رئيس جامعة بنها يهنئ الطالب محمد ربيع لتقليل حوادث الطرق    مطار القاهرة يستقبل أولى رحلات الطيران العارض لشركة أذربيجان    توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال.. أبرز أنشطة مجلس الوزراء فى أسبوع.. إنفوجراف    مصر والصومال وتركيا وجيبوتي يرفضون الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال    وزارة العدل الأمريكية تكشف عن أكثر من مليون وثيقة مرتبطة بقضية جيفري إبستين وتأجيل الإفراج الكامل يثير جدلاً    ياسر ثابت: تحييد أوكرانيا والعلاقة مع الناتو أبرز عقد التسوية المحتملة للحرب    تايوان.. نواب المعارضة يبدأون إجراءات لعزل رئيس البلاد لاى تشينج تى    كأس الأمم الإفريقية، منتخب مصر يتقدم علي جنوب إفريقيا بهدف صلاح في الشوط الأول وطرد محمد هاني (صور)    القبض على المتهمين بمحاولة إضرام النيران في مقهى بالقليوبية    الجنايات تستكمل غدا محاكمة فتى الدارك ويب والاستماع لشاهدى الإثبات    الفنان محمد خميس يحتفل بحفل زفافه بالجلباب الصعيدي (صور)    محافظة سوهاج: جاهزية 550 مقر انتخابي و586 لجنة فرعية لإجراء انتخابات الإعادة لمجلس النواب ديسمبر 2025    الجيش الإسرائيلى يهاجم أهدافا لحزب الله فى لبنان    قطع الكهرباء والمياه 5 ساعات في مطاي بسبب الصيانة    60 ألف مشارك في النسخة العاشرة من سباق زايد الخيري بمصر    مؤتمر أرتيتا - هافيرتز قد يعود خلال أيام.. ونأمل في عودة جابرييل بأسرع وقت    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    التعليم تكشف حقيقة التعدي على طالبة بمدرسة للتربية السمعية    ضبط مناديَي سيارات لارتكابهما أعمال بلطجة بساحة انتظار بالجيزة    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    أكتب لكم عن عبد اللطيف المحيسن: الأسمر صاحب القلب الأبيض فارس من الأحساء يمنح الحياة مذاقًا حلوًا رغم الصعاب    الصحة تطلق قافلة طبية بدمياط الجديدة وتقدم خدمات مجانية لأكثر من 1400 مواطن    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد بتكلفة مليار جنيه    10 آلاف جنيه مخالفة السرعة.. احذر قانون المرور الجديد    وزارة الداخلية: ضبط عنصر جنائي بالجيزة تخصص في تزوير الشهادات الجامعية وترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي    رسميا.. أحمد سامي مديرا فنيا لمودرن سبورت    محافظ الجيزة: انطلاق 36 قافلة طبية علاجية بالمراكز والمدن بدءًا من 2 يناير    عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    ننشر حصاد وزارة الإسكان خلال أسبوع| فيديو جراف    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية في سلاح السيف    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    الصورة الأولى للفنان محمود حميدة بعد مغادرته المستشفى    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    «القومي للمرأة»: غرفة عمليات لمتابعة المشاركة في جولة الإعادة بانتخابات النواب    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    باكستر: جنوب إفريقيا فرصتها أكبر في الفوز على مصر.. ونجحت في إيقاف صلاح بهذه الطريقة    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين وتغلق بوابات لعرقلة المرور    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 12- 2025 والقنوات الناقلة    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في وثيقة الإخوان الاستراتيجية لسبي مصر..!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 04 - 03 - 2013

هذه وثيقة كاشفة، ولا أريد أن أقول فاضحة أو صادمة، وهي ليست كاشفة فقط، بمعني أنها تعرّي ما تحت جلد خطاب وسلوك جماعة الإخوان المسلمين، فتظهر أحشاءه الداخلية، وكأنه جثمان ممدد فوق طاولة في غرفة للتشريح، مفتوح بالطول والعرض والعمق، ولكنها تظهر فوق ذلك، وربما قبل ذلك، منهج التفكير؛ فلا يبدو إلا منهجًا استحواذيًا ذرائعيًا نفعيًا استعلائيًا، يتفصّد من عقل مأزوم مغلق، حتي لقد بلغ بي الظن بعد أن فرغت من قراءتها مرات، أن صاحبها بوصفه ممثلاً للجماعة، وهو نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، قد خرج للتو من خندقه تحت الأرض،، لكنه أخذ خندقه معه، وما يحمله فوق رأسه، فلا يري إلا من خلال ثقب في جداره، أو كوّة في سقفه، معزولا عن حركة الناس ونبض الحياة، وإن ادعي أنه منغمس فيها، ولذلك تتوقف حدود رؤيته عند شيئين لا ثالث لهما: أولهما ذات الجماعة المتمركزة علي نفسها علي جانب، وثانيهما شبح النظام السابق الذي يتجسد لها حيّا في كل ما تراه، مهددا وجودها في اليقظة والمنام والحل والترحال علي جانب آخر.
