كشفت حادثة الطائرة الروسية, وقبلها غرق الإسكندرية, عن قصور واضح في مفهوم إدارة الأزمة لدي الدولة, خاصة ما يتعلق بالخطاب الإعلامي الموجه للداخل والخارج علي حد سواء.. لم تستوعب الدولة درس فشلها في التعامل مع أزمة الأمطار وبدا واضحا حجم التخبط والارتباك في الرسالة التي تم تصديرها للمواطنين, عبر إعلام يتحرك دون سياسة تفرضها مراحل إدارة الأزمة, مما ترك الساحة مفتوحة أمام اجتهادات ومزايدات إعلامية, لا تستند إلي معلومات, من المفترض أن تحرص أجهزة الدولة علي توفيرها للإعلاميين, ليضل الإعلام طريقه ويتحول إلي طرف فاعل في تصعيد الأزمة, بدلا من تحجيمها, من خلال القيام بدور ايجابي في توعية المواطنين لتقليل الخسائر, وفي الوقت نفسه مساعدة أجهزة الدولة في القيام بدورها في مواجهة الأزمة في إطار أدوار مرسومة ومحددة في سيناريوهات علم وفن إدارة الأزمات تتزايد فيها أهمية دور الإعلام. كان من المفترض أن تستوعب الحكومة الدرس بعد أزمة أمطار الإسكندرية, وان تكون أولي الدروس المستفادة من هذه الأزمة, وضع خطط وسياسات للتعامل مع الأزمات المستقبلية, إلا أن التعامل مع أزمة جديدة, مختلفة تماما وذات أبعاد أخطر وأشمل, كشف عن أننا لا نتعلم من أخطاء الماضي, وهذا ما حدث في تعاملنا مع أزمة سقوط الطائرة الروسية, لم نبادر بتشكيل لجنة لإدارة الأزمة يكون لها متحدث إعلامي قادر علي مخاطبة الرأي العام الداخلي والعالمي, يمتلك عنصر المبادرة في الطرح وعرض المعلومات. في علم إدارة الأزمات هناك إجراءات معروفة ومحددة للتعامل مع الإعلام حتي تتحقق عناصر الخطة الإعلامية, التي تعد من أهم مقومات إدارة الأزمات, من بينها تلبية احتياجات أجهزة الإعلام التي تحتاج الي معرفة الحقائق بسرعة ودقة ووضوح والإعلان عن الحقائق وتطورات الموقف بصورة واضحة لا تقبل الالتباس حتي لا يحدث تحريف فيها.. توخي الأمانة والصدق في نقل المعلومات, وتوضيح أسباب حدوث الأخطاء لأن إنكارها ومعرفة الإعلام بها من جهات أخري يمكن أن يؤدي إلي موقف مغاير من جانب الإعلام في تغطية الأزمة.. عدم اتخاذ موقف الدفاع والإجابة علي التساؤلات بثقة ومصداقية. وفي كل مرحلة من مراحل الأزمة لابد من إعداد تقرير إعلامي يتناول جميع عناصر الأزمة وتأثيرها, خاصة ما يتعلق بالجمهور والرأي العام, ويجب العمل علي توفير المصداقية مع الجمهور والتي تعتمد علي احترام ذكائه وعدم الاستهانة بقدراته علي التمييز, وعلي التعرف علي النغمة الصحيحة لمخاطبة الرأي العام, دون إثارة مبالغ فيها للمشاعر والتي ينبغي أن يكون هناك قدر كاف من المعرفة بها من جانب المسئولين بالإعلام. هكذا يكون دور الإعلام في إدارة الأزمات, وهو دور يتطلب أن تدرك أجهزة الدولة المختلفة أهميته, بمعني أنها يجب أن تجعله شريكا معها في التعامل مع الأزمة منذ بدايتها, بتوفير المعلومات وشرح الحقائق وعرض ما نحتاج إلي توصيله للرأي العام, في الداخل والخارج, في إطار سياسة إعلامية شاملة لإدارة الأزمة. عندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن الإعلام في الندوة التثقيفية التي نظمتها القوات المسلحة الأسبوع الماضي, جري تفسير حديثه علي انه لا يرحب بالنقد الإعلامي, وتصور البعض أن الرئيس يطلب من الإعلام أن يتوقف عن رصد السلبيات, ويتحدث فقط عن الايجابيات, والحقيقة أن هذا التفسير مغاير تماما لما يطلبه الرئيس, فهو يرحب بالنقد الموضوعي, ويتطلع إلي دور إيجابي للإعلام, كشريك مسئول ومؤثر وفاعل, إلا أن هذه الشراكة تحتاج إلي أن تدرك أجهزة الدولة متطلباتها وأهميتها, حتي تؤتي ثمارها, وهو ما كشفت الأزمات الأخيرة عن غيابه, ولكن يبقي الأمل في أن نتعلم من الدروس المستفادة من أخطاء الماضي.