بعد اغتيال الرئيس الراحل السادات جاء الرئيس مبارك إلي السلطة ليفتح صفحة جديدة مع الإخوان وطوال أكثر من عشر سنوات راحت الجماعة تتوغل داخل المجتمع المدني في مصر بأحزابه وبرلمانه ونقاباته ومجالس إدارات أعضاء هيئات التدريس بالجامعات, بالإضافة إلي الاتحادات الطلابية, حتي لم تبق مؤسسة مدنية واحدة في مصر لم يخترقها الإخوان. وفي عام1991 وبالتحديد في شهر سبتمبر منه اجتمع قادة التنظيم الدولي بمدينة إسطنبول بتركيا وكان أن تقدم الحاج مصطفي مشهور المعروف حركيا آنذاك باسم أبو هاني باقتراح إلي هيئة المكتب حمل عنوان إعادة تقييم المرحلة الماضية من عمر التنظيم العالمي والتي كانت قد وصلت الي مايقرب من عشر سنوات. انقسمت الورقة إلي خمسة أقسام رئيسية هي: فكرة التنظيم العالمي, أهدافه, وسائله, سلبيات العمل في الفترة الماضية, الاقتراحات والتوصيات. وجاء في البند الثالث, الوسائل مايلي: ويري بعض الإخوة أنه وبعد مرور مايزيد علي عشر سنوات من عمر التنظيم العالمي ومغالاة الأنظمة في حرب الجماعة والوقوف بشكل عام أمام أي توجه إسلامي صحيح فإن هناك وجها آخر لوسائل التغيير لابد من إعادة النظر فيه وتجليته للوصول إلي رؤية شرعية محددة لوسيلة من أهم وسائل التغيير داخل مجتمعنا انطلاقا من ثوابت فكر الإمام الشهيد رحمه الله, وقد بلور بعض الإخوة وجهة نظرهم بالصورة التالية: نستطيع أن نلحظ أن الإمام البنا قد اختار وسيلة بعينها في الأجواء الليبرالية التي كانت تحيط به وهي النضال الدستوري ولكنه لم يغلق باب الخيارات الأخري التي قد تحتاجها الحركة للتغيير النهائي. ومن أجل ذلك نستطيع أن نقول إن المعالم النظرية للمشروع الحركي الإخواني قد تبلورت في صورة أقرب إلي النضج, ولكن ذلك لايعني بحال من الأحوال أن أي نظرية في العلوم الإنسانية يمكن أن تصل الي صيغتها النهائية, بل يظل الباب مفتوحا للمراجعة والتقويم, وتلخيصا نقول إن الإمام البنا قد قام بما يلي: 1 دراسة الواقع المحيط وتحديد المشكلة المطلوب علاجها. 2 تحديد الأهداف الاستراتيجية للحركة. 3 تحديد وسائل التغيير: أ المباشرة: النضال الدستوري الانقلاب العسكري الثورة ب غير المباشرة: العمل الجماهيري ونشر الفكرة. 4 بناء أجهزة الحركة المناسبة للتغيير: التنظيم الخاص, التنظيم العسكري الشعب, الجهاز التربوي, الجهاز الإعلامي, المؤسسات الاقتصادية. ولم يمض علي اقتراح مشهور عام واحد حتي اكتشفت أجهزة الأمن المصرية خطة أطلق عليها الإخوان آنذاك خطة التمكين والتي عرفت إعلاميا بقضية سلسبيل التي تحمل رقم87 لسنة1992. (1) وخطة التمكين التي تقع في ثلاث عشرة ورقة فلوسكاب, ضبطت في منزل قيادي الجماعة المهندس خيرت الشاطر عام1991, وتعتبر الوثيقة هي أخطر وثائق جماعة الإخوان المسلمين السرية علي الإطلاق, وهي كما يشير عنوانها تتعلق بخطة الجماعة من أجل الاستيلاء علي الحكم, لأن معني التمكين كما تقول الوثيقة بالحرف الواحد: هو الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة علي إدارة أمور الدولة,وذلك لن يتأتي كما تؤكد الوثيقة بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية, وفي مؤسساته الفاعلة مع الالتزام باستراتيجية محددة في مواجهة قوي المجتمع الأخري والتعامل مع قوي العالم الخارجي[ مكرم محمد أحمد مؤامرة أم مراجعة دارالشروق الطبعة الثانية,3..2, ص228] وتضع الوثيقة المكونة من13 ورقة فلوسكاب, مهمة التغلغل في قطاعات الطلاب والعمال والمهنيين وقطاع رجال الأعمال والفئات الشعبية الأقل قدرة, باعتبارها حجر الزاوية في خطة التمكين, لأن من شأن انتشار جماعة الإخوان في هذه