تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    وزير الإسكان يتفقد مشروع مرافق الأراضى الصناعية بمدينة برج العرب الجديدة    روسيا: تحرير بلدة "ألكساندرو كالينوفو" في دونيتسك والقضاء على 205 مسلحين أوكرانيين    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    عدي الدباغ على أعتاب الظهور بقميص الزمالك.. اللاعب يصل القاهرة غداً    تفاصيل القبض على سوزي الأردنية وحبس أم سجدة.. فيديو    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص بطريق "بلبيس - السلام" بالشرقية    «تيشيرتات في الجو».. عمرو دياب يفاجئ جمهور حفله: اختراع جديد لأحمد عصام (فيديو)    لا تتسرع في الرد والتوقيع.. حظ برج الجوزاء في أغسطس 2025    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت 26 مليونا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يوما    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    استقبال شعبي ورسمي لبعثة التجديف المشاركة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مبابي: حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    "قول للزمان أرجع يا زمان".. الصفاقسي يمهد لصفقة علي معلول ب "13 ثانية"    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    أمطار على 5 مناطق بينها القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    60 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم أحمد وأحمد في دور العرض المصرية    رئيس جامعة بنها يعتمد حركة تكليفات جديدة لمديري المراكز والوحدات    "قومي حقوق الإنسان": غرفة عمليات إعلامية لمتابعة انتخابات الشيوخ 2025    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    الثقافة تطلق الدورة الخامسة من مهرجان "صيف بلدنا" برأس البر.. صور    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد من كل أسبوع بشارع قناة السويس بمدينة المنصورة    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    وزير الرياضة يشهد تتويج منتخب الناشئين والناشئات ببطولة كأس العالم للاسكواش    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    مشاجرة بين عمال محال تجارية بشرق سوهاج.. والمحافظ يتخذ إجراءات رادعة    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمن سأعطي‮ ‬صوتي؟ ولماذا؟
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 11 - 06 - 2012


'1'
