"كل عام وسيدات مصر و"الأسبوع" بخير بمناسبة اليوم العالمى للمرأة، الزميلة سلوى علوان رئيس تحرير العدد القادم" كانت هذه الرسالة التى كتبها الأستاذ محمود بكرى على جروب الواتس الخاص بصحفيى «الأسبوع»، عبارة اجترت ذكريات خمسة وعشرين عامًا تقريبًا عشتها فى بلاط صاحبة الجلالة، منذ أن خطت قدماى جريدة العربى الناصرى عام 1993، وكان وقتها الأستاذ مصطفى بكرى رئيسًا لقسم الأخبار، حينما دخلت عليه القسم أول مرة وجدته مجتمعًا بعدد من الزملاء وكان استقباله «صعيديًا» كريمًا، مرحبًا بحفاوة أبناء البلد، خضنا تجربة العربى الناصرى معًا، ومنها دعانى الأستاذ «مصطفى» لتجربة جديدة سيبدأ بها هى جريدة «الأحرار اليومي» كانت تجربة أن تولد صحيفة جديدة على يدى وأنا التى أخطو أولى خطواتى فى بلاط صاحبة الجلالة لها مذاق خاص متفرد ما زلت أجتر حلاوته حتى اليوم رغم مرور كل هذه الأعوام الكثيرة، لحظة ميلاد «الأحرار» وخروج النسخة الأولى منها من المطبعة ووصولها إلى أيدينا بينما كنا ننتظرها كوليد من لحم ودم، كانت لحظة مفرحة إلى حد البكاء، وكانت سعادتنا نحن شباب الصحفيين بالجريدة آنذاك لا توصف فى عبارات ولا كلما، إنها ميلادنا الأول فى عالم الصحافة الذى تنبض به قلوبنا ويسرى فى دمنا مثل جيناتنا الفرعونية الممتدة عبر آلاف السنين. وظللت فى «الأحرار» أتنقل فى عالمى بين «هموم الناس» الذين أسعى لمساعدتهم من خلال رسالة إنسانية قبل أن تكون مهنية حملتها على عاتقى -وسمحت لى جريدتى أن أديرها كما أشاء- وبين سبق صحفى وانفراد كان يأتى بمثابة حجر جديد نضعه ليعلو البناء الذى وضعنا لبنته الأولى معًا، الأحرار، لم أكن أسعى لبناء اسم شخصى قدر ما كنت وزملائى نجتهد لبناء وطن مثالى اسمه «مصر»
ثم، انتقلت للعمل فى جريدة الأسبوع، وكانت أول صحيفة مصرية مستقلة، تجربة فريدة من نوعها، انطلقت مثل دانة مدفع فى وجه كل ما هو فاسد وسيئ وردىء، أكثر من عشرين عامًا مرت على عملى فى الأسبوع منذ نشأتها، لم يقل لى يومًا أحد انشرى كذا أو لا تنشرى كذا، ابتعدى عن هذه القضية أو تابعى هذه لمصلحة غامضة أو شخصية، كنت حرة فى كل ما أتبناه أو أكتبه، كنت فى وطنى الصغير وهو بالفعل صورة مصغرة من «مصر» بأوجاعها وأفراحها، بانكساراتها وانتصاراتها.. ومرت الأعوام تحمل بين طياتها الكثير الكثير من الأحداث، تحقيقات وأخبارا وتقارير وقضايا ومشكلات وطن، أناس كثر حملنا على عاتقنا مسئولية الحفاظ على مستقبلهم وبيوتهم وحياتهم ليس من منطلق مهنى فقط وإنما من منطلق إنسانى ووطنى بالدرجة الأولى، مررنا بالكثير من الأزمات التى تجعل أى ميزان بقاء واستمرار يختل، لكننا بقينا، مررنا بالكثير من الأفراح التى عشناها كأسرة وعائلة وإخوة، حضرنا أعراس بعضنا، ومشينا فى جنازات بعض منا، وبكينا وضحكنا وغضبنا وثرنا والتزمنا وتمردنا لكننا فى النهاية لم نخن ضمير مهنتنا ولا علاقاتنا الإنسانية.. تركنا زملاء وانطلقوا فى حياتهم يحققون نجاحات ويبنون تجارب جديدة جميعها ناجحة فى أماكن أخرى كان مسقط رأسها «مدرسة الأسبوع» ورحل عنا زملاء جمعتنا بهم عِشرة «عيش وملح» على مدى أعوام كثيرة وما بقيت منهم فى الحياة سوى ذكراهم الطيبة، وأتى زملاء جدد جيل جديد من الشباب جاء يخطو خطواته الأولى فى عالم الصحافة من هنا، من نفس المكان، لكن شيئًا متفردًا لم يتكرر لا هنا مع الجيل الجديد ولا فى أى مكان آخر، شىء عاشه جيلنا منذ التسعينيات ومنذ البدايات، شيء لا تستطيع أن تعبر عنه فى كلمات لأن الكلام سيختزل طهر المشاعر ونقاء البدايات، شىءٌ مهما بلغ وصفه لن يوفى التجربة حقها، كل ما أستطيع قوله أن جيلى عاش تجربة مختلفة كان فيها من المشاعر الإنسانية والمبادئ الوطنية ما هو أعظم، وأرقى، وأنبل وأكثر إخلاصًا وصدقًا وايثارًا.. هكذا أرى.. قد نتفق أو نختلف، نقبل أو نرفض، تقترب المسافات أو تبتعد، لكن هناك ثوابت أساسية بيننا لا تتغير أبدًا، ثوابت وطنية وإنسانية ومهنية، وذكريات كثيرة جدًا جمعتنا ما بين فرح وألم، ضحك وبكاء، ما بين هزيمة وانتصار، لكن «الأسبوع» فى النهاية تجربة لم ولن تتكرر.. ربما نتوه، نغترب، نغضب من أوطاننا ونسعى لهجرها لكننا فى النهاية ندرك أنها تسكننا وتسكن فينا ولا مفر من عشقها. قالت لى الأسبوع على طريقتها «كل عام وأنت بخير فى يوم المرأة العالمي» بمنحى شرف رئاسة تحرير هذا العدد، وأقول ل «الأسبوع» عشت بين صفحاتك وعلى أرضك أكثر من نصف عمرى، قضيت بين زملائى وقتًا لم يمنحه لى الزمن لقضاء مثله مع أقرب الناس لى دمًا.. فشكرًا كثيرًا على كل ما عشته معك وفيك.. كل عام ووطن صغير اسمه «الأسبوع» بخير، كل عام ووطن كبير «اسمه «مصر» بكل ما فيها ومن فيها بكل التميز والخير.