اللفظ الأصيل للحلم في اللغة العربية هو الرؤيا من فعل رأي, أما لفظ الحلم وجمعه أحلام فهو مرتبط في ذهن الكتاب الأوائل بتعبير أضغاث أحلام المذكور في سورة يوسف, أما الآن فإن كلمة حلم هي اللفظ الشائع لما يراه الإنسان من أحداث أثناء نومه, كما تستخدم كذلك لتدل علي الأماني, والحلم ظاهرة إنسانية عالمية, وهو في الوقت نفسه لغة ذاتية إلي أبعد الحدود, فالحلم ظاهرة يدل ما يحتويه من جمل ورموز وأحداث علي أفعال وتحولات تحدث علي مستوي النفس الإنسانية لصاحبه, وهو ما يدل علي وجود علاقة دائمة ومستمرة بين الحلم وحياة صاحبه وشخصيته. .................................................. الاهتمام بالأحلام قديم قدم النفس البشرية, والأحلام مغامرات خفية تقوم بها الروح أثناء النوم, فالنوم ليس موتا مؤقتا لكنه عالم خاص مليء بالحركة والأحداث لكل وظائف الجسد المسترخي, هذا العالم تملأ جوانبه أحلام وكوابيس ورؤي حيرت عقل الإنسان منذ خطت أقدامه علي سطح الأرض. ومن المعتقد أن روح النائم تلتقي خلال فترة السبات بأرواح من سبقوه إلي العالم الآخر كما تلتقي بالأرواح الهائمة لغيره من الأحياء, والحلم كظاهرة إنسانية يعتبر بحق ظاهرة مركبة تؤثر فيه عوامل عديدة فهو نشاط عقلي روحاني يتأثر بعوامل نفسية وبيولوجية. والأحلام عند البعض رسائل من عالم ما فوق الطبيعة, فهي رسائل كائنات إلهية فوق مستوي البشر وتعبر عن الإرادات الخارقة للطبيعة من هنا جاء الاهتمام بما يراه الإنسان في أحلامه ليعرف منها مدلولات الغيب وما سطر في لوح القدر وهو ما يسمي فن التأويل. والمصريون القدماء أول من آمن بأن الأحلام إيحاء مقدس وكانوا يسمونها الرسل الغامضة إلي النائم, للإنذار بالعقاب أو للمواساة والتعزية والتبصير, وقد وجدت بعض البرديات منها بردية شستربيتي نسبة إلي مكتشفها كتبت في عهد الأسرة الثانية عشرة خلال الفترة من(1786990 ق.م.) وبها تفسيرات للأحلام ومعناها كأول محاولة من نوعها في التاريخ. هذا وتذخر الأحلام بالعديد من العظات, ويحدث الحلم في عالم الذاكرة حين تخلد الحواس إلي الراحة, فهي لون من النشاط النفسي يصدر عن النائم بحسب الظروف التي يكون عليها في نومه, فالحلم شيء مقتطع اقتطاعا تاما من الواقع الذي يعرفه الإنسان في يقظته, لذا يمكننا القول بأن الحلم له وجوده المستقل بذاته كالجزيرة المنعزلة عن الشاطئ, إلا أننا نلاحظ في بعض الأحيان أن هناك تيارا في الأحلام يرتبط بواقع اليقظة مما يدل علي أن استقلال الحلم عن اليقظة ليس استقلالا تاما, والدليل علي ذلك أن الوقائع المفردة التي تتكون منها قصة الحلم مستمدة حتما من تجاربنا الذهنية التي تكونت في اليقظة, لذا فمهما بلغت درجة الحلم من الغرابة فلبنات بنائه مستعارة حتما مما رأته أعيننا أو خطر ببالنا ونحن نمارس نشاطنا الواعي, إلا أننا في بعض الأحيان قد نري في الحلم بعض التفاصيل التي نعتقد أنه ليست لدينا فكرة عنها فيما سبق من خبراتنا في اليقظة, من هنا يتبين أن الأحلام ليست مجرد مشاهد تمر علي الحالم كمرور مشاهد عدة في حياته, لكنها جزء من واقعه الذي يعيشه, وربما جزء من واقعه الذي يريد أنه يبغي أن يعيشه, فهي جزء من شخصية الحالم وانفعالاته وتجاربه وثقافته, كما أنها نتاج لبيئة محيطة لا تنفصل عن ذاته. هناك اعتقاد كبير لدي الكثير من