لم تتنكب مصر الطريق لأنها افتقرت إلي‮ ‬سماء إيمانية روحية،‮ ‬تغطي‮ ‬شعبها وآفاقها الرحبة الواسعة،‮ ‬ذلك أن الإيمان ظل‮ ‬يتخلل روح مصر منذ ولادتها الأولي،‮ ‬حتي‮ ‬أنها اهتدت إلي‮ ‬الله تعالي‮ ‬وإلي‮ ‬العالم الآخر،‮ ‬والثواب والعقاب،‮ ‬والجنة والنار،‮ ‬قبل أن‮ ‬يهبط وحيا ورسالات مقدسة من السماء ولم تتنكب مصر الطريق لأنها افتقرت إلي‮ ‬قيم المدنية الحديثة،‮ ‬ذلك أن هذه القيم ظلت نابضة في‮ ‬خلايا عقلها وفي‮ ‬صلب رسالتها،‮ ‬وفي‮ ‬قلب دورها الحضاري‮ ‬التاريخي،‮ ‬ولم تتنكب مصر الطريق لأنها وضعت قيم الإيمان وجوهر الإسلام في‮ ‬تناقض مع قيم المدنية الحديثة،‮ ‬وقد استطاعت عبر كل مراحل تاريخها القديم والحديث والمعاصر،‮ ‬أن تؤاخي‮ ‬بينهما،‮ ‬وأن تزيل التناقض المصطنع بين القديم والجديد،‮ ‬والأصيل والوافد،‮ ‬والتراثي‮ ‬والمعاصر،‮ ‬ولقد ظل ذلك واحدًا من أهم ملامح شخصيتها التاريخية‮.‬
ولهذا فإن تصوير الصراع الراهن فوق المسرح السياسي‮ ‬المصري،‮ ‬علي‮ ‬أنه صراع بين شريعة الإسلام وشرائع المدنية،‮ ‬هو تضليل مخادع،‮ ‬يستهدف التغطية علي‮ ‬الجوهر الحقيقي‮ ‬للصراع باعتباره–أولا–صراعًا حول قيم العدل والحرية والمساواة،‮ ‬واستقلال الإرادة،‮ ‬واحترام الخصوصية،‮ ‬وصيانة الدور والمكانة،‮ ‬وباعتباره‮ ‬– ثانيًا‮ ‬– صراعًا داخليًا في‮ ‬مصر،‮ ‬ولكنه في‮ ‬الوقت نفسه صراع امبراطوري‮ ‬علي‮ ‬مصر‮.‬
‮'‬2'
أحسب أن هذه الواجهات الأمامية،‮ ‬التي‮ ‬أقيمت بوصفها منصات للمبارزة السياسية،‮ ‬سعت إلي‮ ‬حبس الصراع في‮ ‬قضايا شكلية ضيقة،‮ ‬قانونية كانت أو عقائدية أو دينية،‮ ‬فقد اختزلته عامدة إلي‮ ‬إخفاء طبيعته الحقيقية،‮ ‬الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والحضارية والاستراتيجية‮.‬
ولهذا فإن السؤال الجوهري،‮ ‬الذي‮ ‬علينا أن نجتهد في‮ ‬الإجابة عنه،‮ ‬بعيدًا عن تلك الواجهات الأمامية البراقة،‮ ‬لا‮ ‬يتعلق بفرد أو مجموعة أو جماعة،‮ ‬وإنما‮ ‬يتعلق بالمصير الوطني‮ ‬ذاته،‮ ‬بمعني‮ ‬أن المفاضلة ليست بين شخص وآخر،‮ ‬وإنما بين طريق وطريق،‮ ‬ومنهج ومنهج،‮ ‬ودولة ودولة،‮ ‬أو علي‮ ‬نحو أدق،‮ ‬بين مزيد من الاستقلال أو مزيد من التبعية،‮ ‬بين مزيد من العدل أو مزيد من الاستغلال،‮ ‬بين مزيد من القوتين الصلبة والناعمة للدولة،‮ ‬أو مزيد من إضعاف الدولة ودفعها فوق منحدر حاد،‮ ‬بين مزيد من المساواة أو مزيد من التمييز،‮ ‬بين مزيد من قيم الحضارة،‮ ‬أو مزيد من صور الجهالة،‮ ‬بين مزيد من التماسك المجتمعي،‮ ‬أو مزيد من الانشقاق والتفكك،‮ ‬بين مزيد من تجديد الدولة الوطنية التاريخية،‮ ‬أو مزيد من هدم قواعدها الأساسية المستقرة،‮ ‬أي‮ ‬باختصار نحو مزيد من الكسب،‮ ‬أو نحو مزيج واسع وغير محدود من الخسارة،‮ ‬فقاعدة الاختيار التي‮ ‬يفرضها هذا الحيز الضيِّق،‮ ‬الذي‮ ‬حشرنا فيه وبوضوح شديد،‮ ‬هي‮ ‬النسبي‮ ‬لا المطلق،‮ ‬والباطن لا الظاهر،‮ ‬والمعلوم لا المجهول،‮ ‬والواضح لا المقنّع،‮ ‬والمصالح الوطنية لا المصالح الذاتية،‮ ‬ورجل الدولة لا رجل الحزب أو الجمعية أو الجماعة‮.‬