أولا: إذا لجأنا إلي منهج تحليل مفردات اللغة في الوثيقة أو الخطاب، فسوف نجد أن أكثر المفردات استخداما وإلحاحا وتكرارا بلا منازع، هي 'النظام السابق'، فقد تكررت عبر 12 صفحة هي حجم الوثيقة، بالعدد 156 مرة، أي بواقع 13 مرة في كل صفحة، مما يعني أنها موجودة تقريبا في كل سطر من سطورها.
وإذا كانت الوثيقة ذاتها تحمل تاريخ إصدارها في 13 فبراير 2013، ويفصلها زمنيا بالتالي عن حدث انفجار الثورة 745 يوما، بكل ما تحمله من متغيرات عاصفة، فإن ذلك يعني أحد أمرين، وبالأحري كليهما معًا:
الأول: أننا أمام نزعة نفسية قاهرة، ما تزال حيّة ومؤثرة، من دافع صدمة السقوط المفاجئ للنظام السابق غير المتوقع ولا المنتظر عندها إلي قمة السلطة، حد أن اكتمال السقوط والصعود، لا يزال أبعد من أن يستوعب لديها بوصفه واقعًا قائمًا، والحقيقة أنني فوجئت بهذه الدلالة، تتنزل من حديث جانبي لأحد قادة الجماعة قبل شهور، في أعقاب حوار تليفزيوني صدامي تشاركنا فيه، فقد حرص الرجل بعد أن قذفني بكرات من اللهب في الحوار أن يخفف في أعقابه مما حدث، قائلا: 'لعلك لا تغالي في اتهامك للجماعة بالارتباك وغيبة البرنامج، إذا علمت أننا وجدنا أنفسنا في السلطة دون توقع، فقد كانت حساباتنا وتخطيطنا، أن ذلك يمكن أن يتحقق بعد 15 عاما بالتمام والكمال'.
والثاني : أننا أمام نزعة أيديولوجية تجاهد لكي تمنح سلوكها غطاءا سياسيا وأخلاقيا زائفا، ولهذا فهي تسعي إلي أن تصور لنفسها وللآخرين، أن كل ما تفعله من استحواذ، واستبعاد، وانفراد بالسلطة، وهدم لأركان الدولة، وتقويض لقواعد الأمن القومي، بل من ترويع وإرهاب لمن عداها من القوي السياسية والاجتماعية، يكتسب المشروعية السياسية والأخلاقية، من كونه موجهًا إلي النظام السابق، دون ما عداه، فعندما تلصق لافتة 'النظام السابق' فوق القضاء، والجيش، والمخابرات والشرطة، وجميع الأحزاب والقوي السياسية الأخري- التي تصفها الوثيقة بأنها غير الإسلامية- فإن تصويب المدفعية الثقيلة وإطلاقها عليها جميعها دون استثناء، بغية تقويضها وهدم أركانها، يكتسب مشروعية ذاتية سياسية وأخلاقية شكلية، وإن كانت ذرائعية وفاسدة وزائفة.
ثانيًا: إذا واصلنا استخدام منهج تحليل مفردات الوثيقة أو الخطاب، فسوف نجد أن أكثر المفردات استخدامًا وتكرارًا بعد ذلك هي مفردات: 'الثورة' التي تكررت 88 مرة، ثم مفردة 'معركة' وقد تكررت 38 مرة، ثم مفردة 'التفكيك' وقد تكررت 37 مرة، ثم مفردة 'الدولة العميقة' وقد تكررت 23 مرة، ولذلك فإن هذه المفردات اللغوية إضافة إلي مفردة 'النظام السابق' تكاد أن تشكّل الأعمدة الرئيسية التي تقوم عليها الوثيقة، فكرًا وتوجهًا وهدفًا استراتيجيًا.
