إن أى كيان (تجارى، حكومى، خدمى، دولى...) معرض لمواجهة أزمة يوما ما، فالأزمة يمكن أن تحدث في أية لحظة، لذلك اهتمت الدول بما يسمى (إدارة الأزمات) وهو مصطلح يشير إلى وجود فريق من الخبراء يسعي للحيلولة دون حدوث أزمات، وإدارتها في حال حدوثها بالتعامل العاجل مع متطلباتها والبحث عن طرق للتغلب عليها ومواجهة آثارها المحتملة والتخفيف من نتائجها وخسائرها، والحد من ضغوطاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والعسكرية والتحكم بمساراتها واتجاهاتها وتجنب سلبياتها، مع السعي لإرضاء الجمهور بتقديم معلومات صحيحة ودقيقة عن الأزمة فى الوقت المناسب وعلاجها بشكل سريع. ولقد تعددت وتنوعت المفهومات التى قدمها العلماء والباحثون لتعريف معنى الازمة، فعرفها هاريسونHarrison أنها عبارة عن تغير مفاجئ إلى الأسوأ، وقال موللر Muller أنها حدث غير مرغوب فيه يهدد الوجود المستمر للمنظمة تهديدا خطيرا إن لم يتم التعامل معه، وفى علم الإدارة يرى فورد Ford بأن الأزمة عبارة عن حالة أو موقف يتسم بسمتين أولهما التهديد الخطيرThereat Serious للمصالح والأهداف الجوهرية المرجو تحقيقها، والسمة الثانية هي ضغط الوقت Pressure Time أو الضغط الزمني بمعني أن الوقت المتاح أمام المسئول للبت واتخاذ القرار قبل وقوع الخسائر أو الأضرار المحتملة وتصاعدها وقت ضئيل جدا. باختصار الأزمة هي خلل يؤثر علي وضع الشركة أو المؤسسة أو المنظمة أو الحكومة أو المجتمع، ويهدد الأسس الرئيسية القائم عليها لدرجة أن تصبح الافتراضات والمسلمات التي يؤمن بها أعضاء المجتمع موضعا للشك، أى أن الأزمة في جوهرها تهديد مباشر وصريح لكيان المؤسسة وبقائها واستمرارها. وقد اتفق الباحثون على أن الأزمات تتسم بخصائص عامة، أولها المفاجأة فهي أمر غير متوقع فى أغلب الأحيان يهدد بحدوث خسائر مادية أو بشرية هائلة تؤثر على الاستقرار. كما أنها مربكة تخلق حالة من القلق والتوتر وعدم اليقين، خاصة في ظل نقص المعلومات، الأمر الذي يضاعف من صعوبة اتخاذ القرار، كما تتسم بضيق الوقت المتاح لمواجهتها، فالأحداث تقع وتتصاعد بشكل متسارع وربما حاد، وقد تتعدد الأطراف والقوي المؤثرة في حدوث الأزمة وتطورها، وتتعارض مصالحها، مما يخلق صعوبات جمة في السيطرة علي الموقف وإدارته، سواء كانت صعوبات إدارية أو مادية أو بشرية أو سياسية أو بيئية …الخ ولا شك أن التواصل مع الجمهور المستهدف له أهمية كبرى خلال الأزمات، فهو وسيلة للحصول على معلومات سريعة لتحليلها، ثم تقديم بيانات وافية دقيقة عن الأحداث الجارية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وبالتالى للجمهور فى وقت مناسب للحد من الشائعات والتصدي للدعاية المعادية، وتهدئة الأوساط الاجتماعية والسيطرة على مستجدات الأزمة والحيلولة دون ظهور أية تعقيدات جديدة. ومن الضروري لضمان نجاح عملية الاتصال أن تكون هناك خطة محددة للاتصال ضمن الخطة العامة للتغلب على الأزمة، وذلك بتشكيل فريق متخصص لمواجهة الأزمة عند نشوبها، واختيار الشخص القائم بدور الناطق الرسمي لطرح البيانات الإعلامية والصحفية طيلة فترة الأزمة، تبعا لقاعدة (من يتحدث، ومع من يتحدث، وعن ماذا يتحدث، ومتى يتحدث، وما الفائدة المرجوة من الحديث). ومن الهام جدا عدم تجاهل العاملين في الجهة التي تعاني من أزمة معينة لأنهم بالتأكيد