وكيل تعليم مطروح يكرم الموهوبين الحاصلين على مراكز جمهورية في الأنشطة والابتكارات    بدء تسليم وحدات «بيت الوطن» بمشروع جنة بدمياط الجديدة.. الأحد المقبل    شعبة المخابز: كان لا بد من تحريك سعر الخبز المدعم.. لم يزيد قرشل منذ 1988    مسئولو الإسكان يتابعون موقف تنفيذ مشروعات المرافق بالمناطق المضافة لمدينة العبور الجديدة    رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيجدور ليبرمان: تلقيت عرضا من نتنياهو لمنصب وزير الدفاع    الصحية العالمية تحذر من أزمة صحية محتملة وتدعو لاتفاقية عالمية بشأن الأوبئة    احمد مجاهد يكشف حقيقة ترشحه لرئاسة اتحاد الكرة    نشرة مرور "الفجر".. كثافات مرورية بطرق ومحاور القاهرة والجيزة    انتشال جثة شاب من مياه النيل بمنطقة الصف في الجيزة    بحضور البابا تواضروس.. احتفالية "أم الدنيا" في عيد دخول السيد المسيح أرض مصر    مفتي الجمهورية: ذبح الأضحية داخل مصر جائز ومستحب للمقيمين بالخارج    جدول مباريات اليوم.. مواجهة في كأس مصر.. وصدام جديد للتأهل للدوري الممتاز    الزمالك يستأنف تدريباته اليوم في غياب 12 لاعبا    الهيئة القومية لعلوم الفضاء تشارك في مؤتمر أفريقيا لمكونات التصنيع الغذائي    حزب الله يعلن استهداف كتيبة إسرائيلية في الجولان بمسيرات انقضاضية    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    مواعيد قطارات عيد الأضحى المقرر تشغيلها لتخفيف الزحام    "قفز من الرابع".. القبض على المتهمين بالتسبب في إصابة نقاش في أكتوبر    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. كم عدد أيامها؟    كاتب صحفي: الرؤية الأمريكية تنسجم مع ما طرحته القاهرة لوقف القتال في غزة    جامعة حلوان تحصد العديد من الجوائز في مهرجان إبداع    مي عز الدين تعلن تعرض والدتها لوعكه صحية: «ادعوا لها بالشفاء»    منحة عيد الأضحى 2024 للموظفين.. اعرف قيمتها وموعد صرفها    ما هي محظورات الحج المتعلقة بالنساء والرجال؟.. أبرزها «ارتداء النقاب»    «الإفتاء» توضح حكم التصوير أثناء الحج والعمرة.. مشروط    إحالة تشكيل عصابي للمحاكمة بتهمة سرقة الدراجات النارية بالقطامية    بسبب سيجارة.. اندلاع حريق فى حي طرة يودى بحياة مواطن    وزير خارجية الإمارات: مقترحات «بايدن» بشأن غزة «بناءة وواقعية وقابلة للتطبيق»    للمرة الثانية.. كوريا الشمالية تطلق بالونات قمامة تجاه جارتها الجنوبية    جامعة المنيا تفوز بثلاثة مراكز متقدمة على مستوى الجامعات المصرية    سعر الريال السعودي اليوم الأحد 2 يونيو 2024 في بنك الأهلي والقاهرة ومصر (التحديث الصباحي)    وزير الري يؤكد عمق العلاقات المصرية التنزانية على الأصعدة كافة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 2-6 - 2024 والقنوات الناقلة لها    إضافة 3 مواد جدد.. كيف سيتم تطوير المرحلة الإعدادية؟    «أوقاف شمال سيناء» تنظم ندوة «أسئلة مفتوحة عن مناسك الحج والعمرة» بالعريش    ورشة حكي «رحلة العائلة المقدسة» ومحطات الأنبياء في مصر بالمتحف القومي للحضارة.. الثلاثاء    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 2يونيو 2024    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 2 يونيو 2024    ل برج الجدي والعذراء والثور.. ماذا يخبئ شهر يونيو لمواليد الأبراج الترابية 2024    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    "الأهلي يظهر".. كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تتويج ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا؟    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للجماعة لا لله ولا للوطن..!!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 03 - 12 - 2012

يقيني أن النظام المصري الراهن، الذي يقوم علي رأسه الدكتور محمد مرسي، يقع جوهريًا في الخطأ الاستراتيجي القاتل ذاته، الذي وقعت فيه الأنظمة السابقة، والتي تداعت قواعدها وحوائطها وأسقفها بفعل زلزال الغضب الشعبي. ويقيني أنه إذا ظلت العوامل علي حالها والتفاعلات وفق طبيعتها والشقوق بعمقها، فإننا نسير وبغض النظر عن التوقيت أو المسافة إلي لحظة الانفجار الكبير ذاتها، وإن كانت تلك اللحظة في هذه المرة سيكون إيقاعها الدرامي أكثر حدة، ومضاعفاتها أكثر قسوة، ومنتوجها صدامًا وانفصامًا وأنقاضًا ودمًا، أكثر اتساعًا وسخونة.
