزج بهم في السجون والمعتقلات' سوف تتصاعد وتعلو نبرتها، وسوف يحاول بعضها أن يتنفس في زوايا بعض المدن والقري، محاولة أن تحل نفسها محل شرطة تجاهد كي تستعيد وعيها الوطني، ودورها التاريخي، رافضة أن تتحول إلي بارود في بنادق سلطة تريد أن تختبئ خلف صفوفها.
ليس لدي هذا النفر القليل، الذي يفرض سلطانه علي الجماعة، وعلي الحكم، إلا نوعًا واحدًا من التفكير، وهو تفكير خطّي يسير مسرع الخطي في اتجاه واحد، إذا ناور فهو يلتف حول نفسه بلا بدائل، وإذا اصطدم بجدار رفض لا يقفز من فوقه، ولكنه يسعي إلي تقويضه وهدمه، وليس في المستقبل المنظور أفا باديٍ للأسف خارج هذه الحدود.
Email : [email protected]
Site: ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.