ثالثًا: إذا توقفنا عند تكرارية كلمة 'الثورة' 88 مرة في الوثيقة، فإنها تعكس ظاهرة متكررة الاستخدام، وهي 'الإحلال اللغوي' أي إحلال معني كلمة مكان كلمة أخري، وطرد الأخيرة من الساحة، فقد استُخدمت مثلا كلمة 'تحرير الاقتصاد' بديلا لكلمة 'خصخصة الاقتصاد' لإضفاء دلالة ثورية، تشبه تحرير الأرض علي عملية مناهضة لمعني التحرير ذاته، باعتبارها أقرب إلي 'استعمار الاقتصاد' بالاستحواذ عليه من قبل الأجانب، وهذا ما وظفته الوثيقة تماما، بالإحلال الدائم لكلمة الثورة، مكافئًا لغويًا لكلمة الجماعة، فأينما حلّت الأولي، لن تجد في مضمونها داخل سياقها اللغوي، إلا 'جماعة الإخوان المسلمين' فالثورة هي الجماعة، والجماعة هي الثورة، وكل ما يصدر عنها بالتالي هو فعل ثوري، وكل ما يصدر عن عمل عداها أيًا كان هو فعل مناهض للثورة، ومضاد لها، بل إن الوثيقة تمضي إلي ما هو أبعد من ذلك مشكّلة قناعة ذاتية، بأن فعل الثورة، والثورة ذاتها كانا من صنع جماعة الإخوان المسلمين، وأنها شكّلت بألفاظها رأس رمحها، وقوة دفعها، وما سوي الجماعة ابتداء من الجيش، وانتهاء بالقوي السياسية المختلفة، مرورا بجميع الطبقات والقوي الاجتماعية، والأجيال الصاعدة، جميعهم لم يكونوا أكثر من زوائد في العملية الثورية، فالثورة وفق منهج الوثيقة ومفرداتها، هي صناعة إخوانية كاملة، حيث يسود خلط دائم في كل تعبير بين قوي الإخوان، وبين قوي الثورة، وإذا امتد دور الإخوان إلي المستقبل بحكم المهام التي تلقيها الوثيقة علي أكتافهم، باعتبارهم قوي الثورة المتفردة والمنفردة، التي عليها أن تهدم الدولة وتعيد تفصيلها كلها علي مقاس رؤيتها وحجمها ومصالحها، فإنهم يضفون علي أنفسهم بأنفسهم، مكانًا أعلي ومكانة أرفع، باعتبارهم القوي المحركة للتاريخ.
رابعًا: وإذا توقفنا عند تكرارية مفردات 'المعركة' و'التفكيك' و'الدولة العميقة' وقد تكررت 38 مرة و37 مرة و23 مرة علي التوالي، لوجدنا في بنية السياق اللغوي ذاته، تداخلاً مدهشًا بين هذه المفردات، يكاد أن يشكل تزاوجًا والتزامًا مترابطًا بينها جميعها في حيز الخطوط الرئيسية للاستراتيجية التي تطرحها الوثيقة، ولعل كلمة 'المعركة' نفسها في هذا الحيز، تشي بمشروعية ذاتية لاستخدام كل الأسلحة الممكنة، من العزل إلي الإكراه، إلي التفتيت والتفكيك، إلي استخدام وسائل انقلابية وغير ديمقراطية، بل إنها تعطي رخصة استخدام أدوات القوة المادية، لكن توصيف المعركة يتحدد في قلب الوثيقة، من طبيعة الاصطفاف نفسها، وبالتالي فإن ميدان المعركة المستمرة، هو مساحة الصدام بين قوتين أو جبهتين محددتين، هما: 'النظام السابق' و'جماعة الإخوان المسلمين' بنص الوثيقة، هي التي تصدت لقوي النظام السابق في كل المعارك، والقوة الأولي التي تتصدي لكل محاولات الثورة المضادة وتدفع ثمنًا غاليًا في كل المعارك، فإن بقية القوي الإسلامية، كما تؤكد الوثيقة، 'لا تشارك جماعة الإخوان المسلمين في كل المعارك، خاصة أنها لم تشارك في عركة تغيير الحكومة بعد انتخابات مجلس الشعب، ولم تشارك في المعركة الانتخابية الرئاسية، التي كانت ذروة المعارك مع قوي النظام السابق'، وهو ما يعني أن جبهة المواجهة الأولي في ميدان المعركة، إنما تتشكل من الجماعة وحدها بالأساس، بحكم تخاذل بقية القوي الإسلامية عن المشاركة في ذروة المعارك، أما الجبهة الثانية–كما تقول الوثيقة فإنها تتشكل بالأساس أيضًا من قوي 'النظام السابق' وهو تعبير يتسع كما قلنا، لجميع القوي الاجتماعية، وجميع الأحزاب السياسية، وجميع التيارات الفكرية والثقافية والإعلامية، بل إنه يتسع ليشمل كذلك جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، ونخبة الدولة المهيمنة بكل مكوناتها في 'المؤسسات المدنية' و'المؤسسة العسكرية' و'المؤسسة الشرطية' و'المؤسسة القضائية للدولة' إضافة إلي الكتل الاجتماعية المؤيدة للنظام السابق، بل وعائلات المنتمين للمؤسسات المركزية في الدولة مثل القضاء والجيش والشرطة، حسب تحديد الوثيقة.