القطاعات كما تقول الوثيقة أن يجعل قرارالمواجهة مع الجماعة أكثر صعوبة ويفرض علي الدولة حسابات أكثر تعقيدا, كما أنه يزيد من فرص الجماعة وقدرتهاعلي تغيير الموقف وتحقيق التمكين. (2) وتشير الوثيقة بوضوح بالغ إلي أهمية تغلغل جماعة الإخوان في المؤسسات الفاعلة في المجتمع, وهنا مكمن الخطورة لأن المؤسسات الفاعلة في عرف الجماعة ليست فقط النقابات المهنية والمؤسسات الإعلامية والقضائية ومجلس الشعب, لكنها أيضا المؤسسات الأخري التي تتميز بالفاعلية والقدرة علي إحداث التغيير, والتي قد تستخدمها الدولة في مواجهة الحركة وتحجيمها[ المصدر السابق, ص228] (3) إن وثيقة التمكين لا تقول صراحة ما هي المؤسسات الأخري التي يجري تجهيلها عمدا, لكن الوصف يشير بوضوح بالغ إلي مؤسستي الجيش والشرطة, علي أن أخطر ما تطرحه الوثيقة هو رؤية جماعة الإخوان لكيفية التعامل مع قوي العالم الخارجي, خاصة الغرب والولايات المتحدةالامريكية, حيث يتكشف الوجه الحقيقي للجماعة, لأن الوثيقة تؤكد أهمية إشعار الغرب, وأمريكا علي وجه الخصوص, بأن الإخوان لا يمثلون خطرا علي مصالحهم, وأن من صالح الغرب أن يتعامل مع الإخوان عند التمكين لأن الإخوان يمثلون قوة تتميز بالاستقرار والانضباط[ المصدر السابق, ص229] ثلاث عشرة صفحة فلوسكاب من الحجم الكبير معنونة بكلمة التمكين, موضوعة في شكل تقرير يؤكد علي أن المرحلة الجديدة من عمر التنظيم تتطلب المواجهة ولا تحتمل عمومية الأهداف السابقة في الانتشار والتغلغل, وتحذر الوثيقة من التضارب في القرارات بالنسبة للمواقف التي تتعرض لها الجماعة, فضلا عن التحدي والتهديد الخارجي والمواجهة السافرة بين الأنظمة الموجودة وحركات الإسلام السياسي العاملة علي الساحة. تتساءل الوثيقة ما هي الأوضاع التي ينبغي ان تكون عليها الحال, والنتائج الموجودة علي المدي القريب والقصير من حيث: * تحقيق الرسالة. * توافر الاستمرارية. * الاستعداد للمهام المستقبلية. * رفع الكفاءة. والرسالة في عرف الجماعة, وحسب نص الوثيقة, تستهدف التهيؤ لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة علي إدارة الدولة واعداد البناء الداخلي لمهام مرحلة الكفاءة والأخيرة تقصد بها الوثيقة وضع سياسة مواجهة لذلك التهديد الخارجي, يقصدون به محاولات إجهاض مخططات الجماعة للسيطرة والتغلغل, وذلك عن طريق: * الانتشار في طبقات المجتمع الحيوية والقدرة علي تحريكها. * الانتشار في المؤسسات الفاعلة ويقصدون بها الجيش والشرطة. * التعامل مع القوي الأخري. * وأخيرا الاستفادة من البعد الخارجي,[ المصدر السابق ص229] إدارة الدولة: لعل أخطر ما في هذه الوثيقة أنها توضح الشكل الانقلابي الذي يعده الإخوان للسيطرة علي نظام الحكم والوصول إلي مرحلة إدارة الدولة, او ما اصطلح علي تسميته في تلك الوثيقة الخطيرة بالاستعداد للمهام المستقبلية. (4) وتقول الوثيقة: إن المحافظة علي الحالة من التمكين التي يصل إليها المجتمع تتطلب ضرورة امتلاك القدرة علي إدارة الدولة لمواجهة احتمال اضطرارنا لإدارة الدولة بأنفسنا, وفي الوقت ذاته ستؤدي حالة التمكين إلي تكالب القوي المعادية الخارجية, لذا كان لابد من الاستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية من خلال ان يكون لدينا الإخوان رؤية لمواجهة التحديات, سواء من حيث امتلاك الامكانات اللازمة لتحقيق هذه الرؤية والقدرة علي تطويرها, وهذا يتطلب اعداد البناء الداخلي بما يتواكب مع متطلبات المرحلة ويحقق الاستخدام الأمثل للموارد الذي اصطلحت الوثيقة علي تسميته ب الكفاءة[ المصدر السابق, ص233] وتضيف الوثيقة: إن هذا يمثل التحدي