ذلك أننا أمام قوتين متصادمتين واقعيا، الأولي قوة شعبية ازدادت دوائرها اتساعا يتخللها إحساس طاغٍ واقعي وعميق، بأن ثمرة الثورة التي غذتها صبرًا وجلدًا وقهرًا ودمًا، قد قطفتها كاملة بالغدر والخديعة يد قوة أخري، وأن ما تبقي لديها هو حصاد الهشيم، مجرد أحلام مجهضة وآمال مستلبة ومستقبل لا يشي بغير الاستبعاد والتهميش والاحتكار، فضلا عن أن آفاقه لاتزال مسدودة بمكعبات جديدة مضافة من التمييز والفقر والعوز والجوع. والثانية، قوة مغلقة زيّن لها حضورها المنظم ومالها المتدفق وصعود أحد رموزها إلي سدة الحكم، وإحساسها الطاغي بالقدرة والغلبة، وجسورها المفتوحة توافقًا مع مصالح قوي الإمبريالية الدولية المسيطرة، أنها صاحبة الاستحقاق في فرصة تاريخية متفردة، غير قابلة للتكرار بأن تفرض سلطتها القاهرة دون منازع، وسلطانها الجائر دون مشارك، وقانونها الأعلي دون معقّب، وأن تحصن بجميع الوسائل مشروعة وغير مشروعة ديمومة السلطة، وأبدية السلطان، ووحدانية القانون.
والمشكلة في ذلك أننا أمام ضفتين متباعدتين، تريد كل منهما استحقاقها الذي تراه كاملا غير منقوص، وإذا كانت القوة الأولي بجماهيرها الشعبية الواسعة غير المنظمة، قد اتسعت دوائرها المشتعلة غضبًا في أنحاء مصر كلها، فإنها لا تملك إلا حضورها السلمي في الميادين، وحناجرها التي تخوض سباقًا مبررًا لتعلية سقف الشعارات والمطالب، وهو بدوره ما يشكل دالة علي عمق الغضب تحت صخور الإحساس بالامتهان والاستلاب والخديعة، أما القوة الثانية المتحصنة في قصر الرئاسة ودوائره، فتبدو في توجهها العام أقرب إلي نصف بيت من معلقة امرؤ القيس 'كجلمود صخر حطه السيل من علِ'. وواقع الأمر بذلك أن القوة الثانية التي تملك إمكانية إظهار المرونة وتغليب قواعد التوافق سادرة في غيها، لا تريد إلا أن تثقِّل موازينها دون أن تتنازل عن شرو نقير، فهي تريد أن تأكل وحدها رغيف السلطة دون تفريط في كسرة منه أو حبة قمح، وهي تريد أن تحتكر مائدة السلطان وحدها دون أن ترمي للأفواه المفتوحة من حولها، حتي ما قد يُعَدُّ من بقايا المائدة وفضلات أطباقها.
وواقع الأمر بذلك، بل واقع الخطر الهائل المحدق بنا في الحقيقة، أن السلطة القائمة، هي التي تفرض قاعدة المواجهة وقانونها، وأنها تحولها بإصرار بالغ، وضيق أفق نادر، وحسابات ذاتية مرتبكة وغير سليمة، إلي نمط غير مسبوق في جميع الصراعات، التي اكتنفت التاريخ الوطني، والتي جرت بين حاكم وشعب، أو بين شعب وجماعة حاكمة، إلي ما يسمي في العلوم الاستراتيجية بالمعركة أو المباراة الصفريّة، أي إما غالب وقاهر ومسيطر، وإما مهزوم ومقهور ومستلب، بمعني أدق إما حاكم فرد وشعب خانع، أو حاكم مخلوع وشعب قادر، وتلك هي المعضلة حقًا، التي تجعل وجه المستقبل الوطني في مرايا المستقبل القريب، مساحات متداخلة من الكسور والشقوق والجروح والدماء.
