اسعار الفراخ البيضا والبلدى اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى بورصة الدواجن.    دمشق.. سوريا والاتحاد الأوروبي يطلقان يوم حوار مع المجتمع المدني    فيديو.. طفل بغزة يصرخ بسبب غرق خيامهم بالأمطار: خدنا يا الله وريحنا    التفاصيل الكاملة لحادث انقلاب حافلة رحلات في إسنا بالأقصر: وفاة مشرفة وطالبة وإصابة 24 آخرين    محمد عبد العزيز عن رفضه إعادة تقديم الأعمال القديمة: صدمت من تحويل فيلم عظيم لمسلسل ساذج!    الموقف الطبي لرباعي الأهلي بعد إصابتهم في المنتخب    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    تأجيل محاكمة 56 متهمًا بخلية التجمع    استجابة لما نشرناه امس..الخارجية المصرية تنقذ عشرات الشباب من المنصورة بعد احتجازهم بجزيرة بين تركيا واليونان    حكم مباراة الزمالك وزيسكو الزامبي في الكونفدرالية    للأمهات، اكتشفي كيف تؤثر مشاعرك على سلوك أطفالك دون أن تشعري    المتحف المصرى بالتحرير يحتفل بمرور 123 عاما على افتتاحه    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    قناة السويس تشهد عبور 38 سفينة بحمولات 1.7 مليون طن    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    عروض فنية وإبداعية للأطفال في ختام مشروع أهل مصر بالإسماعيلية    انطلاق الأسبوع التدريبي ال 15 بقطاع التدريب وبمركز سقارة غدًا    قافلة تنموية شاملة من جامعة القاهرة لقرية أم خنان بالحوامدية    مؤتمر جماهيري حاشد ل«حماة الوطن» بالدقهلية لدعم مرشحه في النواب 2025 | فيديو    الموسيقار هاني مهنا يتعرض لأزمة صحية    المدير التنفيذي للهيئة: التأمين الصحي الشامل يغطي أكثر من 5 ملايين مواطن    محافظ الجيزة يُطلق المهرجان الرياضي الأول للكيانات الشبابية    سفير فلسطين بالنمسا: هدنة غزة هشة.. وإسرائيل قتلت 260 فلسطينيًا منذ بدء وقف النار    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    التعليم العالى تقرر إلغاء زيادة رسوم الخدمات لطلاب المعاهد الفنية.. تفاصيل    مواجهات حاسمة في جدول مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    بتكوين تمحو معظم مكاسب 2025 وتهبط دون 95 ألف دولار    وزيرة التنمية المحلية تفتتح أول مجزر متنقل في مصر بطاقة 100 رأس يوميا    رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات يجتمع بشركات جمع ونقل مخلفات المجازر بالقاهرة    الأعلى للثقافة: اعتماد الحجز الإلكتروني الحصري للمتحف المصري الكبير بدءًا من 1 ديسمبر    كانافارو مدرب أوزبكستان: منع خطورة محمد صلاح مهمة مستحيلة    «التخطيط» تطبق التصويت الإلكتروني في انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    حارس لايبزيج: محمد صلاح أبرز لاعبي ليفربول في تاريخه الحديث.. والجماهير تعشقه لهذا السبب    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    درجات الحرارة على المدن والعواصم بمحافظات الجمهورية اليوم السبت    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    كولومبيا تشتري طائرات مقاتلة من السويد بأكثر من 4 مليارات دولار    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    حبس عصابة استدرجت صاحب شركة واستولت على أمواله بالقاهرة    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يتصرف الإخوان كأنهم قوة احتلال ؟!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 18 - 02 - 2013

لا أذكر أنني استخدمت وصف ' الأخونة' مرة واحدة، علي أي من مظاهر عملية الاستحواذ والإحلال التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين لنفسها، في المفاصل والعقد المركزية للدولة المصرية، برغم أنني حرصت مبكّرا للغاية، وقبل أن تتنكر الجماعة لوعدها كعادتها، وتدفع بمرشح ينتمي إليها إلي موقع الرئاسة، علي التحذير من أن الجماعة لن تتوقف عند حدود الاستئثار بالنظام السياسي العام في المجتمع، في حالة قفز ممثل لها إلي قمة السلطة، وإنما سينصب جهدها بالدرجة الأولي علي أن تحل نفسها محل الدولة ذاتها علي أساس أن ذلك هو الهدف الاستراتيجي المباشر لها في نظرية التمكين.
