غادرت الجريدة وعقارب الساعة تشير إلي الثالثة صباحا، في الطريق استوقفتني اشارة المرور الحمراء بضع دقائق علي مفترق طرق، لا احد.. لا سيارة.. لا شرطة ..لا مخلوق يمر من اي اتجاه، لكني اقف امتثالا للاشارة الصماء، ولو تحركت خطوة بالسيارة، فانها تنذرني وتغرمني، فهي تراقبني وترقبني، وانا ملتزم والسيارة ايضا.. وانت ايضا.. أليس كذلك ؟! استغرقتني تلك اللحظات في دوامة من التفكيرفف وألف علامة استفهام واستنكار وتعجب تطل من رأسي:هذه اشارة مرور.. مجرد اشارة خالية حتي من »الرادارت« ومع ذلك تقف امامها ولها، وتعمل لعيونها الف حساب.. فلماذا لا يجعل الواحد منا هذه الاشارة الحمراء في كل سلوكيات حياته حتي بينه وبين نفسه؟.. لماذا يقدم المرء منا علي هذه الحماقة أو تلك، ويرتكب هذا الخطأ او هذه الخطيئة عن عمد وهو يدرك أن الله تعالي يراقبه، أو ينفذ الواحد منا من ثغرة هذا القانون، أو يكسر ذلك العرف، ولن يراه أحد ولن يحاسبه أحد؟.. لماذا تعطي جل اهتمامك وحضورك واستحضارك لإشارة مرور يتيمة في شارع خال من كل شيء، ولا تتحسب أن عيون الله تراك في أفعالك وأقوالك وسكناتك وحركاتك، مع أن الآية العظيمة تتجلي بالقول الالهي: » إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون«.. إنه نسخ لكل حركة ولكل قول في حياتك الدنيا، لتقرأ كتابك يومئذ ، كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا وبصرك اليوم حديد.. يا إلهي! إشارة مرور ذات عيون حمراء تشعل فيك الترقب والحذر والحيطة، من أن تتقدم خطوة واحدة في الطريق، والطريق امامك مفتوح من جهاته الأربع، ومع ذلك تحذر وتمسك "الفرامل" برجلك، وبقوة والمقود في يديك، ويداك منتبهتان وعيناك أيضا، وكل حواسك يقظة، أما إشارة المرور السماوية.. أما إشارة المرور القانونية.. أما اشارة المرور العرفية والمعرفية.. فإنك تتعامل معها بلا مبالاة في أكثر الأحايين.. إنها مفارقات تجعل الرأس يشتعل شيبا.. فهل من مدكر؟.