كلما مشيت فى شوارعنا وشاهدت كميات المياه المهدرة من خراطيم المياه التى يمسك بها البعض بدون وعى لغسل السيارات ورى الأشجار، وغسل مداخل وسلالم العمارات، تذكرت نهى رسول الله عن عدم الإسراف فى استخدام المياه فى الوضوء حتى ولو كنا على نهر جارٍ، واستشعرت أن كل ما تلوكه الألسنة فى الإعلام حول سد النهضة وتأثيره على حصة مصر من مياه النيل، ما هو إلا حرث فى بحر، لم يؤثر فى الناس قيد أنملة. الإسراف فى استخدام المياه يكاد تكون عادة لدى المصريين، فهم بالطبع اعتادوا على أن المياه كثيرة، والنيل يجرى، لم تواجههم يومًا مشكلة نقص مياه الشرب، أو ملوحة المياه، أو انقطاعها، كما يحدث فى بلدان أخرى شقيقة يضطر فيها مواطنوها، لشراء مياه الشرب والطهى فى زجاجات معدة لذلك، ولا تستخدم مياه الصنابير إلا فى أغراض التنظيف، وبالتالى أسرف المصريون فى استخدام المياه، حتى أصبحت مياه الشرب تستخدم فى كل الأغراض. وفى ملف المياه تواجه مصر وفقًا لما قاله الدكتور ضياء القوصى مستشار وزير الرى وخبير التغيرات المناخية خطرين هما: خطر الزيادة السكانية، حيث تستهلك مياه الشرب من 10 إلى 11 مليار متر مكعب من حصة مصر من مياه النيل، ونحتاج يوميًا إلى إنتاج 31 مليون متر مكعب من مياه الشرب، إضافة إلى الخطر الثانى وهو سد النهضة، والذى نؤكد فيه على ألا تنقص حصتنا من المياه بسببه، بمقدار متر مكعب واحد. الدكتور القوصى أسهب كثيرًا فى الحديث عن الإسراف فى استخدام المياه النظيفة، ولكنه ذكر جملة أوجز فيها كل الحديث، حين تساءل: «هل يعقل أن تكون مياه الشرب هى نفس المياه التى يتم استخدامها فى «السيفون»، ثم أردف قائلًا: الأردن نجحت فى استخدام المياه «الرمادية» ونحن مازلنا نحاول. والمياه الرمادية هى المياه التى تتم معالجتها ويعاد استخدامها مرة أخرى، نفس التحذير من نقص المياه بسبب التغيرات المناخية، أكد عليه الدكتور مجدى عبدالوهاب أستاذ الأرصاد الجوية خلال حلقة العمل حول رفع الوعى بالتغيرات المناخية للإعلاميين والصحفيين التى أقيمت فى الفترة من 26 إلى 30 نوفمبر الماضى، بالتعاون مع وزير البيئة الدكتور خالد فهمى، ومشروع بناء القدرات لخفض الانبعاثات والذى يشرف عليه الدكتور سمير طنطاوى، ومع جمعية كتاب البيئة برئاسة المتخصص فى الصحافة البيئية خالد مبارك. الدكتور عبد الوهاب حذر أيضًا من البخر الذى يحدث أثناء فصل الصيف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وهذه الظاهرة ستتسبب فى فقدان 16 مليار متر مكعب من المياه بعد 13 سنة، ذلك لأن مناخ مصر هو مناخ قارى، حيث يتم فقد المياه نتيجة البخر، إذ لم يتم التدخل لمواجهة آثار هذه الظواهر. قضية المياه قضية حيوية تتطلب تضافر كل الجهود لمواجهة آثار التغيرات المناخية من جهة، ومن جهة أخرى التوعية بخطورة الإسراف فى استخدام المياه، لأننا شئنا أم أبينا علينا التحرك وبسرعة قبل أن نواجه شبح «الشح المائى»...