‮'‬3'
في‮ ‬لحظة حسم المصير الوطني‮ ‬لسنين قد تطول،‮ ‬وقد تقصر،‮ ‬يصبح الموقف المراوغ‮ ‬جريمة،‮ ‬والوقوف في‮ ‬منتصف الطريق خدعة،‮ ‬والزود عن المصلحة الذاتية بقناع الحياد جبنًا،‮ ‬والتعلق بما‮ ‬يتصور أنه الموجة الصاعدة أيًا كانت خيانة،‮ ‬ولهذا فإن هذا النفر من النخبة السياسية الطافية فوق السطح،‮ ‬والذي‮ ‬يستخدم أصباغ‮ ‬الثورة المصرية العظيمة،‮ ‬ليخفي‮ ‬بها دمامة الاستحواذ،‮ ‬ونزعة التملق والسيطرة،‮ ‬والانفراد بالسلطة،‮ ‬طمعًا في‮ ‬منة أو إحسان،‮ ‬أو فرصة للحضور،‮ ‬هو الأخطر،‮ ‬لا علي‮ ‬الثورة وأهدافها فحسب،‮ ‬بل علي‮ ‬مستقبل المصير الوطني‮ ‬كله،‮ ‬وهو لا‮ ‬يقل خطورة وضلالا عن ذلك الشيخ من أعضاء شوري‮ ‬الجماعة،‮ ‬الذي‮ ‬أعاد تفصيل الإسلام كله علي‮ ‬مقاس مرشحها للرئاسة،‮ ‬فأفتي‮ ‬بضمير مستريح وقلب مطمئن بأن انتخابه فريضة علي‮ ‬كل مسلم ومسلمة،‮ ‬وكأنه الجهاد في‮ ‬سبيل الله،‮ ‬ناسخًا عنوان كتاب من أعمق مؤلفات‮ ‬'العقاد' هو‮ ' ‬التفكير فريضة إسلامية‮ ' ‬وهو أيضًا لا‮ ‬يقل خطرًا وضلالا،‮ ‬عن ذلك الشيخ السلفي‮ ‬المقرب من الجماعة،‮ ‬الذي‮ ‬أفتي‮ ‬بدوره بضمير مستريح وقلب مطمئن بأن من سيمتنع عن التصويت للدكتور مرسي،‮ ‬سينال الويل والثبور،‮ ‬وسيمتد عقابه إلي‮ ‬ما بعد موته،‮ ‬حيث سيلدغه الثعبان الأقرع في‮ ‬قبره سنوات أربع،‮ ‬لعلها مدة الرئاسة‮.‬
أقول ذلك،‮ ‬لأن الإسلام العظيم،‮ ‬ليس شخصًا،‮ ‬وليس شيخًا،‮ ‬وليس نفرًا من الناس،‮ ‬وليس جماعة،‮ ‬وإنما هو ما‮ ‬يستقر في‮ ‬القلب،‮ ‬فيملؤه بالحب والخير،‮ ‬وما‮ ‬يستقر في‮ ‬العقل،‮ ‬فيضيؤه بالفكر والحكمة،‮ ‬وما‮ ‬يستقر في‮ ‬السلوك،‮ ‬فيرشده بالمساواة والعدل،‮ ‬ولست أري‮ ‬فيما‮ ‬يدعون الناس إليه،‮ ‬حبًا وخيرًا،‮ ‬أو فكرًا وحكمة،‮ ‬أو مساواة وعدلا‮.‬
‮'‬4'
أينما قرأت ودققت في‮ ‬مشروع النهضة،‮ ‬بطبعاته المتغيرة المتتالية الثلاث،‮ ‬أو في‮ ‬مفردات خطاب الدكتور محمد مرسي،‮ ‬فسوف تجد أن هناك جملة مركزية واحدة،‮ ‬تشبه الجملة العصبية المركزية التي‮ ‬تسيطر علي‮ ‬قواعد كل العمليات الحيوية في‮ ‬جسد الإنسان،‮ ‬وهذه الجملة هي‮ ‬'المرجعية الإسلامية‮ ‬' فهي‮ ‬تطول كل شيء حتي‮ ‬مفردات الحديث عن المجتمع المدني،‮ ‬ولا بأس في‮ ‬ذلك باليقين،‮ ‬ولكن السؤال الذي‮ ‬يبقي‮ ‬هائمًا بلا إجابة شافية حول هذه الجملة هو‮ : ‬ما هذه المرجعية الإسلامية ؟ بمعني‮ ‬مرجعية من في‮ ‬الإسلام؟