لقد كان تقديري أن وصف عملية الإحلال بأنها ' أخونة' لا يتسم بالدقة، لأنه يستند علي جانب إلي معايير قيميّة، لا إلي أعمال تناهض الدستور والقانون، بقدر ما تناقض المشروعية التاريخية والثقافية والاجتماعية، قبل المشروعية السياسية، فضلا عن أنه يعطي انطباعا بأن ما يجري، أقرب إلي عملية بناء أو إعادة بناء للدولة، لا عملية تقويض وهدم لقواعدها التاريخية، إضافة إلي أنه–علي جانب آخر–يخلع علي العملية نفسها، طابعا ناعما وسلميا، وأنها بالتالي مجردة من الإكراه المعنوي والمادي، وهو ما يناقض طبيعتها الحقيقية .
وإذا لم يكن وصف ' الأخونة ' لهذه الأسباب كافيا لإضاءة عمق عملية الإحلال، التي تتم من قبل الجماعة في مفاصل الدولة وعقدها الرئيسة، فما التوصيف البديل الصحيح ؟
أعتقد جازما أن المظاهر الواضحة للتوجه العام للجماعة في قلب الدولة والمجتمع، أقرب ما يكون ممارسة وسلوكا إلي سلوك ' قوة الاحتلال' ، لا إلي ممارسة جماعة سياسية بعينها، أو سلوك سلطة حكم، أيا كانت، علما بأن وصف سلوك جماعة أو حزب علي هذا النحو، لا يعني بالضرورة أنه ينطبق علي الجماعة أو الحزب بنية أو تكوينا .
إن من يريد أن يبحث عن مقاربة بين سلوك الجماعة في حيّز الواقع العملي، و سلوك أي قوة احتلال، استحوذت علي جانب من الأرض والسلطة، هنا أو هناك، أن يجد القرائن دالة، ومعايير السلوك واضحة، وتكتيكات الحركة متقاربة، ربما حد التطابق، ينطبق ذلك–مثلا–علي واحدة من أهم أدوار أي ' قوة احتلال' وهي إطلاق عملية ثقافية ومذهبية ذات طبيعة سياسية، هدفها طمس الهوية القومية، بإحياء مجموعات من الهويات الفرعية، علي أساس الثقافة أو الدين أو المذهب أو العرق، إذ سرعان ما تضع هذه الهويات الفرعية نفسها بنفسها مع نفسها، في حالة مواجهة وصدام، قبل أن تضع الوطن كله في حالة انقسام وتناحر وشقاق، ولعل الوثائق البريطانية نفسها لا تكذب ولا تتجمل، حين تؤكد أن سلطات الاحتلال البريطاني هي التي عمدت في جميع البلدان التي احتلتها، علي إحياء وشحن التباينات والتنوعات الدينية والثقافية والعرقية، وتحويلها إلي مساحات للتقسيم الداخلي، فوق حدود صدام ملتهبة، بين جماعات سياسية متناحرة، ينطبق ذلك في الهند علي الهندوس والمسلمين والسيخ، وفي سيريلانكا علي التاميل والسنهال، وفي قبرص علي اليونانيين والأتراك، وفي ماليزيا علي الصينيين والماليزيين، وفي جزر فيجي علي الهنود والفيجيين ... الخ ... وإن كانت محاولاتها الدائبة في مصر لإحياء وشحن التباينات، علي أساس ديني بين المسلمين والمسيحيين، أو بين جامع الأزهر و الكنيسة الوطنيه، قد حظيت بفشل تاريخي غير مسبوق، فقد توحدا في تيار الثورة العرابية، وفي المواجهة الدامية مع قوات الاحتلال، كما حافظا علي اندماجها المقاوم في وجه الاحتلال البريطاني، علي امتداد ما يزيد علي ثلاثة أرباع قرن كامل من الزمان، وهو أمر يدعو إلي النظر بعمق أكبر، وثقة أشد، في خصوصية البنية المصرية، وعمق وصلابة جذور الوحدة الوطنية في تربتها التاريخية .
