قد يحتار القارئ بين أمور يطرحها المقال، وأرجو ألا يقف بجانب رأي بعينه، بل علي مسافة قريبة من كل الآراء عسي أن يكون واحد منها هو الأقرب لواقع الحدث، أو يشترك رأيان في اسدال ستار علي ما غم تبيانه عنا، أو تكون النهاية معهم مجتمعين أقرب إلي استجلاء ما وراء الكارثة.. كل ما دار في هذا المقال كان مناقشة تليفونية، بيني وبين الصديق المثقف فؤاد صالح حول مجزرة بورسعيد، والرجل يمتاز بشعور رقيق، تسمع وأنت تناقشه في هم الوطن دقات قلب طفل في صدره يختنق بالعبرات رغم أن مهنته مغالبة الصعاب فهو من قادة جيشنا المصري العظيم، ومن أبطال حروبنا مع العدو الإسرائيلي.. دار حديث المجزرة في البداية عنيفا من ناحيته، لكنه العنف المغلف بالانسانية الباحث عن الحق دائما. تحاورنا عن بورسعيد وأهلها، رجالا ونساء.. أطفالا وصبية.. فدائيين وشعراء وفنانين، وكيف اجتازت المدينة الباسلة الكثير من المحن.. أشد ما آلمه خروج بعض الآراء تلصق بهم، بعضا من سعار مجزرة كرة القدم، وكنت أشاركه الرأي، لما أحمل في صدري لهم من تقدير وإعزاز واحترام، لما قدموه من فداء لتراب هذا الوطن.. بورسعيد مدينة ظالمة ومظلومة.. ظالمة حيث عاني ظلم بوابات أجهزتها الجمركية كل قادم إليها من أبناء البسطاء.. مظلومة برأسمالية مغامرة غير مسئولة،غزتها بعد الانفتاح المشئوم، وشاركت بقدر كبير في سوءاته.. حولوا بورسعيد الباسلة، بهذه النقلة الاستهلاكية الانفتاحية، وشباب الفدائيين والنابهين، ممن تنتظرهم مصر ليقودوا دورها النهضوي الحديث، الي باعة جائلين، بدلا من أن يكونوا نواة لأيدي عاملة مدربة لمدينة صناعية، كل ما فيها يؤهلها لهذا الدور الصناعي الكبير.. وكان الأجدر تصحيح المسار، وتوجيه رؤوس الأموال إلي التصنيع والتصدير، وإعادة العمل بشركات ومصانع صيد الأسماك وتعليبها وتصديرها، وتطوير بحيراتها، بدلا من استنزاف رؤوس الأموال المغامرة لها وتخريبها.. هذه أولي المؤامرات علي شعب بطل ثائر منتصر فاهم قضاياه المحلية والعربية.. مؤامرة تزييف لتاريخ نضال شعب وطمس متعمد مدروس لن تغفره لهم بورسعيد، من الرضيع إلي المثقف إلي عامل البحر المكافح. جاء الفرعون مرة إلي المدينة، في زيارة لامعني لها، ظن فيه العدل واحد من المواطنين.. تجرأ المواطن واقترب من باب سيارته المصفحة، ليقدم له شكوي يطلب شقة لأمه وإخوته، فكان جزاؤه التصفية بالرصاص الحي، وحرم الشقة والمقبرة.. ومن بعد هذا الحادث كان أشد العقاب، جاء الوريث المدينة وأهان حاكمها وتوعد أهلها بعقاب لم يشهده شعب ولا سمع به شارع، حرمت المدينة من كل صنوف الحياة، أصدروا القرارات بإلغائها بوصفها مدينة حرة، ووقف نشاطها عدة أعوام.. عاني أهلها ظلم الفرعون وكراهيته لها بلا معني، سوي أنها عادت وخذلت إسرائيل حبيبته مرتين: في عدوان 1956 وبعد توقيع اتفاقية الكويز، التي نصت علي مزاحمة صناعة الملابس الجاهزة المصرية، وفرضت نسبة غير قليلة من المنتج الإسرائيلي علي كل ما تنتجه مصر من ملابس جاهزة، وكانت إسرائيل هي المستفيد الوحيد من هذه الكويز.. لجأ المستثمر البورسعيدي إلي فتح قنوات مع الصين لاستيراد الملابس الجاهزة، لا أقول إنه كان في صالح صناعتنا، بل كان وبالا علي سوق صناعة الجاهز في مصر، بيع القميص الصيني علي أرصفة القاهرة بأقل من ثمن الأزرار 'والعراوي'.. توسع مستثمر المنطقة الحرة في استيراد الملابس الجاهزة من الصين، وإعادة تصديرها إلي الدول العربية والإفريقية. قضت بورسعيد علي أحلام اسرائيل وتغولها ومحاولاتها السيطرة علي أكبر نسبة من عوائد صناعة الملابس الجاهزة المصرية باتفاقية كويز مبارك في هذه الأسواق.. من هنا كان لابد الانتقام من بورسعيد وخنق شعبها، بمحاولات عدة،كان آخرها استغلال هذه المباراة المشئومة، لتنفيذ المخطط و'الرجال' جاهزون، واسرائيل لاتنسي.. هذا ليس تحليلا ولا تفسيرا لنظرية المؤامرة.. ولا لنظرية الطرف الثالث.. ولا محاولة لصرف أنظار لجنة تقصي الحقائق بمجلس الاخوان.. ولا لتحقيقات النائب العام.. ولا تأييدا ولا استحضا ل 'اللهو الخفي'.. خذوا ماشئتم ولا تنسوا ان الكويز من إنجازات حسني مبارك وولده ليمتد.