الأفراد بأن الحلم عبارة عن مخاطبة بين شخص الحالم وغيره من الأشخاص والحلم الصحيح في نظر الكثير يكون عبارة عن أشياء مسلسلة منطقيا كالمشهد المسرحي, هذا بالإضافة إلي الاعتقاد بأن أفضل الأحلام هو ذلك الحلم الذي يراه الشخص بعد صلاة الفجر ووقت القيلولة, وهو نوع من الأحلام يمكن تفسيره, ويقسم الكثير من أصحاب الثقافة الشعبية الحلم إلي ثلاث أقسام يطلق علي الأول منها الحلم: الذي يأتي فهو ثلاث صور أولها الحلم الصريح بمعني أن ما يراه الشخص في الحلم يتحقق كما رآه تماما, وهو نوع نادر الحدوث, أما الثاني فيأتي علي هيئة رموز تحتاج إلي تفسير, وهذا هو النوع الغالب من الأحلام, ويتم تفسيره بواسطة ذوي الخبرة في معاني هذه الرموز ودلالاتها, أما النوع الثالث هو الأحلام الهاتفية التي تكون عبارة عن هاتف حيث يسمع شخص الحالم صوتا يتحدث إليه لكنه لا يري شيئا, وهذا النوع من الأحلام نادر الحدوث أيضا, وفي حالة حدوثه فإنه يكون من الأحلام الصادقة التي غالبا ما تتحقق. أما الثاني فهو المنام: وهو عبارة عن رسالة موجهة لشخص الحالم, ولا يستغرق المنام سوي فترة وجيزة من الزمن, ويحمل المنام رسالة للحالم لا تتعدي كلمتين أو ثلاث كلمات, وأنسب وقت لحدوث المنام بعد صلاة الفجر. ويمثل الكابوس: القسم الثالث من الأحلام, وهو شبح يأتي للنائمين في الليل ويجسم فوق صدورهم ويجلب لهم أحلاما مزعجة ويوقظهم وهم يشعرون بالضيق, وهذا النوع يتسم بالمطاردات والخوف ورؤية الأشباح والوجود في أماكن غير مألوفة كالمقابر والأماكن المهجورة, ويفقد هذا النوع من الأحلام الترتيب الزمني للأحداث, وهو نوع لا يحتاج إلي تفسير, ويذهب الكثير من الأفراد إلي أن الحالم لابد له أن ينسي هذا الكابوس ويواصل حياته بشكل طبيعي وذلك اتفاقا مع حديث الرسول صلي الله عليه وسلم حيث قال: الرؤيا الصالحة من الله والنفث من الشيطان, فمن رأي رؤيا يكره منها شيئا فلينفث عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدا وإن رأي رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب, ويرجع ذلك الرأي إلي ان ما يحدث للإنسان دائما ما يكون قضاء وقدرا, وهو مفهوم عن الطبيعة المقررة سلفا للأحداث, التي تقع في الطبيعة والمجتمع وحياة الفرد, فمما لا شك فيه أن الاعتراف بوجود الله كخالق للعالم وميسر له يؤدي إلي سلبية قدرة الإنسان علي التأثير علي مجري الأحداث, كما تجعله في وضع الكائن السلبي غير الفعال. والأحلام التي يراها الشخص أثناء نومه تحمل في ثناياها العديد من الأهداف فهي إما أن تكون لتنبيه الحالم من الوقوع في خطأ معين أو لتحذيره من الإقدام علي أمر ما قد نوي الإقدام عليه, وقد تكون هذه الأحلام رمزا للتفاؤل حين تحمل بشري سارة للحالم, وربما نذير شؤم إذا كانت تحمل بشري سيئة له, وقد يحمل الحلم النصح والإرشاد للحالم وذلك بأن يفصح له عن الطريق الذي يسلكه, وقد يكون تفسير الأحلام أقوي من قراءة المستقبل. ومنذ عرف البشر ظاهرة الحلم لم يختلفوا حول أنه يرمز إلي معان ودلالات تتجاوز كونه مجرد حلم, حيث اهتم الإنسان منذ فجر التاريخ بمحتوي الحلم وتفسيره وفك رموزه, ومارس الكهنة والفلاسفة دورا واضحا في هذا الصدد, حيث رأي هؤلاء أنه ما دامت هناك مشاهد وأحداث ذات معني في هذه الأحلام فلابد أنها تشير إلي شيء ما, هذا الشيء