وهو ما يحتم في منظور أصحاب الوثيقة، ضرورة العمل علي تفكيك هذه المؤسسات، بل تفكيك الدولة ذاتها، لماذا؟ تجيب الوثيقة: 'لأن تفكيك الدولة العميقة من أهم معارك الثورة'، مع ملاحظة استبدال كلمة الثورة بكلمة جماعة الإخوان كلما ورد ذكرها، ولأن 'بقاء الدولة المهيمنة يعني بقاء النظام السابق' ولأن 'الدولة العميقة أو الدولة الخفية أهم تحدٍ يواجه عملية الإصلاح'، ولهذا كما تضيف الوثيقة بالحرف الواحد فإن 'جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة اعتمدا استراتيجية التفكيك المتتالي للدولة العميقة وهو ما تبناه الرئيس محمد مرسي بعد انتخابه' ولهذا تستطيع أن تستخلص من السياق الكامل لاستخدام مفردات المعركة، والتفكيك، والدولة العميقة، أن جبهة المجهود الرئيسي لعمل جماعة الإخوان المسلمين ليست الأحزاب والتيارات السياسية والاجتماعية، وإنما جبهة المجهود الرئيسي تتحد أساسا في مواجهة العدو الرئيسي وهو الدولة المصرية.
خامسًا: في تحديد ميدان المعركة، والقوي المضادة للثورة تفصح الوثيقة عن القاعدة الاستراتيجية لموقفها من القوات المسلحة، وتؤكد زيف وكذب خطابها، الذي يعلو صوته كلما استشعرت الخوف وأحست بالخطر، بكلمات مفعمة بعواطف الرضا عن الجيش، وعن دوره الوطني، ولا أقصد بذلك فقط، ما يتعلق بدور الجيش التاريخي ومجلسه الأعلي في حماية الثورة، والذي ألغته الوثيقة تمامًا، شأنه شأن دور قوي الثورة الحقيقية ذاتها، بعد أن احتكرت فعل الثورة من أوله إلي آخره للجماعة، ولكنني أقصد ما يتعلق- أيضًا- بدور المجلس الأعلي للقوات المسلحة في أعقاب الثورة، وعلي امتداد المرحلة الانتقالية، فقد ألبست المجلس دورًا مناهضًا للثورة، وخلعت عليه كل ملامح الثورة المضادة، ولخصت ذلك في أنه 'عَمِلَ علي حماية بقاء النظام السابق' وعَمِلَ 'من خلال أذرع الدولة العميقة في القضاء علي الكيانات المنتخبة ممثلة في مجلس الشعب والجمعية التأسيسية، حتي تتمكن قوي النظام السابق من العودة مرة أخري للحياة السياسية' غير أن الجماعة كما تقول الوثيقة استطاعت بنجاح التصدي لمحاولات المجلس خاصة عندما 'أظهرت تلك المعركة، أن المجلس لن يسمح لقوي إسلامية بتشكيل الحكومة' وبعد نجاح مرشح الجماعة د. مرسي استطاعت الجماعة كما تقول الوثيقة 'توجيه أكبر ضربة لمخططات النظام السابق' أي إلي الجيش بالدرجة الأولي، و'استطاع الرئيس من خلال العديد من المعارك إنهاء الدور السياسي المباشر للقوات المسلحة'، وكذلك 'تأمين عمل الجمعية التأسيسية' و'صد المخطط القضائي الهادف لهدمها' و'تأمين صدور الدستور الجديد' وحتي بعد أن نجحت الجماعة في إنهاء الدور السياسي للقوات المسلحة كما تقول الوثيقة فقد تصدي الرئيس لعملية انقلاب منظمة علي مؤسسة الرئاسة كانت تهدف للوصول إلي السلطة، وقامت الجماعة بدورها لحماية شرعية الرئيس، بعد أن بات واضحًا أن أجهزة الدولة لن تحمي الرئيس، إن هذا المتن الذي يستولي علي مساحة كبيرة في الوثيقة، يقطع بعدة حقائق، ينبغي أن تكون واضحة جلية للعيان :
إن الحديث عن تحالف بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين هو محض اختلاق، روَّجت له الجماعة بنفسها للأسف الشديد، والواضح أن ميدان المعركة علي امتداد المرحلة الانتقالية، وحتي ما بعد الانتخابات الرئاسية، كان بين جبهتين محددتين هما، القوات المسلحة وجماعة الإخوان، والواضح أيضًا أن كل محاولات ذم الجيش والدعوة إلي إسقاطه، بل إلي الاصطدام المادي به، لم تكن بعيدة عن تخطيط الجماعة، وعن المناخ الذي انتجته ضد القوات المسلحة، رغم خطابها العلني المراوغ، إضافة إلي الدور الملموس لحلفائها الإقليميين والدوليين.