عندما تحدثت المادة الثانية من الدستور،‮ ‬عن الشريعة الإسلامية‮ ‬– مثلا‮ ‬– أكدت بالنص أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي‮ ‬المصدر الرئيس للتشريع،‮ ‬ولم تقل الشريعة الإسلامية،‮ ‬وإلا لأحالتنا إلي‮ ‬بحر بغير ضفاف،‮ ‬نتصادم ونتخاصم حول المذاهب والفتاوي‮ ‬والتفاسير والاجتهادات والأحاديث،‮ ‬وهي‮ ‬بالفعل تشكل بحرًا لجيًا تأخذ أمواجه بأعناق بعضها،‮ ‬وهذا بالضبط ما تأخذنا إليه هذه الجملة،‮ ‬التي‮ ‬تطول كل شئ،‮ ‬وتتسع لكل شيء،‮ ‬ولكنها لا تطول شيئًا محددًا ولا تتسع لشئ معين،‮ ‬ولهذا فهي‮ ‬بتعميمها الفضفاض،‮ ‬لا تعني‮ ‬مرجعية نص بعينه،‮ ‬أو فقه أو مذهب بذاته،‮ ‬كما أنها لا تعني‮ ‬باليقين ومهما قيل خلافًا لذلك مرجعية الأزهر الشريف،‮ ‬بدليل ما قدم من مشروع قرار لم‮ ‬ير النور لتشكيل هيئة من خارج الأزهر‮ ‬يتم تنصيبها بديلا في‮ ‬الأحكام والفتاوي،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فالمرجعية هنا بالضرورة هي‮ ‬مرجعية الجماعة،‮ ‬ومرجعية المرشد،‮ ‬ومرجعية مكتب الإرشاد،‮ ‬وإذا ما اعتبرنا الفتوي‮ ‬السابقة،‮ ‬التي‮ ‬تنص علي‮ ‬أن انتخاب الدكتور مرسي‮ ‬هو فريضة علي‮ ‬كل مسلم ومسلمة،‮ ‬والصادرة عن أحد أعضاء مكتب شوري‮ ‬الجماعة‮ ' ‬الشيخ السياف‮' ‬دالة علي‮ ‬طبيعة ومصدر ومكونات هذه الجملة المركزية في‮ ‬المشروع الذي‮ ‬يحمله مرشح الجماعة،‮ ‬وهي‮ ‬'المرجعية الإسلامية' فيمكن لنا أن نتصور ما‮ ‬يمكن أن تقدمه هذه المرجعية من أحكام وفتاوي،‮ ‬تدعي‮ ‬أنها ناطقة باسم الإسلام،‮ ‬بينما هي‮ ‬في‮ ‬الحقيقة ناطقة باسم أصحابها،‮ ‬رؤية ومصلحة،‮ ‬تزيح ما‮ ‬يعترض طريقها وتفرض ما‮ ‬يتطلبه تمكينها،‮ ‬في‮ ‬الأرض لا في‮ ‬السماء،‮ ‬لتصبح أسلحة التجريم والتحريم وفق مرجعية الجماعة،‮ ‬أكثر الأسلحة استخدامًا وأمضاهًا تأثيرا في‮ ‬صياغة المصير الوطني،‮ ‬مع ملاحظة أنها اختارت أن تطلق علي‮ ‬هذه المرجعية‮ ‬'المرجعية الإسلامية' ولم تشأ أن تطلق عليها تعبيرًا آخر مثل‮ ‬'مرجعية الإسلام' وإلا لكان التحديد أكثر قطعًا والتوصيف أكثر دقة،‮ ‬ولا‮ ‬يخرج باليقين عن حدود الرؤية الجامعة للأزهر الشريف‮.‬
‮'‬5'