إذا كان الله عز وجل وعلا، يقول في كتابه الحكيم: }‬لا إكراه في الدين{‬ فهل يمكن أن يرضي الله بإكراه في الحكم؟ وما حدث من أوله إلي آخره لا يخرج عن كونه إكراهًا حقيقيًا في الحكم، رغم تعدد وسائله وأساليبه، بل هو إصرار متسلط غير مسبوق علي أن يكون الحكم بكل مستوياته وأدواته، إكراهًا خالصًا. لقد تحدثت في البداية عن تكرار الخطأ الاستراتيجي القاتل، الذي وقعت فيه كافة الأنظمة السابقة، فتداعت أسقفها وحوائطها وقواعدها، تحت زلزال الغضب الجارف، دون أن أشير إلي هذا الخطأ بذاته، وهو بالتحديد: تخفيض التناقضات مع الخارج غير الوطني علي حساب تصعيد التناقضات في الداخل الوطني، وهو عندي العلة الأساسية التي خرجت منها كل العلل وكل الأعراض وكل الأمراض، وهو بنيان جهنم الذي تولَّد داخله وقود الغضب واشتعل، وشكَّل طريقه مندفعًا إلي كل انفجار كبير. ودون تفصيل جارح فقد كان منطق الحكم في كافة تلك الأنظمة، لا يخرج عن معادلة واحدة هي التكيّف مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا، وأنه يمثِّل الضمانة الأساسية للبقاء فوق مقاعد السلطة، وأن استرضاء الولايات المتحدة وحلفاءها، هو الذي يحصّن السلطات من السقوط، ويمهد لها أسباب الصمود والبقاء، في مواجهة شعوب ظل ينظر إليها علي أنها جُبلت علي الخضوع وعلي القبول بما يفرضه الأمر الواقع. فقد انتُزعت روح الثورة من صدورها وصودرت أسلحة التمرد من قلوبها، إضافة إلي حضور ترسانة من القوة تستطيع في اللحظة الحاسمة، أن تفرض الاستكانة والخضوع، والحقيقة أن ثورة 25 يناير كان واحدا من أهم دروسها ناطقا بدحض هذين البعدين المندمجين في عقيدة السلطات الحاكمة، فالغرب ليس الله الذي يدافع عن الذين آمنوا، وأدوات الضبط الاجتماعي لا تعمل في وسط غير متجانس معها، أي أنها تفقد فاعليتها مع ترنّح النظام المعنوي للسلطة –أي سلطة– أي انخفاض درجة القبول الشعبي بها، لكن أكثر الذين مروا بمثل هذا الدرس مروا خفافًا وكرامًا، فلم يعلق منه في أذهانهم شيء يفرض علي خطاهم قليلا من التمهل وبعضًا من الحكمة وجانبًا من الذكري التي تنفع المؤمنين.
يجلس الدكتور محمد مرسي علي مقعده أمام كاميرات التليفزيون، ليجيب عن الأسئلة المرتبّة ضاحك الثغر، منبسط الملامح، رقيق الحاشية، هادئ النبرة، ثم ليعيد بناء المشهد الذي تجري به الأسباب في ميادين مصر، والذي يختلط فيه الغضب بالرفض بالاحتراب ببقع من الدم، ولكنه يعيد بناءه علي نحو فريد، فهو يراه ويريدنا أن نراه بالتالي ليس مشهدًا مقبضًا، أو مؤذنًا بانقسام أشد وعنف أكبر، بل أن نراه علي غراره مشهدًا يبعث علي السعادة الغامرة، فهو صحي وإيجابي رغم وجود خيط من الحزن بسبب اندساس بعض الفلول –حسب تعبيره– وبالتالي فإن صحة المشهد وإيجابيته ليست أكثر من دليل علي صحة الحكم وإيجابيته، بل الأهم علي قوته وثقته حد التهوين واللامبالاة، خاصة إذا كان يعتقد كما أكد لمجلة تايم أن 90% من الشعب مؤيدون له ولإعلانه غير الدستوري. والحقيقة أنني فتشت عن أسباب للسعادة المفرطة بالمشهد، محاولا أن أجد لها سندا من الواقع، وقلت لنفسي غير مصدق: ربما كان فقدان البورصة خلال أسبوع واحد من هذا الحكم الرشيد لما يساوي 33.7 مليار جنيه، وفقدانها خلال شهر واحد ما يساوي 54.3 مليار جنيه، واحدًا من أسباب هذه السعادة الغامرة، وربما كان فقدان المجتمع أهم مقومات دفاعه عن وجوده واستقلاله وهو تشبثه بصخرة وحدته الوطنية، هو واحد من أسباب هذه السعادة، وربما كانت هذه الصدامات التي جرت وتجري في ميادين المحافظات المختلفة، والتي تنتج دما قد يجف وكراهية وثأرًا قد لا يبرد، واحدًا من أسباب هذه السعادة. ولكن الحقيقة أن هناك مفارقات دالة في حديث الدكتور مرسي، تشي بمسافة بعيدة تصل حد التناقض بين الظاهر والباطن. فبعيدًا