ولكن النظر إلي فشل قوات الاحتلال البريطانية في خلق هويات فرعية علي أساس ديني، تطمس الهوية الوطنية المصرية، لا ينفي تحقيقها قدرًا ملموسًا من النجاح في محاولة عزل التيار الوطني العام، عن التأثير في خيارات الوطن وتوجهاته، عن طريق خلق نخب تابعة لها، تم دفعها باستمرار لكي تملأ مفاصل الدولة وعقدها الرئيسة، في إطار منظومة متكاملة لفرض سياسة المستعمر وتطبيق استراتيجيته، التي لم يكن هدفها بعيدا عن مبدأ التمكين ذاته .
بل لقد توجه التيار الأكبر لتحقيق مبدأ التمكين منذ اللحظات الأولي، لحصول القوات البريطانية علي مصر كقاعدة لها، إلي منظومة القوة في الدولة المصرية آنذاك، وعلي وجه التحديد، الجيش والشرطة .
لقد ولد الجيش المصري والشرطة المصرية، مرتين عبر التاريخ في وعاء وطني واحد، كانت الولادة الأولي في عصر الامبراطورية المصرية قبل أربعة آلاف وثلاثمائة عام، عندما وضع المصريون القدماء نظرية للأمن القومي، يتداخل فيها بعدا الأمن الداخلي والأمن الخارجي، وتتطابق معها الوظيفة الأمنية، كما جاءت الولادة الثانية مع محمد علي عندما أعيدت ولادة الجيش المصري والشرطة معا في وعاء وطني واحد، وظلا كذلك تنظيما عسكريا موحدا، حتي تمكن الاحتلال البريطاني من فرض سيطرته بالقوة المسلحة علي الأراضي المصرية، ليصدر الخديو ' توفيق '–في 19 سبتمبر 1882–بناء علي تعليمات اللورد ' دوفرين' ، مرسوما بحلّ الجيش المصري والتحفظ علي ضباطه، وفصل بنية البوليس المصري عن قوات الجيش، وإخضاعها للقوات البريطانية، وتعيين الجنرال البريطاني ' بيكر ' في منصب ' قومندان عموم الجندرمة والبوليس '، وكان التبرير الذي ساقه تقرير ' دوفرين' لفصل البوليس عن الجيش، هو : ' حتي لا تسري الروح الوطنية من الجيش إلي قوات الشرطة ' فقد كان الهدف الأول لقوات الاحتلال البريطاني هو الاستحواذ علي قوات الشرطة، وتطويعها لقمع ما تبقي من تيار الحركة الوطنية، غير أن الثابت تاريخيا أن رجال البوليس المصري واصلوا القيام بدورهم المساند لكل الحركات الوطنية المناهضة لسلطة الاحتلال، وانخرطوا في جميع أشكال المقاومة الوطنية، بما في ذلك المواجهات العسكرية والكفاح المسلح حتي بزوغ ثورة 1952 .
ولمّا لم تكن هناك وسائل إعلام حديثة، تخاطب القاعدة الاجتماعية العريضة من المصريين، فقد حلت محلها وجوه من المثقفين الثوريين الذين حوّلوا أنفسهم إلي وسائل إعلام وتثقيف متحركة في تلافيف المدن وأعماق القري، يقدمون للناس ما يحرضهم علي المقاومة، ولهذا كانت الخطوة التالية مباشرة لقوات الاحتلال هي تصفية هذه الوسائل الإعلامية والثقافية، التي تلتحم بالجمهور التحاما مباشرا، وقد كان علي رأسها ' عبد الله النديم ' حيث رصدت للقبض عليه مكافأة هائلة بمقاييس ذلك الوقت، قدرها خمسة آلاف جنيه غير أن الذي أواه وهيأ له سبيل الاختباء ثم الهرب، واحد من رجال الشرطة هو القائمقام السيد قنديل، مأمور الضبطية في الإسكندرية، وقد صدر بحق هذا الضابط الوطني حكم بالنفي إلي ' سواكن ' لمدة سبع سنوات .
