لم تعان دولة ما عانته مصر من الإرهاب، فمنذ ثورة 30 يونيو 2013 وانتهاء حكم الإخوان بعزل الإخوانى محمد مرسى، سعى الإرهابيون إلى إرهاق البلاد بشتى الطرق، فضاعفوا عملياتهم فى سيناء للتأثير على السياحة التى كانت مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة، قبل أن يصلوا مؤخرًا إلى العاصمة وتفجير الكنيسة البطرسية. ورغم كل ذلك تسود حالة من الانقسام بين القانونيين حول مشروع القانون الذى تقدم به النائب مصطفى بكرى، عضو مجلس النواب و150 آخرين، لتعديل المادة 16 من القانون 26 لسنة 75، والذى يقضى بإسقاط الجنسية المصرية عن كل من يرتكب جناية إرهابية، ويصدر فيها حكم بات ونهائى، تمهيدًا لإحالته للجنة مختصة للفصل. والانقسام يرجع إلى اعتقاد فريق من القانونيين أن مشروع القانون غير دستورى، ما يعنى أن شهادة وفاته كتبت قبل ظهوره للنور أساسا، فيما رأى فريق آخر أن المشروع يسد ثغرة قانونية لم ينص عليها القانون المنظم للجنسية، خصوصًا بعد تزايد العمليات الإرهابية مؤخرًا. وقال عمرو عبدالسلام، المحامى بالنقض ومجلس الدولة، إنه طبقا للمادة السادسة من الدستور الحالى فالجنسية حق أصيل يمنح لكل إنسان يولد لأم أو لأب مصريين بمجرد ولادته، والدولة ملتزمة بالاعتراف به، والمشرع الدستورى اعتمد فى الدستور الحالى على المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والتى حظرت جميع أشكال التمييز العنصرى. وتابع «عبدالسلام»: هذه المواثيق مُلزمة لمصر، لكونها عضواً بالجمعية العامة للأمم المتحدة، والبرلمان المصرى ملتزم عند سن تشريعاته بعدم مخالفة الأحكام والمبادئ والقواعد المقررة فى القانون الدولى، وأى مخالفة لتلك المبادئ سيفتقد معها القانون الصادر بسحب الجنسية المصرية من المتورطين فى الأعمال الإرهابية إلى الدستورية، إذا ما تم الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا. وأضاف: القانون المزمع سنه مخالف للقواعد الدستورية والاتفاقيات الدولية، وسيؤسس لوضع قانونى صعب على الصعيد الدولى إذا ما تم تطبيقه، وبشكل شخصى، أتوقع الطعن على مشروع القانون من عدة جهات مختلفة، علاوة على أن مجلس الدولة لن يوافق عليه، لأنه مخالف للدستور ولكافة المواثيق الدولية. وهناك دول اتجهت بالفعل إلى إسقاط جنسيتها عن مواطنيها التى ثبت تورطهم فى قضايا إرهاب، مثل فرنسا فى أعقاب تفجيرات باريس العام الماضى، وتقدم الرئيس الفرنسى آنذاك بمشروع قانون لإسقاط الجنسية عن المتورطين فى تلك العمليات، إلا أن البرلمان الفرنسى رفض المشروع لمخالفته للمعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ما دعا الرئيس للتراجع على الفور. واتفق محمد الذهبى، الفقيه الدستورى ومحامى النقض مع «عبدالسلام»، وأكد أن المشروع الذى تقدم به النواب غير مقبول من الناحية الدستورية، مشيرًا إلى أن مشروع القانون لا يستند على أساس دستورى، فمعاقبة المتورطين فى قضايا إرهابية يجب أن تترك لقانون العقوبات الذى حدد إجراءات جنائية خاصة. واختلف المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، عن الرأى السابق، وأشار إلى أن عملية منح الجنسية ينظمها القانون، ومن ضمن أحكام هذا القانون إسقاط الجنسية عن فئات ترتكب أعمالا عدائية ضد الشعب المصرى، وتوقع أن تتم الموافقة على ذلك التشريع من مجلس الدولة، طالما أنه لا يتعارض مع الدستور، فالدولة فى حاجة ملحة إليه، ليكون رادعاً للإرهابيين الذين يجب إسقاط الجنسية عنهم حال ثبوت تورطهم فى قضايا وعمليات إرهابية . وشدد صلاح سليمان، مقرر لجنة الحريات بنقابة المحامين، على أن الدستور والقانون المصرى لم ينظم حالات إسقاط الجنسية، وهناك فراغ تشريعى فى هذا الصدد، والقانون الخاص بالجنسية لم يتطرق إلى العصابات الإرهابية، لذا أصبح التعديل التشريعى ضروريا لمواجهة هذا الفراغ، ولضمان دستورية الأمر سيتم عرضه على القضاء للفصل فيه.