العملي في تحقيق الخطة بأهدافها المختلفة, مما يستوجب التعامل مع جزئيات البناء الداخلي لتطويرها كي تتوافق مع طبيعة المرحلة القادمة سواء من حيث الرؤية أو التكوين للأفراد أو البناء الهيكلي علي النحو التالي: فعلي صعيد الرؤية, وهي أحد أهم اضلاع مثلث مرحلة الكفاءة, فإن هذا يتطلب توحيد توجهات الصف في اتجاه البناء والتغيير, لذا لابد من استيعاب كامل من قبل الصف العناصر الإخوانية لقضية التغيير, ووضوح كامل للتوجهات حتي لا تواجه الخطة بالمقاومة السلبية من الداخل, وضرورة البدء بطرح قضية التغيير للحوار علي جميع المستويات من أجل ان يتفاعل ويكون عامل المشاركة دافعا لإثارة كوامن الفكر والمبادرة وتجسيد القضية. في جانب تكوين الأفراد فإنه وحسب ما تصرح به الوثيقة إضافة إلي البرنامج التكويني القائم حاليا, فلابد ان يشمل في المرحلة المقبلة انعكاسات الجزئيات المختلفة للخطة عليها, فالانتشار في طبقات المجتمع, وهو صلب خطة التمكين, يتطلب رفع قدرة الأفراد علي التأثير في قطاع عريض من المجتمع, يرفع امكانات الحوار والقدرة علي الاقناع والتدريب وذلك عن طريق: * إحداث التوازن بين الدعوة الفردية, من اجل الضم للصف, والدعوة العامة. * تنمية حلقات القيادة والقدرة علي تحريك المجموعات أما بالنسبة للانتشار في المؤسسات الفاعلة, فهذا يتطلب: * رفع قدرة الأفراد علي اختراق المؤسسات دون فقدان الهوية. * رفع قدرة الأفراد علي التعامل مع المعلومات المصدر السابق ص233 وبالنسبة للتعامل مع القوي الأخري, لابد من تربية الأفراد علي إقامة جسور فكرية أو عملية معها. وبالنسبة لمهمة إدارة الدولة ومهام المستقبل فإن هذا يتطلب: 1 الاهتمام بمجموعة مختارة تنمي فيها القدرة علي إدارة المؤسسات العامة. 2 القدرة علي استيعاب المتميزين في القطاعات المختلفة والاستفادة منهم. وإلي جانب البناء الهيكلي, فإن المنهج العملي للإدارة يتطلب: * توفير المعلومات اللازمة لأداء المهام المختلفة * إرساء مبدأ التفويض واللامركزية في الأعمال ما أمكن. * إرساء مبدأ التفرغ لشغل المناصب ذات الأهمية. * مرونة الهيكل بحيث تسمح بإضافة كيانات جديدة استجابة للخطة جهاز معلومات علاقات سياسية. * استكمال الهياكل بناء علي أهمية العمل في الخطة وأولويته المصدر السابق ص234. ضربت خطة التمكين مع ضرب مجموعة شركة سلسبيل في القضية رقم87 لسنة1992, وظلت اوراق القضية تتداول أحد عشر شهرا, كانت الدولة خلالها تصارع جماعات العنف في أقصي صعيد مصر, وفي قلب القاهرة, وكانت الفكرة هي الاكتفاء بكشف كل عناصر التنظيم ومخططاته والعمل بنظام الخطوة خطوة في تتبع هذه العناصر والمخططات مع وضع كل شيء تحت السيطرة التامة عبر مراقبة جميع التحركات. قرار المواجهة الشاملة لم يكن قد حان اتخاذه بعد, الأمر الذي دفع به تجاه الإفراج عن جميع المقبوض عليهم علي ذمة القضية في حينه علي أن يتم التعامل معهم في الوقت المناسب, وهو إجراء قانوني وسياسي في نفس الوقت, إذا لا يعقل ان يتم فتح جبهتين في آن واحد, خاصة أن الجبهة الأولي كانت غامضة تماما وغير معروف حجمهما الحقيقي, وأن الجبهة الثانية تمت تعريتها تماما, وأصبحت تحت السيطرة, وهو ما تم الكشف عنه فيما بعد عام1995 في أول قضية عسكرية للإخوان التي كانت برقم1995/11,1995/8 والتي تم فيها رصد أول اجتماع كامل لمجلس شوري الجماعة بالصوت والصورة, وحصل فيه85 متهما علي أحكام تتراوح بين5 و7 سنوات كان بينهم نجوم الصف الأول بالجماعة. في الحلقات المقبلة( الأقوال الكاملة ليوسف طلعت المخطط الرئيسي لحادث المنشية ورئيس النظام الخاص للجماعة آنذاك). [email protected]