لقد كتبت هنا قبل أكثر من عقد من الزمن،‮ ‬فصول دراسة اتسعت لأكثر من عشرين مقالا،‮ ‬في‮ ‬توصيف النخبة،‮ ‬التي‮ ‬أزاحتها ثورة‮ ‬25 يناير حتي‮ ‬قبل أن تكتمل بنيتها،‮ ‬وذلك تحت عنوان‮ ‬'نخبة التكيّف' وهي‮ ‬دراسة مكملة لدراسة استبقتها عن تحولات النخبة المصرية،‮ ‬قصدت بها البحث عن تحديد لتلك العلاقة الغائمة بين طبيعة التحولات في‮ ‬بنية النخبة المسيطرة،‮ ‬وأشكال ومضامين التغيير السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬المحيط بها وطنيًا وإقليميًا ودوليًا،‮ ‬ورغم تحفظات منهجية علي‮ ‬مصطلح النخبة ذاته،‮ ‬فقد وجدت فيما‮ ‬يشبه القانون العام،‮ ‬أن الاستراتيجية العامة لنظام الحكم في‮ ‬مرحلة،‮ ‬أو للمجتمع نفسه في‮ ‬مرحلة،‮ ‬أيهما أكثر تأثيرًا،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬تسهم بقدر أكبر في‮ ‬تحديد طبيعة هذه النخبة،‮ ‬منتهيًا إلي‮ ‬أن المجتمع المصري،‮ ‬قد تقلّب قرنين من الزمن بين أربع استراتيجيات عامة رئيسة انتقت نخبها‮ ‬'استراتيجية المحاكاة' التي‮ ‬بدأها محمد علي‮ ‬واتصلت معه وبعده بصور مختلفة لأكثر من قرن من الزمن،‮ ‬ثم‮ ‬'استراتيجية المصالحة السياسية والفكرية مع الغرب‮ ‬' التي‮ ‬عصفت بنحو نصف قرن مصري‮ ‬تال،‮ ‬ثم بدأت الاستراتيجية الثالثة مع ثورة‮ ‬يوليو‮ ‬1952 وهي‮ ‬'استراتيجية التحرير والأمن القومي‮ ‬' قبل أن تتبلور في‮ ‬منتصف الطريق بين ثورة‮ ‬يوليو ونهاية القرن الماضي،‮ ‬استراتيجية رابعة هي‮ ‬'استراتيجية التكيف' والتي‮ ‬بدأت علي‮ ‬قاعدة مزاوجة بين استراتيجية المصالحة،‮ ‬واستراتيجية التحرير،‮ ‬قبل أن تعصف بقاعدتها تحولات حادة في‮ ‬النخبة المسيطرة،‮ ‬أصبحت مصدر فزع وطني‮ ‬بحكم تأثيرها المتزايد بالاستراتيجية العامة للمجتمع،‮ ‬ولقد حددت عندها مظاهر هذا التحول في‮ ‬'نخبة التكيف‮ ‬' وتأثيرها الضار في‮ ‬الاستراتيجية العامة للمجتمع،‮ ‬كما أنقله بكلماته وحروفه مع تكثيفه في‮ ‬النقاط التالية‮ :‬
أولًا‮ : ‬أن هناك قوة منظمة تدفع استراتيجية التكيف في‮ ‬اتجاه الإطاحة بضرورات الأمن القومي،‮ ‬واقتلاع مفهومه من جذوره،‮ ‬والتحول إلي‮ ‬استراتيجية سياسية ذرائعية نفعية قصيرة النظر،‮ ‬للتكيف السلبي‮ ‬مع ضغوط المتغيرات الإقليمية والدولية،‮ ‬والقبول‮ ‬غير المشروط بمطالبها علي‮ ‬المستويين الوطني‮ ‬والإقليمي‮.‬
ثانيًا‮: ‬أن هذه القوة الدافعة تستند إلي‮ ‬تحالف اجتماعي‮ ‬واقتصادي‮ ‬قوي،‮ ‬تصوغه مصالح النموات الرأسمالية‮ ‬غير الرشيدة التي‮ ‬نمت علي‮ ‬نحو سرطاني‮ ‬خلال السنوات الأخيرة،‮ ‬كما تصوغه روابط قوية،‮ ‬متعددة المحاور،‮ ‬مع القوة المسيطرة دوليًا،‮ ‬ولذلك‮ ‬يبدو التيار الفكري‮ ‬الذي‮ ‬يعبِّر عن هذا التوجه بمثابة جناح فكري‮ ‬للشريحة الاجتماعية التي‮ ‬احتكرت لنفسها النصيب الأكبر من الثروة الوطنية التي‮ ‬لا تمثل إلا هامشًا ضيقًا فوق قمة الهرم الاجتماعي‮ ‬المصري‮.‬
