أصدرت الحكومة المصرية الأسبوع الماضى مشروع قانون يهدف إلى اسقاط الجنسية عن «المصرى فى حال صدور حكم قضائى يثبت انضمامه إلى أى جماعة أو جمعية أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أى كيان أيا كانت طبيعته أو شكله القانونى والفعلى، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، تهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى لها بالقوة، أو بأى وسيلة من الوسائل غير المشروعة». وبالرغم من أن مشروع القانون، لا يزال حتى الآن مجرد اقتراح من الحكومة، إلا أن البعض راح يتعامل معه باعتباره أمرًا واقعا نهائيا، بالرغم منأن المشروع سوف يعرض على مجلس الدولة؛ لبيان مدى توافقه مع الدستور، وعدم تعارضه مع المادة السادسة، ثم يعرض على مجلس النواب لإصداره بصورته النهائية. دعونا نتفق أولاً على أن إسقاط الجنسية المصرية عن كل من ارتكب فعلا إرهابيًا وصدر ضده حكم بات ونهائى من المحكمة المختصة، هو أمر يستهدف تحقيق العقاب الرادع على المتآمرين الذين يستهدفون اشاعة القتل والإرهاب بهدف إسقاط الدولة، وأن هذا الأمر لا يعنى تضييقا على الحريات ولاافتئاتا عليها، وإنما الصحيح أن الإرهاب هو العدو الأول للحريات والاستقرار والوطن. وإذا كان البعض يقول إن المادة )6( من الدستور قد نصت على أن «الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية والاعتراف القانونى به ومنحه أوراقا رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه»، فهذا يعنى أن هناك قانونًا يكفل وينظم، غير أن ذلك لا يعنى أن الجنسية تظل لصيقة بالمصرى، بدليل أن المادة )16( من القانون رقم )26( لسنة 1975 حددت عددًا من الحالات التى يتوجب على الحكومة اسقاط جنسية كل من يرتكب فعلاً أو جريمة من الجرائم المحددة، مثل إذا حصل على جنسية أجنبية، أو قبل بدخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية، أو إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية وهى فى حالة حرب مع مصر. ويستند البعض إلى رفض مشروع القانون المقدم من الحكومة لتعارضه مع المادة )15( من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وهذا غير صحيح، لأن الإعلان العالمي لحقوق الانسان ينص على «أن الدولة المعنية يمكنها الاحتفاظ بحق تجريد شخص من جنسيته فى حال ما أظهر عدم الولاء للدولة». ألا يعد ذلك ردًا على هؤلاء الذين يصورون المشروع وكأنه معادٍ للدستور والإعلان العالمى لحقوق الانسان، غير أن البعض يصر على التعامل مع بعض القضايا الخلافية علي طريقة «لا تقربوا الصلاة»! ويتجاهل البعض أن بلادا عريقة مثل بريطانياوفرنسا قد قامت بتعديل تشريعاتها القانونية لتتيح لها اسقاط الجنسية عن كل من تورط أو ارتكب عمليات ارهابية ضد أمن واستقرار البلاد، فقد قامت بريطانيا بإجراء تعديلات تشريعية تتيح لها ذلك فى عام 2002، وقامت فرنسا بنفس الفعل، بعد أحداث نيس وباريس فى نوفمبر 2016. إن هناك دولاً عديدة أخرى، قامت باتخاذ الاجراءات القانونية التى تتيح لها سحب الجنسية من كل من تورط فى أعمال إرهابية من شأنها تهديد أمن الدولة واستقرارها خاصة بعد تصاعد العمليات الإرهابية فى المنطقة خلال الآونة الأخيرة. وليس من شك أن المشروع المقدم يأتى متوافقا مع المطالب الشعبية بضرورة ايجاد العقاب الرادع لكل من يتآمر على الوطن ويسعى إلى اسقاط الدولة من خلال عمليات العنف والإرهاب التى تستهدف إشاعة الفوضى فى البلاد. إن هذا المشروع سيقدم أولاً إلى مجلس الدولة لبيان مدى توافقه أو تعارضه مع الدستور المصرى وسوف يلى ذلك عرضه على مجلس النواب، والذى بالقطع سيناقشه مناقشة مستفيضة تراعى مصلحة البلاد وحريات المواطنين. إن الصيغة المقدمة من الحكومة هى صياغة مطاطة، حمالة أوجه، وقد يجرى استغلالها بالفعل لمعاقبة أصحاب الفكر والرأى المعارض، ومن ثم يتوجب ضبط الصيغة بحيث تكون محددة ومقصورة على كل من يثبت تورطه فى القيام بأعمال إرهابية بشرط صدور حكم بات ونهائى من المحاكم المختصة. إن الحرص على احترام الحريات، وعدم تغول السلطة التنفيذية فى قراراتها عن طريق مثل هذه «المشاريع»، هو أمر من الأهمية بمكان، وهذه مسئولية مجلس النواب والتى يتوجب الحرص عليها، وعدم العبث بها. وهنا يتوجب القول إنه انطلاقا من القاعدة القانونية التى تقول «إن الأحكام لا تطبق بأثر رجعى»، فلا صحة بأن اسقاط الجنسية سوف يتم تطبيقه على كل من صدرت ضدهم أحكام باتة ونهائية خلال الفترة الماضية، فالتطبيق لن يتم إلا بعد صدور القانون بشكله النهائى وموافقة رئيس الجمهورية عليه، ولكن بدون أثر رجعى. إن تجريد الإرهابى من جنسيته هو عقاب رادع لكل من تسول له نفسه التورط فى مثل هذه الجرائم، وأعتقد أنه حان الوقت لوضع حد لكل من يرتكب فعلاً إرهابيا من شأنه المساس بأمن البلاد وأهلها. أما الذين يتباكون، ويقولون إن هذا تصعيد غير مبرر من الدولة، فأولى بهم أن يوجهوا نصائحهم إلى هؤلاء الذين استباحوا كل شىء، واستخدموا العنف والإرهاب وسيلة لقتل الأبرياء وإشاعة الفوضى.