سيخوضون نقاشات مع المحيطين بهم وسيقدم كل منهم شرحا وتفسيرا وإجابات حسب رؤيته وفهمه وأهوائه أيضا!! ولهذا ينبغى إشراك هؤلاء وتحديد أدوارهم في خطة مواجهة الأزمة بما يمنع أى تصريحات فردية، مع شرح مساوئ الإدلاء بأى معلومات من غير المختص بالرد وما قد يؤدى إليه من شائعات مغرضة، وتوجيههم للرجوع إلى المختص عند الحاجة لمعرفة المعلومات المتوافرة والمسموح بتداولها. ومن الجدير بالذكر أن صياغة التصريحات الرسمية تحتاج إلى مختصين متفرغين لمواجهة الأزمة، ويساعدهم مستشارون في المجالات القانونية والإعلامية توخيا للحذر والدقة للوصول إلى الأهداف المرسومة آخذين بعين الاعتبار ضرورات الصراحة والعلنية في التصريحات، وتجنب ما قد يؤدى إلى نشوء نزاعات قانونية قد تثير أزمات قضائية غير متوقعة. فإدارة الأزمات تعنى تحديد المشكلة واستنباط الحلول الملائمة لها بهدف السيطرة على تداعياتها ووضع حد نهائي وفوري لها، الإقلال من الخسائر إلى الحد الأدنى، إعادة الثقة بالمؤسسة المعنية. ومن الملاحظ أن أثناء الاضطرابات والمشاكل الاجتماعية تصبح مهمة الإعلام صعبة، بسبب عدم الاستقرار واضطراب الجمهور وتفشى عدم الثقة مما يخلق حالة من الفوضى العارمة والمتطلبات المتناقضة، فيزداد الوضع تعقيدا، وهذا يفرض اختيار وسيلة اتصال وإعلام جماهيرى مناسبة، كما يجب تجميع المعلومات ومعرفة مدى تجاوب وسائل الإعلام مع موضوع الأزمة، تحليل الصحافة يوميا، جمع وتدقيق وتحليل وتقدير مدى تأثير التصريحات الرسمية وغير الرسمية والشائعات واقتراح أساليب محددة للتعامل معها، وعدم التأخر في رد الفعل. و للتغلب على الأزمة علينا طرح السؤال ماذا سيحدث ؟! حيث ينبغى توقع أسوأ النتائج والأكثر تشاؤما. وعند إصدار بيان لتوضيح الأمور، يجب أن يكون الهدف الأساسى هو بث الطمأنينة وشرح الوضع بدون تهويل ولا تقليل من الحدث، وكلما كان الخطاب واضحا كلما سهلت عملية الإقناع فالجمهور يطلب دائما إجابات واضحة ومحددة. ويراعى عند اختيار فريق إدارة الأزمات أن يكون كل فرد قادرا على التحكم فى انفعاله والحفاظ على هدوئه للتصرف بحكمة واتزان وتعقل، تحديد أدوار ومسئوليات كل منهم، وإعداد مكان مناسب لإدارة الأزمة يحتوي على كل وسائل الاتصال اللازمة، استشارة أشخاص سبق لهم خوض أزمات مشابهة، إعداد تقرير يتضمن نقاط القوة والضعف خلال الأزمة للاستفادة منه لاحقا، إدراك أن السكوت خلال الأزمة يفسح المجال أمام الشائعات والخوف، كما أن المبالغة في الطمأنة من شأنه إرباك الجمهور خصوصا فى حالة التكذيب لذلك لابد من موازنة الأمور قبل مخاطبة الجمهور، وعدم التعليق قبل تكليف المختص (الناطق الرسمى) وعدم إعطاء معلومات غير مؤكدة، ومراعاة تسجيل الأسئلة التي لا يمكن الرد عليها حاليا للرد عليها لاحقا حين توافر معلومات، كما يجب على الناطق الرسمي أن يتعامل مع كل الأسئلة بجدية دون استثناء ودون تكبر، مع تركيز الجهود لاتخاذ قرارات حاسمة وسريعة أما بعد تخطى الأزمة فيجب الانطلاق بسياسة إعلامية جديدة حيث أن الفشل الذي يتحول إلى نجاح يمكن أن يقوي مصداقية الجهة التى تغلبت على أزمتها. باختصار، للاعلام ووسائل الاتصال أهمية كبرى أثناء الأزمات وما بعدها، وينبغى إدراك ذلك وتأهيل العاملين بالحقل الاعلامى وتدريبهم بما يناسب قيمة العمل الاعلامى ودوره فى الحفاظ على استقرار المجتمع.