حتي عن أن الإعلان الدستوري الذي وصفته كل قمم القضاء العالية في بلادنا، بأنه هدم للقضاء واستلاب لسلطته وعدوان عليه، والتي جاءت محصلة الحديث تأكيدًا علي التمسك به، وعدم التفريط فيه، فقد أفاض الدكتور مرسي يعن رعايته للعدل، واحترامه للقانون، وهذا هو ظاهر القول، أما باطنه فقد بدا في كلمات معدودة، وصّفت حدود دور القضاء كسلطة بأن يقوم بالحكم بما يوضع في يديه من قوانين، أي أيًا تكن تلك القوانين عادلة أو جائرة، متوازنة أو منحازة، جيدة أو سيئة. فالسلطة القضائية وفق هذا المفهوم هي مجرد آلة، علي غرار تلك الآلات التي تنتصب في مداخل بعض الأماكن العامة، والتي تضع في إحدي فتحاتها عملة معدنية معينة، فتخرج لك من الناحية الأخري حسب قيمة العملة صنفًا من المرطبات الجاهزة. أي أن وظيفة السلطة القضائية أن تنتظر هي كي تضع القانون، أي قانون، في فتحة أذنها كي تقوم هي بإخراج الأحكام المطلوبة من فمها، وهكذا فإن الحديث لا يطول سلطة وإنما يطول آلة معدنية لا موقف لها ولا رؤية ولا تقدير، وهو المطلوب في الباطن وفي العمق.
والحقيقة أيضًا، أن كل الوقائع والخطابات والأحاديث، وبغض النظر عن هذه النبرة الأبوية المتفضلة، التي تكتنف مفرداتها تشي بعداء غريزي لسلطة القضاء والقانون، وباستعلاء واضح لا يبدو مبررًا علي جموع الشعب التي تشتعل غضبًا ورفضًا، وإذا كان هذا العداء لسلطة القضاء الذي عبر عن نفسه جليا فيما يسمي بالإعلان الدستوري يمكن تفسيره بالسعي لتحقيق الهدف الاستراتيجي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو إحلال الجماعة محل الدولة، والاستحواذ الكامل غير المنقوص عليها، فما هو تفسير هذا الاستعلاء علي الشعب، من سلطة لا تملك أن تدفع منظومة القوة في الدولة لقمعه وكسر إرادته باستخدام العنف الغاشم؟ ولا بديل إذًا عن البحث عن تفسير آخر قد ينتهي إلي وجود قوة أخري علي الأرض غير قوة الدولة، أو إلي وجود دعم بالقوة قد لا يكون داخل حدود الدولة، وهو تفسير قد يجد سندًا موضوعيًا له في ذلك التصريح الذي قاله أحد أعضاء الحكومة الحالية، واستورده أو استعاره من لسان أحد المسئولين السابقين قبل الثورة، وكان منطوقه 'إما مرسي وإما الفوضي'، والواضح أنها ليست الاستعارة الوحيدة من خطاب النظام السابق، فهناك أكثر من استعارة أخري، علي شاكلة وضع كلمة الاستقرار بديلا لكلمة الاستمرار، وعلي غرار اللجوء للقياس العددي والكمي في كل شيء، حتي في إنتاج هذا الدستور الفاسد بعدد ساعات مناقشاته، لا بالمعيار الكيفي لتمثيل الجمعية التي أنتجته للشعب، أو بالدعوة إلي حساب موازين القوي بين المؤيدين والمعارضين. بأعداد المسيرات والأشخاص والحشود، لكن الأمر في كل الأحوال لا يخرج عن ألعاب قاصرة من خداع النظر، ومن تكنولوجيا صناعة الوهم، مع ذلك فإن أكثر ما أثقل قلبي في هذه المسافة الممتدة في حديث الدكتور محمد مرسي بين الظاهر والباطن، وبين الحقيقة والإيهام، هو محاولة إجابته عن سؤال معلق حول نتائج التحقيقات في مقتل هؤلاء الشهداء الستة عشر من العسكريين المصريين الذين أردتهم يد الغدر والإرهاب في سيناء، حين برر عدم إعلان النتائج وتقديم الجناة للعدالة، بأن يد العدالة لم تطلهم، لأنها لا تريد أن تسعي إلي كشف الحقيقة من خلال أعمال أو قرارات استثنائية، وإنما من خلال التمسك بما يفرضه القانون، فأي قسمة عادلة تلك التي تفرض التمسك بالقانون، ورفض الأعمال الاستثنائية في مواجهة مجموعات إرهابية لا أريد أن أقول أكثر من ذلك بشأنها، بعد أن قامت بسفك دماء الجنود المصريين غدرًا وغيلة، بينما تفرض الضرب بالقانون والدستور عرض الحائط واللجوء إلي حيل استثنائية في مواجهة شعب صابر محتسب، يبحث عن بقايا ثورته بين الأنقاض وسلطة قضائية تعض بالنواجذ علي حقوق هذا الشعب؟!
