مسكين كل من يسكنه رحيق السلطة فيلهث وراءها ويستميت للظفر بها، فتحت ظل الوهم يظل عاشقا لكرسى السلطة ويغيب عنه أن أى سلطة مصيرها إلى زوال فلا شيء يدوم وإلا لو دامت لهذا ما وصلت لذاك. ولا شك أن النهم بالمناصب مرض عضال لا براء منه حتى إذا أصيب أحد بهذا الفيروس فقد يصل به إلى حافة الجنون. إنه الهوس الذى يضاجع صاحبه فيمضى يحلم به ويرى نفسه وقد تربع على عرش السلطة. حتى إذا أفاق واستيقظ من حلمه وجد نفسه يعيش كابوسا مزعجا مع واقع يرى فيه غيره وقد ظفر بالعرش. وهنا تنتابه الهواجس المزعجة ومعها يتمنى أن تحل اللعنة بمن يجلس على العرش، وأن تتم إزاحته لتتاح له الفرصة ليحل محله ويصبح المنصب من قسمته ونصيبه. إنها السلطة المرض العضال ومعها ومن أجلها لا يستطيع المرء ولا يملك من أصيب بدائها التخلى عنها. وهنا يعيش الحالم بها كابوسا مزعجا ، ومعه يتمنى أن يتدخل القدرليسقط من ظفر بالسلطة حتى يئول إليه هو المنصب الذى طالما حلم به . إنه مرض عضال لا يستطيع الشفاء منه، فالسلطة مفسدة يسعى اليها كل انسان فى محاولة للظفر بها. غريب هذا النهم بها والتكالب عليها رغم علم الجميع بأن من يمتلكها يتعين عليه خدمة الآخرين ومعاونتهم، وأن المرء إذا تمكن منها وحصل عليها فلابد أن يضطلع بأداء هذه التبعة ويتحمل مسئوليتها. يغيب عن الساعى إلى السلطة والحالم بها أنها زائلة بحكم الزمن وبحكم التاريخ وبحكم سنة الحياة، فلا ديمومة لأى سلطة وسرعان ما تتبخر ويخبو بريقها. إنها أشبه ما تكون بفيروس قاتل إذا تمكن من الانسان أصابه بالجنون والشطط، وعندئذ يكون على استعداد للدخول فى معارك طاحنة من أجل نيلها وامتلاك ناصيتها. حتى إذا تحقق له ذلك تشبث بأهدابها بحيث يصبح من العسير إبعاده عنها لا سيما وهو يراها حقه المشروع الذى لا يمكن له التفريط فيه ومن ثم لا يمكن لغيره أن يسطو عليها، وبالتالى يظل هو قابضا عليها بحيث يتعذر على الآخر خلعه منها اللهم إلا بمعجزة. وليس بالضرورة أن يكون المرء كفؤا لكى يفوز بالسلطة، فقد يكون فاشلا أو جاهلا أو سطحيا ولا يملك ما يؤهله للجلوس على كرسى السلطة.ولكن متى امتلكه سرعان ما يستمد من قيمته الكثير وعندئذ يتحول إلى خبير يدلى بدلوه فى القضايا حتى لو كانت آراؤه فارغة المضمون. ويبادر فيعزز مكانته بمجموعة تلتف حوله من المنافقين فتشبع غروره وتشرع فى كيل المديح له وتروج له ما يريد تحقيقه وتبعد عنه الحقيقة وتشنف آذانه بما يحب سماعه. وهنا يزداد غروره ويزداد تشبثه بالمنصب حتى لو لم يستطع أن يملأ المكانة التى يستحقها. ويغيب عنه أن منصبه ليس تكريما ولا تشريفا ولكنه مسؤوليات جسام سيحاسب عليها أمام الله. ويغيب عنه أن المناصب لا تدوم وأن ما يدوم هو النجاح والتألق والإصرار على الوصول إلى تحقيق الطموحات المهنية. ولا شك أن الأمر يختلف كلية بالنسبة للإنسان غير الطامح فى الظفر بالمنصب والزاهد فى امتلاك السلطة. وعندئذ نستطيع أن نرى بأن القياس مع الفارق، فغير الطامح فى السلطة قد يجرى تقييمه بوصفه عملة نادرة لا يعنيه زخرف الحياة وبالتالى نراه لا يسعى نحو المناصب بعد أن تحرر من اللهث وراءها، وعلى العكس فقد يراها سجنا مهنيا وعنصر قيد له ولذلك يبادر فيتخلى عنها طواعية وهذا هو أساس الحكمة، فالسلطة زائلة أيا كانت، ولن يستطيع أى انسان أن يكنزها إلى الأبد وهذا هو عين المرام....