أنشغل الرأى العام خلال الأيام القليلة الماضية بواقعة الطفل محفوظ والمذيعة البورسعيدية، أو ماسمى إعلاميا ب«أطفال التهريب»، والحقيقة أن هذه القضية، قد وضعت ايدينا على جرح غائر، نحاول كثيرا التغاضى عن آلامه، ولكن الالم من شدته ينفجر فى لحظة مباغتة، ليذكرنا بواقع لايمكن تناسيه،فالصعيد الذى يئن تحت وطأة كثير من المشكلات وخاصة نسبة الفقر التى تزيد على ال50% مازلنا نتحدث عنه وكأنه فى بلد آخر، وبالرغم من كل المبادرات التى تدشن فى هذا الاتجاه،الا ان الحال ظل كما هو . بداية يجب التأكيد على أن مافعله «أطفال التهريب»، هو سلوك لايبرره اى شىء، لأن السرقة لها معنى واحد فقط، وان من تجرأ على الصغيرة، تجرأ على الكبيرة فى يوم من الايام، وبالتالى فان المتعاطفين معه، والذين يجدون الكثير من المبررات لفعلته ويطالبون بالافراج عنه،انما يفعلون ذلك فى اعتقادى بمنطق التعاطف الانسانى ليس الا،والقليلون فقط هم من يبررون فعل السرقة فى حد ذاته. الرسائل التى يحملها كلام «محفوظ» كثيرة وموجعة، وجميعها هزت كيان المجتمع وأوجعت قلبه،فالطفل الذى تحدث بجرأة، لا يستطيع أحد ان يتحدث بها، خاصة وهو مدان، نبه الى ان هناك من يعيش تحت خط الفقر، ويعتمد على ابن صغير يجتهد، فيصيب ويخطئ، حتى يوفر لقمة العيش لوالدين ربما مريضين أو عاجزين، أو ضاقت بهما سبل الحياة، وأخوات بنات، هن فى عرف الصعيد «عرض» لايجب أن يهان، وبالتالى لا تعملن مادام هناك «راجل» فى البيت، وهو ماردده كثيرا محفوظ اثناء حوار المذيعة. قال لى أحد نواب أسيوط: إن الفقر فى محافظته فاق كل التصورات، ويكفى ان محافظته من ضمن اعلى المحافظات التى يستهدفها برنامج تكافل وكرامة، حيث فرص العمل قليلة للغاية، كما ان فرص الكسب المادى شحيحة بالطبع، ونفس الامر ينطبق على محافظاتقنا وسوهاج واسوان، وبالتالى فان هناك هجرة دائمة من تلك المحافظات للمحافظات الاخرى سعيا وراء لقمة عيش تقيهم وأسرهم شر «العوز». عكس الحوار ايضا تدنيًا ملحوظًا فى مستوى من يمسكون بالميكروفون،ويظهرون على الشاشات، فالمذيعة بدلا من ان تكون محاورة وفقط ولايجب ان تدلى برأيها،تقمصت دور، «أبلة الناظرة» وظلت تردد على مسامع الاطفال، جملة «اشتغلوا عمل شريف فى النظافة أو الاستثمار» وهو ماوضعها فى حرج بالغ عندما أفحمها الطفل الجرىء بجملته الموجعة «انتى ماحساش بالناس». ايضا فإن أباطرة الفساد ووقائع التهريب الكبرى فى الجمارك والتى يسيطر عليها مجموعة من الفاسدين،كانت هى الاخرى ناقوس خطرللمسئولين، الذين يتبعون الجرائم الصغيرة ويتغافلون عن الكبري، مع انهم فى الحقيقة يجب ان تكون اعينهم ساهرة حتى لا تمر «نملة» من احد المنافذ. كل الرسائل التى حملتها الواقعة رسائل «موجعة» وتحتاج منا الكثير والكثير من الجهد والعمل لتنمية الصعيد، وأن يكون ذلك اولوية وهدفًا وخطة عمل لحكومتنا الجديدة، لاننا من غير المعقول ان نتعامل مع جزء من الوطن بكل هذا القدر من «التجاهل».