ثالثًا‮: ‬أن هذه القوة المنظمة التي‮ ‬تدفع في‮ ‬هذا الاتجاه فكريًا،‮ ‬إنما تسعي‮ ‬إلي‮ ‬إحداث‮ ‬' انقلاب مدني‮ ‬' يحطم قواعد الائتلاف الوطني‮ ‬في‮ ‬المجتمع،‮ ‬ويطيح بتوازناته السياسية بعد الاجتماعية،‮ ‬ويطرد منظومة القوة المصرية،‮ ‬خارج المعادلات السياسية للبلاد‮.‬
رابعا‮ : ‬أن جانبًا كبيرًا من قوة الدفع في‮ ‬هذا الاتجاه،‮ ‬ووفق هذا التوجه تستند إلي‮ ‬مواقع نفوذ مؤثرة في‮ ‬الحكومة وفي‮ ‬الحزب الحاكم،‮ ‬وفي‮ ‬بعض أحزاب المعارضة،‮ ‬ووسائل الإعلام وأجهزة العمل الثقافي‮ ‬مما‮ ‬يتيح أمام طابور منظم من الوكلاء الفكريين للغرب،‮ ‬فرصة أن‮ ‬يمارس نشاطه دون قيود،‮ ‬وأن‮ ‬يخوض حربًا فكرية من جانب واحد،‮ ‬هدفها إعادة صياغة المفاهيم الوطنية الأساسية ومن الجذور‮.‬
خامسًا‮ : ‬أن هذه الهجمة الفكرية،‮ ‬تسهل علي‮ ‬وسائل وأدوات الإكراه السياسي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬الخارجية تفعيل تأثيرها وتحقيق أهدافها،‮ ‬وهي‮ ‬تسهم في‮ ‬إضعاف الدفاعات الداخلية،‮ ‬وتقليل المناعة الوطنية جنبًا إلي‮ ‬جنب مع إضعاف قدرة مصر علي‮ ‬التأثير في‮ ‬محيطها،‮ ‬وتهميش دورها الإقليمي‮ ‬وإلحاق ضرر بالغ‮ ‬بمكانة مصر الدولية،‮ ‬علي‮ ‬اعتبار أن الدور الإقليمي‮ ‬هو مفتاح المكانة الدولية‮.‬
سادسًا‮ : ‬أن استمرار وجود هذه النخبة،‮ ‬وشيوع تأثيرها وغلبة خطابها في‮ ‬الساحة السياسية والاجتماعية،‮ ‬من شأنه زيادة احتقان الأوضاع داخليًا وتوسيع مدي‮ ‬التناقضات في‮ ‬النسيج الوطني،‮ ‬ورفع منسوب الضغوط الداخلية،‮ ‬إلي‮ ‬مستوي‮ ‬أعلي‮ ‬من منسوب الضغوط الخارجية وهو ما‮ ‬يهدد سلامة البنيان الوطني‮ ‬ذاته‮.‬
سابعًا‮ : ‬مثلما نحن في‮ ‬مفصل تحول في‮ ‬أوضاع الإقليم،‮ ‬وفي‮ ‬أوضاع العالم،‮ ‬يأخذ شكل انقلاب استراتيجي‮ ‬كامل،‮ ‬فنحن،‮ ‬أيضًا،‮ ‬في‮ ‬مفصل تحول في‮ ‬أوضاع النخبة الغالبة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬يفتح الطريق أمام سيادة نخبة مدنية هجينة،‮ ‬ترتكز قواعدها الاجتماعية علي‮ ‬هامش ضيق من النموات الرأسمالية الطفيلية،‮ ‬في‮ ‬الداخل وترتكز قواعدها السياسية والفكرية،‮ ‬علي‮ ‬دور استعماري‮ ‬عدواني،‮ ‬امبراطوري‮ ‬النزعة علي‮ ‬المستوي‮ ‬الدولي،‮ ‬يسعي‮ ‬إلي‮ ‬حبس مصر داخل حدودها،‮ ‬وإلي‮ ‬تخفيض درجة حساسيتها الوطنية ضد أشكال وعوامل التدخل الخارجي‮ ‬وإلي‮ ‬تقليل جاذبية مبادئ السيادة الوطنية،‮ ‬وتدني‮ ‬منفعة القوة العسكرية ويضعها بالتالي‮ ‬في‮ ‬تناقض حقيقي‮ ‬مع منظومات قيمها وتراثها ورسالتها ودورها الحضاري‮ ‬التاريخي‮ ‬ويعرضها لمخاطر داخلية جسيمة،‮ ‬يغلب عليها طابع الاحتراب الاجتماعي‮ ‬والسياسي‮ ‬والفكري‮.‬
‮'‬6'