إن الجيش نفسه حتي بعد إنهاء دوره السياسي، لم يكن بعيدًا عن المحاولات المختلفة التي أفاضت الوثيقة بالحديث عنها، للانقلاب علي مؤسسة الرئاسة، فقد كان واضحًا كما تقول الوثيقة أن أجهزة الدولة وفي مقدمتها الجيش لن تحمي الرئيس، لأنها حسب تفسيرها ما زالت تحت سيطرة النظام السابق.
إن الجماعة بعد أن أدركت– كما تؤكد الوثيقة– لحظة الانقلاب علي الثورة قامت بدورها لحماية شرعية الرئيس، وهو ما يعد اعترافا مباشرا بدور الجماعة في عملية الهجوم المنظم علي المعتصمين عند قصر الاتحادية، وقيامها باستخدام العنف والقوة ضدهم، والإقدام علي قتل بعضهم بالرصاص الحيّ.
إن القوات المسلحة، ليست بعيدة عن استراتيجية التفكيك، بل ما تزال ساكنة ومستهدفة في قلبها، غير أن نجاح هذه الاستراتيجية كما تقول الوثيقة إنما يعتمد علي منهج التفكيك الجزئي المتتالي، وعدم اللجوء إلي المواجهة الشاملة مع الدولة العميقة، لماذا؟ 'لأن التفكيك الجزئي والمتتالي يضعف الولاءات 'ولأن المواجهة المرحلية والجزئية' تبدل في مصالح المنتمين لشبكة الدولة العميقة 'وإذا كان إضعاف ولاء الجيش قيادة وبنية للوطن والشعب مستحيلا، وإذا كانت المصالح يصعب أن تحل في حالته محل العقيدة الوطنية، فكيف سيكون الحل، إلا فرضًا قسريًا لعملية التفكيك، وهو ما يعني، في كل الأحوال أن الجيش ما يزال يشكل الهدف الاستراتيجي للجماعة، أيًا كانت صيغ تحقيق هذا الهدف.
إن ذلك يعني في جانب منه، أن مؤسسات الدولة جميعها ما تزال في إطار سلسلة متتالية من أهداف عملية التفكيك، وإذا تصورت إحدي هذه المؤسسات أو قيادة فيها، أن محاولة التكيف مع هذه الاستراتيجية، بإظهار الولاء أو تفعيل المصالح، سوف يمثل حماية لها، فإنها ستقع في خطأ استراتيجي كبير، ذلك أن حجم الدفع بعملية التفكيك المصحوب بقوة دفع شديدة لتغيير البيئة الوطنية ذاتها سوف يجعل صمود المؤسسات والأشخاص، ذا طبيعة انتقائية حسب الدور في السلسلة، كما أنه وهو الأهم ذا طبيعة انتقالية تحت سقف زمني مؤقت.