إن هذه المقاربات الثلاث التي تتعلق بإبعاد الجيش، وإخراجه من المعادلات السياسية والاستراتيجية، ومحاولة تطويع الشرطة، والزج بها لإطفاء شعلة الغضب والرفض والمقاومة، ثم الالتفاف حول الإعلام، والسعي إلي خنق أصواته العالية، وطمس صوره الكاشفة، إضافة إلي البعد الأساسي في استراتيجية التمكين، والخاصة بتصفية الهوية القومية، عن طريق إحياء وشحن هويات فرعية دينية أو مذهبية أو فئوية، لا تقدم تلخيصا وافيا يحيط بجميع أبعاد هذه الاستراتيجية، التي يظل الحرص كاملا علي أن تظل غارقة في الغموض، وكأن الجماعة الحاكمة والسلطة المحتكرة، تؤدي أدوارها في غرفة مظلمة .
لقد كان واحدا من الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، منذ بدء الفتح الاستراتيجي لضرب العراق، وإرجاعه إلي القرون الوسطي، يأخذ شكل معادلة محددة هي : نزع الطابع القومي عن مصر، ونزع الطابع المصري عن الإقليم، فدون نزع الطابع القومي عن مصر، يستحيل نزع الطابع المصري عن الإقليم وتفكيكه، وإعادة صياغته علي أسس غير عربية، وإعادة بناء موازين القوي فيه، علي قواعد جديدة تطيح بهيكل النظام الإقليمي العربي، ليكون خاضعا كليا لثلاث قوي إقليمية، ليست عربية القلب ولا اليد ولا اللسان، أو ثلاث قوي إقليمية، يصفها تعبير 'المتنبي ' العربي رغم أصوله الفارسية بقوله :
'ولكن الفتي العربيّ فيها .. غريب القلب واليد واللسان '
وهي إسرائيل وتركيا وإيران، وثلاثتها دول تغطي أدوارها واستراتيجياتها، بل أطماعها ونزوعها نحو التمدد والتوسع والاستحواذ، بقشور دينية ومذهبية خالصة .
لذلك ليس صحيحا ولا دقيقا القول إن المهمة التي تضطلع بها جماعة الإخوان في مصر، هي الثأر من ثورة 23 يوليو 1952، وهي بالتالي هدم ما تبقي من تراثها وإنجازاتها ومبادئها، فالحقيقة أن المهمة الموكلة إلي الجماعة، أوسع مدي من ذلك بكثير، وهي تطول نجاحات وإنجازات ومبادئ و هوية الجماعة الوطنية المصرية، علي امتداد قرنين كاملين من الزمن، أي منذ بواكير مشروع محمد علي، ومخاض ولادة مصر الحديثة.
لقد كان قصد جهد محمد علي هو تجديد الامبراطورية العثمانية من داخلها ارتكازا علي أمرين، وصول الإسلام بقاعدة العروبة التي حطمتها الدولة العثمانية، أي الإسلام الحضاري في مصر، ثم تعبئة القدرة المصرية المستندة إلي طاقة الجغرافيا والتاريخ، كقاعدة إقليمية صالحة لنهوض امبراطورية مترامية الأطراف، قدر لها أن تسود مساحة تربو علي نصف قارة أوربا، ولهذا فإن عملية فصل الإسلام عن العروبة، التي تأخذ صورا وأبعادا متعددة في قلب مصر و فوق تخوم الإقليم، هي عودة ليست حميدة إلي موازين قوي إقليمية، تفقد مصر بموجبها مجالها الحيوي الحقيقي، ريادة، وقيادة، وجاذبية وتحديثا، وفاعلية، وهو محيطها العربي، الذي كان تأثيرها فيه، هو الرافعة الحقيقية لمكانتها الدولية .
