مشنوقاً مات أنس.. هكذا أكد تقرير الطب الشرعي عن استشهاد الطفل أنس - أصغر شهداء مذبحة بورسعيد - أنس '14 عامًا' زهرة في حدائق مصر قطفتها أيدي الإرهاب والبلطجة والمؤامرات ولعبة السياسة القذرة التي تعربد في جسد الوطن وتنهش أحشاءه وتمزق أطرافه وتقطع شرايينه.. مصيري ومصيرك ومصير صغارنا وأحبتنا نتوقع اليوم أن يكون هو نفسه مصير أنس.. كلنا ننتظر لحظة الغدر في أي وقت وفي أي مكان. سأكتب عن أنس باعتباره رمزًا لأربعة وسبعين شهيداً ضحايا تلك المذبحة التي نحرت قلب مصر وانتزعت الابتسامة من كل بيت واغتالت البراءة في عيون الصغار، وأشعلت النيران في كيان كل من ينتمي لهذا الوطن، سأكتب عن أنس الذي تشق ابتسامته البريئة صدورنا ونحن ندعو له بالرحمة ولأهله بالصبر وللثورة بالانتصار علي قاتليه من أعداء مصر وذابحيها وناحري صغارها في مهد العمر.. سأكتب عن أنس ابني وابنك وابن تلك الثورة التي أضاء مشاعل نورها وهو يهلل في التحرير فرحاً 'ارفع راسك فوق انت مصري' فهللنا ورددنا وراءه في نشوة فرحة النصر.. سأكتب عن أنس الذي رفع علم بلاده وسافر مع أصحابه يشجع فريقه لأنه يوماً آمن بثورته فظن أنه آمن في بلده فرحل في لحظة غدر.. لماذا اغتيل أنس وحُكم عليه في لحظة بالقتل العمد بينما من قتلنا واستباحنا وهتك عرض ثورتنا وأفسد حياتنا وأهدر حضارتنا واستحل ثرواتنا وانتهك حرمة بيوتنا وأذلنا وجعل منا شعباً مهموماً بلقمة عيش يتسولها يوماً بيوم تاركاً أحلامه وابداعاته وطموحاته تنتحر علي أبواب نظام أقل ما يوصف به العمالة والخيانة لهذا الشعب.. لماذا تمتد محاكماته الهزلية لأكثر من عام وصغارنا ي - نحرون علي مذابح الحرية قرباناً لوطن مازال غير قادر علي حمايتهم.. المفسدون نحاكمهم بالعدل محاكمات مدنية لا ثورية في وقت الثورة بينما الأطهار الذين حملوا أعلام مستقبل هذا الوطن نذبحهم في لحظة فرح!! كتب أنس علي صفحته علي الفيس بوك جملاً صارت كالوشم علي القلب، وكلمات سيظل وقعها في نفوسنا كالنقش علي الحجر 'كنت أتمني أن أسمع خبر وفاتي وأنا حي كي أري العيون التي ستبكي عليَّ'.. أقول لأنس: أمثالك يا صغيري لا يموتون، أنتم الباقون ونحن - الذين أخرسنا القهر لثلاثين عاماً - الراحلون.. أمثالك ممن صنعوا الحلم فصدقوه وسعوا إليه وأخرجونا من قبور الصمت هم الذين لا يموتون، وأمثالنا نحن الذين نشاهد أحلامنا تُذبح وتغتال ملء السمع والبصر.. نحن الراحلون.. تراك يا أنس تشاهد اليوم كم عيناً تبكيك، تراك يا صغيري تشعر اليوم كم قلباً يحترق بفقدك، فلتهنأ روحك يا صغيري بنوم عميق هادئ بين أحضان رحمة السماء التي لا يغيب العدل فيها ولتترك لنا كوابيس الحياة التي مازالت تطبق علي نفوسنا وتخنق أنفاسنا فنموت في كل لحظة ألف مرة مشنوقين ومخنوقين ومحترقين، يخوَّن كل منا الآخر ويتهافت كل منا علي بضعة نقود من الداخل أو الخارج - فالأمر سيان - علي منصب أو سلطة أو دور في بلد صار الكل فيه ممن يدعون البطولة أبطالاً من ورق أمام مشهد ذبحك، ورق تنثره الرياح، يطفو فوق السطح كزبد البحر فيذهب جفاء.. أما أنت وأمثالك فقد سطرتم بأسمائكم أحلاماً تنعمون بها في سمائكم، وتركتم لنا الكوابيس تحرمنا النوم ولو لساعة تغيب فيها ضمائرنا عن الوعي لأننا مازلنا مقيدي اليدين والقدمين وفاقدي القدرة علي الإمساك بمن شنقوك فذبحونا، لا نريد بضعة بلطجية كبش فداء لمن يقتلوننا صباح مساء، نريد القتلة الحقيقيين، نريد العدل من الدولة قبل أن تمتد أيدينا نحن لتنفيذ هذا العدل فتغيب الدولة.. أليس من العدل أن من قتل أنس ورفاقه يقتل في المكان نفسه الذي تم اغتيالهم فيه؟.. أليس هذا ما يرضيك ورفاقك يا أنس حتي تسامحونا؟.. أليس هذا هو العدل؟.. من اغتالوكم يذبحون علي الأرض الخضراء نفسها التي سالت عليها دماؤكم.. وأمام عيون الفضائيات كما حدث معكم، الفرق الوحيد الذي يجب ألا يتكرر في المشهد أن أضواء الملعب يجب ألا تنطفئ في لحظة تنفيذ العدالة فيهم.. تلك الأضواء التي حينما انطفأت ألقت الظلام في سماء مصر، حجبت شمس النهار وغيبت ضي القمر في السماء.. فلمن تطلع الشمس ولمن يضاء القمر بعد رحيل أنس وكل أنس علي أرض الوطن؟