أريد أن‮ ‬يدلني‮ ‬واحد من هؤلاء،‮ ‬الذين‮ ‬يتدثرون بأعلام الثورة،‮ ‬وهي‮ ‬منهم براء،‮ ‬عن فارق نوعي‮ ‬واحد بين الاستراتيجية السابقة،‮ ‬التي‮ ‬فصلت بعض أبعادها في‮ ‬أوج بأس وشدة‮ ‬'نخبة التكيف' قبل أن تسقطها هذه الثورة،‮ ‬وبين استراتيجية هذه النخبة الجديدة،‮ ‬التي‮ ‬تريد أن تستحوذ علي‮ ‬كل مفاصل العمل الوطني،‮ ‬باسم المرجعية الإسلامية أو باسم مشروع فارغ‮ ‬لنهضة لا نهوض فيها،‮ ‬وإذا لم تكن هذه النخبة الاستحواذية الجديدة هي‮ ‬ذاتها‮ ‬'نخبة التكيف' فماذا تكون ؟‮!‬
أينما دققت وفصلت في‮ ‬مفردات الخطاب وخطوط المشروعات،‮ ‬استراتيجيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا،‮ ‬وطنيًا وإقليميًا ودوليًا،‮ ‬فلن تجد‮ ‬غير مفردات متطابقة في‮ ‬الجوهر،‮ ‬وخطوط متوازية في‮ ‬الأصل،‮ ‬اللهم إلا هذه الرطانة اللغوية التي‮ ‬استبدلت زواق التجديد والتحديث والالتحاق بالعالم،‮ ‬بزواق ظاهره الإسلام وباطنه المصالح،‮ ‬وظاهره الديمقراطية وباطنه الاستحواذ،‮ ‬وظاهره الحرية وباطنه التقييد،‮ ‬وبالمختصر المفيد ظاهره الرحمة وباطنه العذاب‮.‬
لم‮ ‬يكن الإخوان المسلمون معارضين للنظام السابق،‮ ‬ونخبته الأثيرة التي‮ ‬أطلقت عليها‮ ‬'نخبة التكيف' وإنما كانوا مجرد منافسين له ولها،‮ ‬وحين لم تستطع الوجوه الأمامية في‮ ‬النخبة السابقة أن تطيل أمد مشروعها،‮ ‬جاء الدور عليهم ليؤدوا الوظيفة ذاتها في‮ ‬مد أجل المشروع وإمداده بطاقة حياة جديدة،‮ ‬بعد صبغه بلون جديد‮ ‬يغطي‮ ‬علي‮ ‬قبحه واستحواذه ونزعته التجارية الاحتكارية،‮ ‬التي‮ ‬تعبَّر عن أسوأ مراحل الرأسمالية النفاثة،‮ ‬والتي‮ ‬تري‮ ‬العدل صدقة،‮ ‬والأمن منفعة،‮ ‬والتاريخ متحفا،‮ ‬وتراث الوطن مقبرة،‮ ‬والجغرافيا قاعدة،‮ ‬والجيش أداة،‮ ‬والانتماء ذريعة،‮ ‬والعروبة ماضيًا،‮ ‬والوطنية مفسدة،‮ ‬والأطلنطي‮ ‬صديقًا،‮ ‬وأمريكا حليفًا‮.‬
وإذا كان الاختيار هنا بين نخبة التكيف ذاتها متدثرة بعباءة تدَّعي‮ ‬أنها المرجعية الإسلامية،‮ ‬مشروع بديل‮ ‬يحمل أملا أو وعدًا بإمكانية قد تكون متاحة أو محتملة لإعادة بناء الاستراتيجية الوطنية علي‮ ‬قواعد الدولة الوطنية التاريخية،‮ ‬تتكفل علي‮ ‬الأقل بتضييق المسافة بين ما تفرضه المتغيرات الإقليمية والدولية العاصفة،‮ ‬وبين ضرورات الأمن القومي،‮ ‬فالاختيار لا‮ ‬يكون هنا بين شخص وشخص،‮ ‬وإنما بين نخبة ونخبة،‮ ‬واستراتيجية واستراتيجية،‮ ‬ودولة ودولة‮.‬
‮'‬7'
كيف لي‮ ‬إذًا ألا أقول بصوت قوي‮ ‬إنني‮ ‬في‮ ‬لحظة حاسمة فوق منحني‮ ‬ضيق تزدحم فوقه التهديدات والمخاطر،‮ ‬سوف أمنح صوتي‮ ‬للفريق أحمد شفيق‮.‬
Email:[email protected]
Site: ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.