بد أ الايطاليون اليوم الأحد 4 مارس 2018 خوض انتخاباتهم التشريعية ومن ثم سلطة تنفيذية جديدة ويختار الناخبون في العملية التي تستمر إلى حدود الساعة الحادية عشرة مساء ، 630 نائباً و315 عضواً في مجلس الشيوخ، غير أن تعقيد النظام الانتخابي الجديد في ايطاليا، سيتعين الانتظار إلى حدود ساعات متأخرة لمعرفة تشكيلة البرلمان المقبل ، وتأتى هذه الانتخابات فى أعقاب انتخابات 2017 التي خيمت عليها مظاهر الالتباس والتضارب ، وتحمل تلك الانتخابات هذه المرة متغيرات عدة ومعطيات جديدة في المشهد السياسي، من أبرزها ترشح ماثيو رينزي زعيم الحزب الديمقراطي لمجلس الشيوخ، والعودة القوية لبرلوسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق إلى الساحة السياسية بعد أن خرج منها من باب قرار منعه من الترشيح بسبب صدور حكم نهائي ضده في قضية التهرب الضريبي ،فى الوقت الذي يخشى فيه الإيطاليون من تنامي التطلعات القومية والفكر العنصري وأن تقود هذه الانتخابات الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى دواليب السلطة، فما يقلق معظم الإيطاليين والأجانب هو ظهور الأحزاب الشعبية ، والبيانات العنصرية التي تحث علي الكراهية و التخويف من الأجانب والمهاجرين فى الوقت الذي عرفت فيه ايطاليا بالترحيب والانفتاح بحضارتها وثقافتها علي الآخر . ومن الأحزاب القوية التي تدخل الانتخابات الايطالية طامحة فى حصد العدد الأوفر من المقاعد حزب إيطاليا إلى الأمام الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برليسكوني، ويدعو إلى إبعاد 600 ألف مهاجر من البلاد ووضع سياسة حدودية صارمة، حيث وصف المهاجرين بالقنبلة الاجتماعية ويؤيد وجود عملة موازية للاستخدام المحلي بجانب اليورو، كما يدعم تطبيق نظام الضريبة الثابتة، ثم حزب رابطة الشمال وزعيمه ماتيو سالفيني ويسعى للتحالف مع الأحزاب المعارضة للهجرة، ومعروف بنزعته العنصرية وكرهه للإسلام ويتطلع لفصل منطقة بادانيا بشمال إيطاليا وقد يخسر الحزب العديد من مؤيديه، بعد حادث إطلاق النار على عدد من اللاجئين، والذي ارتكبه أحد أعضاء الحزب فبراير الماضي ، ويأتي حزب النجوم الخمسة الذي أسسه الكوميديان السابق بيبي جريللو الذي كان يدعو لعقد استفتاء على بقاء إيطاليا في الاتحاد الأوروبي، إلا أن القائد الجديد للحزب لويجي دي مايو البالغ من العمر 31 عامًا تراجع عن تلك الخطوة، وسعى القائد الأقل تحفظًا من جريللو إلى التقرب من الكنيسة، ودعا لشن حملة على الفساد والبيروقراطية، وتخفيض الضرائب على الشركات، وتحديد 780 يورو شهريًا حدا أدنى للدخل للإيطاليين وقد أعلنت حركة خمس نجوم الإيطالية لأنصارها أنها على وشك الفوز في الانتخابات البرلمانية وذلك في ختام الحملة الانتخابية في الوقت الذي يشعر فيه المنافسون الرئيسيون بقلق من شعبية تلك الحركة المناهضة للمؤسسات ،وتقوم تلك الانتخابات على قانون جديد يدعي "روزاتيلوم" تم إقراراه في شهر أكتوبر الماضي والذي اعترضت عليه حركة الخمس نجوم في حين أيده الأحزاب الأخرى والذي يشترط حصول أحد المرشحين على 37% من الأصوات ليؤهل للحكم مباشرة وإلا سيتم اختيار رئيسا للوزراء بعد عقد اتفاقا بين الأحزاب كما حدث عام 2013. وتتوقع استطلاعات للرأي أن تسفر الانتخابات البرلمانية عن برلمان معلق سيكون تحالف جماعات يمين الوسط الذي يرأسه برلسكوني أكبر تكتل فيه كما ستكون حركة خمس نجوم أكبر حزب بمفرده فيه ، ولياتي الحزب الديمقراطي الحاكم باحتلال المركز الثالث.
وقد أشارت أواخر استطلاعات للرأي إلي تحالف اليمين واليمين المتطرف في المركز الأول مع 37% من نوايا التصويت (من بينها 17% لفورتسا ايطاليا، حزب برلوسكوني و13% للرابطة ،وتأتي حركة خمس نجوم في المركز الثاني مع 28% من نوايا التصويت، يليها تحالف اليسار الوسطي مع نسبة 27% (من بينها 23% لحزب رينزي الديمقراطي إضافة إلى حركة أحرار ومتساوون" اليسارية مع 6%، وبحسب إفادة الخبراء والمحللون فإن عتبة الحصول على أغلبية المقاعد هي 40 إلى 45% بموجب النظام الانتخابي الجديد الذي يمزج بين النسبي والاكثري.وإن كان تحالف اليمين واليمين المتطرف ما زال يواجه تحديا مشتركا هو الحصول على غالبية مطلقة في مجلسي البرلمان، وهو ما يعد في غاية الصعوبة نظرا إلى النظام الانتخابي الإيطالي الذي يمزج ما بين النسبية والغالبية، فهو يواجه كذلك عقبة أخرى هي التنافس بين الأحزاب الثلاثة. إن وأما عن الاتحاد الأوروبي فانه يرى إيطاليا وفق ما يحب أن يراه هو متجاهلا الفساد ومحتضنا برلسكونى باعتباره الرجل المنوط به إنقاذ الاتحاد من الشعبوية ،هذا فى الوقت الذي يأمل فيه الناخب الايطالي بوجود حلول لمشكلات جوهرية تهدد الحاضر ارتفاع معدل البطالة وارتفاع الدين العام حيث لا يزال النمو ضعيفا ومشكلة الهجرة وعصابات الجريمة المنظمة (المافيا) وصعود الفاشية وخطر العنف السياسي، أو الخطر الذي تمثله الشعبوية على الديمقراطية الإيطالية والاتحاد الأوروبي؛ وهى قصص وإن كانت فى مجملها صحيحة إلا أنها اتسمت بالمبالغة فى تصوير الواقع السياسي الإيطالي ،وتري بعض التحليلات السياسية الإعلامية بان أن الرأي القائل بأن تيار الفاشية الجديدة يمثل تهديدا للديمقراطية الإيطالية متخوفا من إعادتها إنتاج أفكار موسوليني يعتبر رأيا ضعيفا لبعض الأسباب منها كون الحركة الممثلة للتيار حركة الخمس نجوم من الصغر بمكان لإحداث تأثير جماهيري على أرض الواقع والسبب والأكثر أهمية يكمن فى أن أفكار موسولينى لم تكن أبدا غائبة عن المشهد السياسي فى البلاد؛ إذ أن الحركة الاجتماعية الإيطالية، يتم تمثيلها فى البرلمان الإيطالي منذ عام 1948 وذلك قبل أن يتم تحويلها للتحالف الوطني لتصبح منذ ذلك الحين لاعبا أساسيا فى المشهد السياسي فى إيطاليا.