ومن الطبيعي لذلك، أن تكون استراتيجية الجماعة بجميع أبعادها ومستوياتها ووسائطها، غارقة في الغموض، وكأنها تمارس دورها–كما سبق القول–داخل غرفة معتمة، لكن تلك المقاربة بين سلوكها في حقل التطبيق العملي، و سلوك أي ' قوة احتلال' يتسع لما هو أبعد مما سبق ذكره بخصوص منظومة القوة، والهويات الفرعية والإعلام، بدءا من توسيع الفجوات في المجتمع وتحويلها إلي فوالق، علي جميع المستويات، سياسيا وثقافيا ومذهبيا واجتماعيا واقتصاديا، بل إن هذه الفجوات، قد تم إقحامها بالفعل في الجغرافيا، مرورا بتسطيح مفهوم الأمن القومي، واختزاله في تعبير ضيق للأمن العام، وتخفيض درجة الإحساس الوطني بالخطر، وكف البصر عن التهديدات والتحديات الاستراتيجية، التي تعيد تشكيل البيئة الوطنية والإقليمية، وانتهاء بإعادة بناء النظام السياسي العام، بل الدولة ذاتها، دستوريا وقانونيا وإداريا وأمنيا، علي قاعدة أداء وظيفة جوهرية واحدة، هي الحفاظ علي سلطة الأقلية القاهرة، في مواجهة تمرد ورفض الأغلبية المقهورة،
لماذا يصبح التوجه العام للجماعة، في قلب الدولة والمجتمع، أقرب ما يكون إلي سلوك ' قوة الاحتلال ' لا إلي ممارسة جماعة سياسية بعينها، أو سلوك سلطة حاكمة أيا كانت ؟!
هل هذا بالضبط ما يقتضيه فرض خطاب الوصاية العامة علي المجتمع، أم أنه تعبير عن ضمور الحس التاريخي الوطني، الذي ينعكس تلقائيا في صيغ لتفتيت قواعد المجتمع وخلط العمل السياسي العام، بنزعة ذات طبيعة انقلابية إحلالية احتكارية؟! ولماذا يسود منطق الاستعلاء والاستكبار، جنبا إلي جنب مع سياسة التجويع والتركيع، واللجوء إلي الحل الأمني بعد أن تبددت مفردات الديمقراطية، والعدل والكرامة، والنهضة، من الخطاب السياسي، وفقد جاذبيته وتأثيره .
أعتقد أن العلة إضافة إلي ما سبق، إنما تكمن في ثلاثة عوامل رئيسة: الأول، هو تعريف الجماعة بنفسها، وقد أجاد تعريفها مرشدها العام، بقوله إنها مؤسسة دولية، أي فوق وطنية، و فوق قومية، و فوق إقليمية، والثاني، أن المنطق العام المشترك بين سلوك قوة الاحتلال وسلوك الجماعة، يتركز في السقف الزمني لاستراتيجية البقاء، فكلاهما لا يبني وجوده وحضوره علي أنه مرحلي ومؤقت، ورهن بكسب عوامل البقاء في الواقع، و فوق صيغ جماهيرية وديمقراطية، ولكنه يبني جميع خططه وتكتيكاته، علي أنه يريد أن يفرض وجودا دائما، وحضورا ثابتا، بل أبديا، وأيا تكن أدوات تأبيد البقاء، أو تأمين الاستحواذ الدائم علي السلطة، والثالث، أن الدور والوظيفة المحلية والإقليمية للجماعة، لا تخرج ايا كان حجمها، عن أن تكون مفردة في استراتيجية إمبريالية، تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك فإن توجهاتها الرئيسة تظل محكومة بإطار هذه الاستراتيجية الغربية، غير قابلة ولا قادرة للخروج عنها أو عليها .
وفي هذه المساحة تحديدا يتبدي ذلك القدر الهائل من الانفصام، بين روح الإسلام السمحة، ومبادئه العظيمة، المناهضة للظلم والجور والاستغلال والاحتكار، وبين قيم السلوك المجردة منها، رغم لافتة الإسلام التي تلصقها علي صدرها، ولهذا يبدو هذا السلوك في كثير من تجلياته صدي مباشرا يحاذي خطي خطاب الإدارة الأمريكية، دون زيادة ولا نقصان، ولهذا–أيضا–فإنني أري بعد خطاب أوباما الأخير عن حالة الاتحاد، وقد حرص علي تأكيد رفضه إملاء التغيير في مصر، أن رياحا جديدة سوف تملأ أشرعة الجماعة، وأنها ستواصل إبحارها في اتجاه فرض مزيد من صور الاستحواذ والاحتكار والتسلط، وأنها ستبدو أكثر تصميما علي رفض أي محاولة لخلق مناخ، يعين علي تحقيق حوار وطني حقيقي، يساهم في بناء حد أدني لتوافق وطني عام.