إما أنه نافذ علي النفس الإنسانية الداخلية, وإما أنه نافذ علي عالم الغيب الذي لا يدركه الإنسان في يقظته, وبالطبع لم يكن انطباع الأفراد الشخصي حول الحلم كافيآ لتفسيره, من هنا بدأ الانسان يبحث عن وسائل لتفسير أحلامه, وكما اختلف الأفراد في تعريف الحلم نجدهم قد اختلفوا في تفسيره, فبانتقال الأحلام من المعابد إلي مجال اهتمام علماء النفس والأطباء والفلاسفة ظهرت وجهات نظر مختلفة حول تفسير الأحلام, يرجع هذا الاختلاف إلي اختلاف الزاوية التي يتناول بها كل فريق من هؤلاء للحلم وتفسيره, هذا وقد تعرضت لتفسير الأحلام مدرستان رئيسيتان هما اولا: المدرسة الإسلامية: وهي التي تفسر الأحلام من منطلق التصور الإسلامي في تعريف الحلم وأنواعه وتفسيره حيث تعتبر هذه المدرسة الرؤيا مدركا من مدارك الغيب حسب تعبير ابن خلدون حيث يروي أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان إذا انتهي من صلاة الفجر يقول لأصحابه هل رأي أحدكم الليلة رؤيا؟ يسألهم عن ذلك ليستبشر بما وقع من ذلك مما فيه ظهور الدين وإعزازه, ثانيا: المدرسة الغربية: التي أسس لها أرسطو وكان أول من حاول تفسير الأحلام تفسيرا علميا, واعتبرت هذه المدرسة الحلم عبارة عن حياة عقلية أثناء النوم, وتعتبر هذه المدرسة الأحلام تعبيرات حسية ناتجة عن عوامل خارجية وملامسات عضوية تتوقف داخل الجسم وتخرج منها تيارات جانبية لها نفس التعبير الحسي أثناء اليقظة لكنها عبارة عن مسخ للحقيقة الموجودة في اليقظة, إلا أن الذاكرة الإنسانية لا يمكنها أن تصل الأحلام ببعضها البعض أو تربطها بإيقاع حياة الأفراد في اليقظة مما يعطيها التميز المطلق الذي يستحق اعتبارها ذاكرة منفصلة, الحلم شيء يقظ وحي, فهو نوع من الحياة الثانية تمارس حيويتها بشكل مختلف, أي أنه حالة من الحياة أشبه بحياتنا في حالة اليقظة لكنه مختلف تماما عن حالة النوم التي تبطيء بالفعل من كل نشاطنا الذهني, وتعتبر أحلام كل فرد مزيجا من تجاربه وتخيلاته ومشاهداته وذكرياته ومعارفه وانطباعاته في الحاضر والماضي, في يومه القريب وأمسه البعيد, ويقوم مخ كل فرد بطبخ هذا المزيج بطريقته الخاصة, ويصنع منها تهاويل لألوف الأحلام تصطبغ بالألوان المستمدة من شخصية صاحبها ونصيبه من القلق أو السكينة, ومن الاضطراب والاستقرار, والشيء الذي لا يستطيع المخ أن يصنعه هو أن يقدم لصاحبه وجبة أحلام مصنوعة من الهواء الهباء. أما عن كيفية تفسير الأحلام فيكون بعدة طرق مختلفة تتبلور في: التفسير بظاهر الاسم والمقصود بذلك أن المفسر يعتمد بشكل أساسي علي دلالة معاني الأسماء التي يرد ذكرها في الحلم, وقد تكون أسماء خير أو شر, فمن خلال معني هذه الأسماء تبعا لما يرويه الحالم كما يراه بمعناه الظاهر دون زيادة أو نقص. وهناك التفسير بضد الأشياء والمقصود به تفسير ما يحمله الحلم من رموز وأشياء علي عكس ما تعنيه هذه الأشياء في الواقع, بمعني أن يتم تفسير الحلم علي عكس ما تمت رؤيته. يأتي بعد ذلك التفسير تبعا لدلالة الرمز: ويعتمد التفسير في هذه الحالة علي قدرة المفسر علي تحليل الرموز التي تظهر في الحلم, ويكون هذا التفسير في الغالب معتمدا علي ما تعنيه هذه الرموز بالنسبة للمجتمع وكيفية تعامله معها. وعلي الرغم من ذلك فتفسير الأحلام غير ثابت إنما يتغير التفسير من حلم لآخر.