سادسًا: إن عملية تفكيك مؤسسات الدولة متعددة المستويات، فإضافة إلي مستوي تفكيك المؤسسات بتغيير الولاءات داخلها، هناك مستوي آخر، لتفكيك أجزائها، ومستوي ثالث يقوم علي التفكيك المتتالي للروابط والشبكات فيما بين هذه المؤسسات، إضافة إلي مستوي رابع لتبديل مصالح المنتمين إليها، علمًا بأنه كلما تم تفكيك أجزاء مهمة منها غير هذه المستويات، كلما أصبح تفكيك المستويات الأخري أسرع، فتفكيك الانخراط السياسي للقوات المسلحة– بنص الوثيقة– أفقد مؤسسات قضائية غطاء مهمًا، كما أن اشتراك قضاة في الإشراف علي الاستفتاء الدستوري، انتصار مهم، لماذا ؟ لأنه أظهر أن هناك تباين مواقف بين المنتمين للمؤسسة القضائية، أي أنه نجح في كسر وحدتها، كما أن تغيير النائب العام كان هدفه، تفكيك الذراع القضائي للنظام السابق.
غير أنني أستطيع أن أجزم داخل هذا السياق بأن الهدف الاستراتيجي في المقام الأول، هو تفكيك المؤسسة العسكرية، ولما كان ذلك مستحيلا الآن، فإن التوجه من الطبيعي أن يسعي إلي أن يطول أجزاء منها، ولما كان ذلك بالغ الصعوبة الآن، فإن التوجه الحالي، هو تفكيك الروابط والشبكات فيما بين المؤسسة العسكرية، وبقية مؤسسات الدولة الأخري علي جانب، إضافة إلي تفكيك روابطها مع جميع القوي السياسية والوطنية في حيز البيئة الداخلية، فضلا عن روابطها وشبكة علاقاتها في البيئة الخارجية.
بل أستطيع أن أجزم، بأن جانبا من ذلك يجري في حيز الواقع العملي دون أن أدخل في تفاصيل أكثر إيلاما وجرحا.
سابعًا: إن عملية التفكيك بمستوياتها السابقة، لا تقتصر علي مؤسسات الدولة، وإنما تتزامن معها معركة أخري لا تقل أهمية كما تقول الوثيقة عن المعارك الخاصة بالنظام السابق، وهي معركة تفكيك الكتل الاجتماعية المناصرة للنظام السابق، وهي معركة كما تضيف الوثيقة منوطة بالقوي الإسلامية فقط وجماعة الإخوان خاصة، وإذا تحقق تفكيك هذه الكتل حتي قبل تفكك الدولة العميقة، فإن هذا يعني نهاية النظام السابق، أما لماذا تكون هذه المعركة وقفا علي القوي الإسلامية، لأن غالبية هذه الكتل لها توجه تقليدي محافظ، ولديها توجهات إسلامية، ولكنها رغم توجهها الإسلامي، فإنها معادية للقوي الإسلامية.
وهذه معادلة كاشفة بدورها في إطار الوثيقة، إذ كيف يستقيم وجود توجه إسلامي داخل هذه الكتل، بينما توصف وتصنف علي أنها معادية للقوي الإسلامية؟ والتفسير هنا يكتسب أهمية خاصة، فليست الجماعة ولا القوي المتحالفة معها، تخوض حربًا وصراعًا من أجل السلام، إذ لو كان المر كذلك لكان توجه هذه الكتل الإسلامية كافيًا لأن يعصمها من مخطط الجماعة الاستراتيجي والدعوي معًا.
فالاستراتيجية هنا والحرب هنا، ليست معنية بقضية الإسلام من قريب أو بعيد، وإنما هي معنية، بقضية أخري تمامًا، وهي قضية الولاء، أي الولاء بالمطلق للجماعة، لا للوطن، ولهذا تتسع استراتيجية التفكيك إلي 'فك روابط عامة الناس بالنظام السابق، وتغيير البيئة السياسية' وهو ما يتطلب بالضرورة أعمالا ذات طبيعة انقلابية، واحتكارية، قد تتسم بالعنف.
يبقي في منهج التحليل جانب مهم، لم يعد ثمة وقت له، وهو 'السكوت عنه' في الوثيقة، وهو مجمل الأوضاع الداخلية، والانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما لحق بالبيئة الوطنية كلها، من زلزلة وانكشاف وتصدع، وفصم لعري الوحدة الوطنية، وهو ما تفسره الوثيقة نفسها، باعتبار أن هم الجماعة والسلطة، منصرف كليا إلي تنفيذ استراتيجية الاحتواء والتفكيك، مع أن الحقيقة الساطعة الدامغة، أننا لسنا بصدد وثيقة لتفكيك مصر، أو فتح مصر، بقدر ما نحن أمام استراتيجية لسبيّ مصر، وتحويلها من أُمّة إلي أَمَة في بيت الطاعة الإخواني.
ومن له عينان فلير، ومن له أذنان فليسمع.
Email: [email protected]
Site : ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.