لقد أريق حبر كثير في محاولة تفسير الرفض الصارم والصادم، لتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وقد توزعت كل المحاولات علي عدة احتمالات، لا تخرج عن إقالة الحكومة ستبدو خضوعا للمعارضة، أو أنه ليس لدي الجماعة رئيس وزراء قوي ومحترف، أو أن الجماعة ليس لديها سوي 'الشاطر' ولو شكّل حكومة ائتلافية مع فارق الخبرة والعلم سيبدو فاشلا، ولا أعتقد أن ذلك كله يشكل السبب الجوهري للرفض، الذي يرجع في تقديري إلي أن القبول بتشكيل حكومة ائتلافية، سيعني السماح لأشعة شمس النهار بدخول تلك الغرفة المظلمة، لتجرد بعض محتوياتها الحقيقية، من اتفاقيات وتعهدات ووعود وعهود، تدخل جميعها من كسر السيادة الوطنية، وتطول كل شيء في بنيان مصر، من الهوية إلي قواعد الدولة، إلي الشخصية التاريخية، إلي الدور والوظيفة، حتي حدودها الطبيعية، التي ظلت راسخة في وجه عاديات الزمن، وعواصف الاستعمار، وزلازل الإمبريالية !
ولذلك فإن المعارضين، الذين ينتظرون أن تتنزّل عليهم مائدة من د. مرسي، بحكومة ائتلافية بديلة، ونائب عام شرعي، وقانون انتخابي متوازن، وتعديل دستوري توافقي، يحرثون في البحر، بغض النظر عن نصيب ذلك من حسن النية أو سوء الفهم، والحقيقة الواضحة عندي، ان شيئا من ذلك لن يحدث، وأن التوجه البديل سيأخذ اتجاهين محددين: الأول هو القفز فجأة فوق حيز انتخابات برلمانية، تغطي جلبتها وضوضاؤها وأموالها، علي تيار الغضب والرفض، والثاني تفعيل البند الثاني في دراسة مركز الجزيرة للدراسات، والتي حملت عنوان 'محنة مصر : لعبة سياسية بلا قواعد'، وهو بند يطرح الخيار البديل ونصه : ' أن يذهب الرئيس إلي حسم حالة الفوضي والانفلات الأمني بقوات الأمن ' وإذا لم تتمكن قوات الأمن من حسم الأمر ؟ ' 'يتم السماح لجماهير الإخوان والقطاعات الشعبية المؤيدة بالنزول إلي الشارع وحسم الموقف ' وهذا هو خيار الحليف القطري الذي يصفه بأنه ' الخيار الأفضل والعقلاني' .
وهو ما يعني توسيع دوائر الفوضي، وتحويل بقع الدم المتناثرة في الميادين، إلي بركة كبيرة، لن تلد غير تماسيح مفترسة، توقد نار الثأر والصدام، بسنوات قد تطول .
إذا كانت المقاربة بين سلوك الجماعة، وسلوك قوة الاحتلال، لم تخل من أواصر صلات وقربي، فلا شك أن هناك شيئا إضافيا، يتم ضخه في مناخ الأمة، هو الذي مدّ يد معاوله في سوريا، لتحطيم رأس تمثال أبو العلاء المعري، صاحب رسالة الغفران الشعرية العربية، وهو الذي مدّ منشاره الحديدي في المنيا لقطع رأس طه حسين، جسر المعرفة والتفاعل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وهو أمر عديم الصلة بهذه المقاربة، فلم يقدّر لكل هؤلاء الغزاة المستعمرين، الذين مرّوا في تراب مصر والإقليم ،–إذا استثنينا المغول والتتار- أن امتلكوا مثل هذه الطاقة المدمرة، من الحقد والجهل، والوقاحة والغباء، ليقطعوا رؤوس المفكرين والمبدعين، ويرموا بها في وساخة الطرقات، غير أن المفارقة في الواقعتين، أن كلا من ' المعري ' و ' طه حسين'، كان فاقدا البصر، ولكن كلا منهما بالتأكيد كان يري، أما هذا الجهل المسلح، فهو أعمي العقل والقلب والروح!
Email: [email protected]
Site : ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.