لابد-وبصفة خاصة- من دراسة العائلة البوشية الفريدة التى ينتمى إليها الرئيس جورج بوش الأب والابن لكى نصل إلى تحديد بعض الخطوط العريضة فى شخصية تلك العائلة. ليس سرًا أن سربًا محدودًا من العائلات يمسك بكل تلابيب السلطة المالية والاقتصادية فى أمريكا ويمارس من نوافذها نفوذًا غير مباشر على السلطة السياسية. وليس خافيًا ان هذه العائلات التى تشكل واحدًا فى المائة من إجمالى 250 مليون أمريكى، تمتلك وحدها جل الثروة القومية الأمريكية. لكنْ هناك سر داخل هذا السر : كيف تمكنت عائلة بوش دون غيرها من العائلات من الدمج بنجاح بين السلطتين الاقتصادية والسياسية، وهذا على مدى حقبة غير قصيرة من الزمن؟ و هل هذه العلاقة الملتبسة على كثيرين داخل الولاياتالمتحدة وخارجها، هى «مزيج جهنمى بين الاستثمارات الحربية والطاقة والمخابرات وعالم السياسة والسلطة والمال». إنَّ النصيحة التاريخية التى أطلقها الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، أيزنهاور، حول «وجوب الحذر الشديد من هذا التحالف والتصدى له والعمل على تفكيك أوصاله فى كل آن، كى لا يتحول وحشًا ضاريًا يزعزع المرتكزات الديمقراطية للولايات المتحدة» لم تكن قادمة من فراغ، بل لا بد أن ايزنهاور آنذاك كان قد اطلع على بوادر ذلك التحالف المخيف. - الكاتب الأمريكى كيفين فيليبس قرر فك طلاسم هذا السر. فكانت الحصيلة دراسة مشوقة بعنوان »السلالة الحاكمة الأمريكية». يتعقب فيليبس فى هذه الدراسة الخط التصاعدى لأفراد هذه العائلة منذ بداياتها الأولى فى القرن التاسع عشر، من نخبة استثمارية فى المصارف إلى وسطاء فى لعبة النفوذ السياسى، استخدموا هيمنتهم المالية ومناوراتهم السياسية الملتبسة للوصول إلى البيت الأبيض وإحداث هزة عنيفة فى المرتكزات الديمقراطية العريقة، على حد تعبيره. ويؤكد الكاتب، فى هذا الاطار، وبالأمثلة الموثقة، ذلك التحالف الخطير بين المصالح المالية الواسعة لآل بوش المتمثلة فى شركات عملاقة، من بينها «انرون» و«هاليبورتن»، من جهة، والتخطيط للسياسة القومية من جهة أخرى. ويثبت أنّ ليس ثمة عائلة سياسية أخرى من هذا الطراز، انخرطت إلى هذه الحدود القصوى فى الإعلاء من شأن الصناعات العسكرية فى الولاياتالمتحدة، فى مطلع الألفية الثالثة، ودائمًا على حساب السلام العالمى والإقليمى، وذلك حماية لمصالحها الشخصية. ويجتهد المؤلف كثيرًا فى محاولة لم تكن يسيرة على الإطلاق، لشرح العلاقات والاتصالات والشراكات التى نسجها آل بوش مع أصحاب السلطة والمال والاقتصاد فى الولاياتالمتحدة. ويتوصل إلى قناعة تبدو مذهلة لكثيرين داخل المجتمع الأمريكى وخارجه، تفيد بأنّ عائلة بوش التى تعاقبت على مجلس الشيوخ ووكالة المخابرات المركزية، ورئاسة الجمهورية وسوى ذلك، قد استخدمت على نحو منهجى منظم، امبراطوريتها المالية والاجتماعية وتوجهاتها الارستقراطية، ليس بغية الوصول إلى البيت الأبيض فحسب، بل للاستحواذ عليه، وذلك على حساب انتهاك أكثر الأسس الديمقراطية أهمية فى تاريخ الولاياتالمتحدة ونشوئها كذلك. وعائلة بوش، وهى تحقق تطلعاتها وطموحاتها فى عالم السياسة والمال، نجحت فى إعادة ابتكار نفسها فى توقيت يقترب من العبقرية، وخصوصًا أثناء التحول الذى طرأ عليها منذ سنوات طويلة باعتناقها المبادئ المسيحية الإنجيلية التى تتسع كثيرًا لخزعبلات ما يسمى بالمسيحية الصهيونية التى تتخذ من التوراة مدخلًا إلى فهم مغلوط للمسيحية، يبرر قيام «إسرائيل» والمجازر التى ترتكبها بحق الفلسطينيين ومشروع توسعها فى المنطقة. اللافت فى هذه القراءة الاستكشافية لعلاقات آل بوش وشخصياتهم وشبكاتهم المالية الواسعة، أنّ الكاتب لا يكتفى فقط بتشريح هذه الأسرة «كسلالة حاكمة»، بل يتوجه إلى أبعد من ذلك ليحاكم النظام السياسى فى الولاياتالمتحدة، وخصوصًا تلك المصالح المتشابكة والمعقدة بين المؤسستين العسكرية والصناعية الحربية، على خلفية الارتباط المحكم الوثاق بين هاتين، من جهة، ولعبة النفوذ السياسى، من جهة أخرى. ومهما يكن من شأن عائلة بوش وامتداداها الاخطبوطى فى السياسة الأمريكية وخلفياتها الراسخة فى عالم المال والسلطة، فإنّ دراسة فيليبس وثيقة مهمة جدًا لفهم طبيعة العلاقة الغريبة بين العائلات الكبرى والسياسة.. فى أمريكا الديمقراطية! ركائز الشخصية البوشية: لا شك أن شخصية أفراد العائلة البوشية تستمد وتتكون من ركائز ودعائم ثقافية مسبقة تمثل البيئة المحيطة بهذه العائلة فمن تلك الركائز: 1 الثقافة المسيحية البروتستانتية. 2 الثقافة المسيحية الصهيونية والتى يمثلها جدهم الملهم جورج بوش الكاهن. 3 ثقافة المال و الأسرار المصرفية العالمية. 4 ثقافة النفط. 5 ثقافة جمعية «الجمجمة و العظام « وممارساتها الشيطانية. 6 ثقافة المؤامرات واستغلال الفرص والخيانة العظمى. 7 ثقافة الحياة الارستقراطية الفاحشة الثراء. 8 ثقافة صناعة السلاح. وفى القادم وهو الأخير فى سلسلة مقالات الماسونية سوف نتطرق إلى زعماء أمريكا لما بعد بوش الابن وعلاقتهم بالماسونية.