في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني.. حوكم الزعيم محمد فريد وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر لأنه كتب العدد 797 - السنة ال - الخميس 30/8/2012 مقدمة ديوان 'وطنيتي' للشاعر علي الغاياتي الذي سجن 'الغاياتي' بسببه بتهمة 'العيب في الذات الخديوية' وفي السجن زار المندوب السامي البريطاني محمد فريد وعرض عليه أن يكتب 'استعطافاً' للخديوي كي يفرج عنه لكن محمد فريد طرده من زنزانته وقضي مدة عقوبته وخرج عالي القامة.. ناصع الوطنية، ودمغ بموقفه الخديوي 'بالاستبداد' والانصياع لأوامر الإنجليز.. وفي أوج ازدهار ما يسمي بالليبرالية الملكية وفي ظل دستور '23' الذي يتباكي عليه الليبراليون الجدد حوكم 'العقاد' وحكم عليه بالسجن تسعة أشهر بتهمة 'العيب في الذات الملكية' لأنه انتقد 'استبداد' الملك فؤاد.. ونفذ العقاد الحكم في سجن الاجانب ورفض شأنه شأن محمد فريد تقديم 'استعطاف' للملك كي يفرج عنه وخرج من محبسه مرتفع الهامة والقيمة.. وفي عهد فاروق أعتقل الكثيرون بنفس التهمة، من بينهم عبد الهادي الجزار الذي سجن بسبب لوحة 'الجوع' التي تتهم الملك بتجويع الشعب، كما سجن أحمد حسين وفتحي رضوان في سجن الاجانب بنفس التهمة، وأفرج جمال عبد الناصر عنهما فور قيام الثورة.. واختفي هذا القانون ليظهر أيام السادات الذي حاول تكريس المجتمع 'الأبوي' وتسييد ما أسماه بأخلاق القرية واعتقل بموجبه معارضيه من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار واستخدم 'مبارك' نفس القانون مع العديد من المعارضين كان آخرهم 'إبراهيم عيسي' الذي اتهم بتهمة إهانة رئيس الجمهورية. .. تذكرت هذا التاريخ 'المظلم' من تاريخ ثقافة 'العيب' وأنا أتابع القضايا المتهم فيها زملاؤنا عادل حمودة، وعبد الحليم قنديل، وإسلام عفيفي والذي هو ليس أخاً لكاتب هذه السطور!!'. واكتشفت أن الحكومات الاستبدادية عبر العصور تحاول تكريس قيم المجتمع 'الأبوي العشائري' التي تقوم علي فكرة 'تقديس' الكبير وطاعته طاعة مطلقة، وتحويل الشعب إلي رعية مطيعة وعدم السماح بإنتقاد هذا 'الكبير' لأن مجرد انتقاده 'عيب' ورغم محاولات مفكري 'الاستبداد' لتزيين هذا النوع من الثقافة إلا أنه يظل قانونا إستبدادياً بجدارة فهم يقولون مثلاً 'للحرية حدود' والنقد لابد أن يتم 'بأدب' أو أن هذا الأسلوب لا يليق ب 'مكانة' الرئيس.. كل هذا المكياج لا يغير الحقيقة.. لأن أفكار 'المكانة' و'الهيبة' و'العيب' تصب في خانة المجتمع 'الأبوي العشائري' وليس في خانة المجتمع الديمقراطي الحديث بل هو إعادة انتاج لمجتمع الاستبداد الذي قامت الثورة من أجل تغييره.. وبناء مجتمع 'المواطنة' فالمصريون مواطنون وليسوا 'رعايا' والحاكم مواطن يختاره الناس مدير شئونهم وليس 'مقدساً' أو مفوضاً من السماءلذلك كله فإن إعادة تفعيل قوانين 'العيب' ليست إلا ردة عن مبادئ 25 يناير التي يدعي النظام الحالي أنه جاء لتطبيقها. ياسادة الحرية لا تتجزأ، ولا أحد فوق النقد، ولا قدسية لأي مواطن فكلنا أمام القانون سواء من رئيس الجمهورية حتي بائع الفجل، ورغم أنني أدين السباب والشتائم ومع النقد الجذري الموضوعي إلا أن القوانين التي وضعتها الأنظمة الاستبدادية والتي مازالت قائمة قوانين 'مطاطة' ويمكن تغييرها علي ألف وجه فلابد من تغيير هذه القوانين سيئة السمعه أولاً.. وإلي أن تتغير هذه القوانين، لابد أن نتكاتف جميعاً ضد تفعيلها وضد تفعيل ثقافة العيب العشائرية التي هي ضد المواطنة فملاحقة أصحاب الرأي بهذه القوانين سيئة السمعة ينذر بشرور كثيرة تصب في خانة الاستبداد ولا بد أن نقف ضد هذا الشر بقوة.. لأنه ردة عن الثورة.. وردة عن مجتمع المواطنة.. وردة عن الديمقراطية التي أوصلت السيد الرئيس إلي كرسي الرئاسة.. فهل نفعل؟! أتمني!!!