أسفرت نتائج الانتخابات البلدية التى أجريت فى إيطاليا الأسبوع الماضى عن مفاجأه غير متوقعة أربكت الساحة السياسية الإيطالية ووضعت رئيس الوزراء الإيطالى ماتيو رينزى فى امتحان صعب. فقد تصدرت فيرجينيا راجى مرشحة حركة "النجوم الخمس" التى تعارض الأحزاب التقليدية وتتمرد على كل مؤسسات الدولة بمختلف تياراتها سواء اليمين أو اليسار الجولة الأولى من الانتخابات البلدية فى السباق الأهم الذى جرى فى العاصمة روما, وحصلت على 36% من أصوات الناخبين فى روما, متقدمة على روبيرتو جياشيتى مرشح الحزب الديمقراطى – يسار الوسط - الذى يتزعمه رئيس الوزراء رينزي، والذى حصل على 24% فقط من الأصوات. وحصلت جيورجيا ميلونى – من تيار اليمين - المدعومة من حزب "رابطة الشمال" الشعبوى والمعارض لاستقبال المهاجرين على 19,5%. ونظرا لعدم حصول أى من المرشحين على 50% من الأصوات, فمن المقرر أن تقام جولة إعادة بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، وهم : فيرجينيا راجى وروبيرتو جياشيتي، فى 19 يونيو الجاري، لحسم السباق. وكانت حركة ال"5 نجوم" قد ظهرت كحركة سياسية فى إيطاليا عام 2009 على يد كل من جوزيبى جريللو الكوميدى والناشط المدون فى المجال العام، وجيان روبرتو كازالدجيو المستشار فى استراتيجيات الإنترنت، وتتبع الحركة سياسات شعبوية معادية للفساد ومناصرة للبيئة ومتحفظة جزئيا على سياسات التكامل الأوروبي، وتدعم الحركة أيضا الديمقراطية التشاركية والديمقراطية المباشرة والديمقراطية الإليكترونية والوصول المجانى للإنترنت ومباديء السياسات غير المكلفة وسياسات تراجع النمو. وجاءت الحركة بمجموعة من الأهداف، أهمها "المياه ملك عام"، و"رفض المشروعات المكلفة والملوثة"، و"استغلال النفايات"، و"شبكة الإنترنت مجانا"، و"منع ترشيح المدانين فى البرلمان ومنع ترشيح البرلمانيين لأكثر من عشر سنوات"، وغيرها من المقترحات لصالح العدالة الاجتماعية والبيئة. ويتضمن برنامج حركة "النجوم الخمسة" عناصر من السياسات الليبرالية الأمريكية والسياسات اليمينية الشعبوية، ويؤكد أعضاء الحركة على أنه ليس حزبا تقليديا كباقى الأحزاب السياسية بل "حركة"، ولا يمكن تصنيفه فى تصنيفات الاتجاه السياسى اليمينية أو اليسارية لأنه يخالفهم، فهو تيار مستقل، واختار مؤسسوه اسم "الخمس نجوم" فى إشارة إلى خمس قضايا رئيسية يؤمنون بها هى : المياه العامة والنقل المستدام والتطوير ووسائل الاتصال وحماية البيئة. أما فيرجينيا راجى فهى محامية تبلغ من العمر 37 عاما، وهى الشخصية التى دفعت بها الحركة لخوض الانتخابات البلدية، وإذا حققت الفوز فى الجولة الثانية من الانتخابات، فستكون أول رئيس بلدية "امرأة" لمدينة روما, أكبر مدن إيطاليا وأكثرها تأثيرا على الساحة السياسية. انتخاب راجى يعنى أن الشعب الإيطالى لم يعد يؤمن بالوعود الانتخابية التقليدية، بل بدأ يشك فى مصداقية الأحزاب السياسية التقليدية ويتطلع إلى حركة سياسية جديدة تقدم مشروعا سياسيا جديا وشفافا. نجاح راجى فى الجولة الأولى من الانتخابات هو بمثابة ضربة عقابية قاسية لحكومة رينزى وسياسات الحزب الديمقراطى التى أثبتت فشلها. فحكومة رينزى تعانى من أزمات مالية واقتصاد متعثر وارتفاع حاد فى معدلات الهجرة, فضلا عن فضائح أخرى وقضايا دولية تسببت فى تراجع شعبية رينزى وحكومته. كما تأتى نتائج هذه الانتخابات قبل استفتاء من المقرر أن يجرى فى أكتوبر المقبل على إصلاحات دستورية دعا إليها رينزى لتقليص صلاحيات مجلس الشيوخ، وسيشكل هذا الاستفتاء اختبارا حاسما لرينزى قد يعنى نهاية مستقبله السياسى بعد أن تعهد باعتزاله السياسة إذا رفض الناخبون التعديلات المقترحة. كما يمثل صعود حركة "النجوم الخمس" ضربة قاسية لسيلفيو بيرلسكونى رئيس الوزراء الأسبق وقطب الإعلام، حيث نال حزبه "فورزا إيطاليا" هزيمة مدوية، وحصل مرشح اليمين التقليدي، ألفيو مارشيني، المدعوم من بيرلسكونى على 11% فقط من الأصوات. الانتخابات البلدية الإيطالية قطعا ما هى إلا صورة مصغرة تعكس ما سيحدث فى الانتخابات العامة المقرر إجراؤها فى إيطاليا فى 2018. وبالطبع، إذا نجحت الانتخابات البلدية فى وضع إيطاليا على شفا حقبة سياسية جديدة، فسينعكس ذلك على ملامح الحكومة الإيطالية المقبلة فى 2018. فهل تحسم الجولة الثانية من الانتخابات البلدية فى 19 يونيو الأمور لصالح "النجوم الخمس" وتكون هذه هى الخطوة الأولى لصعود تيار سياسى غير تقليدى على الساحة الإيطالية نجح فى أن يفقد الأحزاب التقليدية جاذبيتها؟ وإذا حدث هذا، فهل سيقتصر الوضع على إيطاليا، أم سيروج ذلك لصعود تيارات شعبوية مشابهة فى دول أوروبية أخرى، ويصل الأمر إلى تغيير ملامح السياسة الأوروبية كلها فى المستقبل؟