لماذا يبدو المشهد مرتبكًا ومتداخلا إلي هذا الحد؟ والإجابة الصحيحة أنك عندما لا تجد الوضوح كاملا والأبعاد جلية، فإن عليك أن تبحث في عمق ما يراد له أن يبدو علي السطح، وما يبدو علي السطح حسب كلمات الدكتور مرسي هو إعلان دستوري، يحقق رغبات وطلبات المرحلة الانتقالية، وهو لذلك كما يقول يمثل مرحلة استثنائية قصيرة جدًا، سوف تنتهي كليًا بمجرد الاستفتاء علي الدستور وموافقة الشعب عليه، وهذه المرحلة القصيرة جدًا كما يقول بعض دعاته، قد تمثل ديكتاتورية باستحواذه علي كل السلطات ولكنها ديكتاتورية مؤقتة، والحقيقة عندي – أولا – أنها بالفعل ديكتاتورية مؤقتة، ولكنها ليست سوي جسر مفتوح يمهد لديكتاتورية دائمة، وإذا كانت هذه الديكتاتورية المؤقتة تحصن نفسها من الدولة كلها بإعلان استثنائي منعدم في توصيفه الفقهي الصحيح، فإن غايتها هي الوصول إلي ديكتاتورية دائمة تقوم علي دستور جديد يحصن استمرارها بأن يتحول في يدها إلي سيف تقطع به جميع أعناق منافسيها قبل خصومها. إن لدينا لعبة واضحة لخداع النظر والإيهام، أقبلوا هذه الديكتاتورية المؤقتة قليلا من الوقت، كي ننتقل بكم إلي جنة الديمقراطية، وإذا لم تقبلوا فاقرعوا رؤوسكم في الحوائط حتي تدمي وذلك لوقت قصير جدًا بعدها يمكنكم أن تجففوا غضبكم ودمكم في أشجار الديمقراطية، وذلك حتي نحبط مساعي خصوم الثورة وأعداء الاستقرار.
والحقيقة عندي –ثانيًا– أن القبول المذعن بذلك لن ينتهي بأحد إلي جنة الديمقراطية، وإنما إلي نار الديكتاتورية التي وقودها الناس والحجارة، وتستطيع أن تتأكد من ذلك بقراءة معاني ودلالات تلك الهرولة غير الرشيدة وغير الرصينة، التي تم بها إقرار بنود الدستور النيئ بالصعود علي سلالم بنوده عدوًا بالليل، وبأنفاس متقطعة حتي الفجر، وهو دستور لا يخرج عن كونه سيفًا يقطع عنق القضاء، ويردم علي حقوق العمال والفلاحين، ويربط المرأة إلي أوتاد خيمة غابرة، ويحول الثقافة والإعلام إلي دُمي في أيدي بعض الحواة والمغامرين، وهو فوق ذلك يرمي مصالح الطبقة المتوسطة والطبقات الدنيا تحت حوافر رأس المال الغشوم، بل هو يأخذ مصر كلها كأنها سفينة جانحة، استولي عليها القراصنة بليل فاستلبوا عقلها ومالها وأمنها ومستقبلها.
هذه ليست معركة حول الإسلام ولا حول الدين، ليست بين إسلاميين ومدنيين، وليست معركة حول تطبيق الشريعة قبولا أو رفضًا، فذلك التصوير هو إخراج زائف بالمعركة عن طبيعتها وعن مجراها، هذه معركة في الثورة ومن أجل الثورة، من أجل حلم العدل، ودولة القانون والمساواة، ونفي التمييز، ولذلك فهي علي الجانب الآخر ليست معركة من أجل الله، ولا من أجل الوطن، ولكنها بكل صورها وأدواتها وأساليبها معركة للجماعة ومن أجل الجماعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.