«قلنا حنبنى وآدى احنا بنينا السد العالى.. يا استعمار بنيناه بأيدينا السد العالى.. من أموالنا بأيد عمالنا هى الكلمة وآدى احنا بانينا.. الحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللى ورا السد.. حكايتنا احنا.. حكاية شعب للزحف المقدس قام وثار».. لم تكن تلك الكلمات التى كتبها أحمد شفيق كامل ولحنها كمال الطويل وغناها عبدالحليم حافظ فى عام 1960، سوى تجسيد لحكاية شعب وزعيم تحدى الهيمنة وتحدى التبعية وقرر ان يكتب لوطنه بأحرف من نور تاريخًا حافلاً بالبطولات. هى حكاية بناء السد العالى، ذلك السد الذى ظل وسيظل على مدى التاريخ شاهدًا على العزيمة والارادة والحلم، هذا المشروع الذى اعتبرته الثورة فى مقدمة مهامها لتحقيق التنمية الزراعية، بعد توفير مياه الفيضان التى كانت تلقى دون التمكن من استعمالها، بالإضافة إلى تفادى الجفاف وتوليد الطاقة الكهربائية لاستخدامها فى التصنيع. وقامت الثورة فى سنواتها الأولى بتكليف الخبراء الألمان بإعداد الدراسات عن المشروع وظهرت من الدراسة مشكلة التمويل لضخامتها ولكن تصميم مصر على بناء السد العالى لما ينتج عنه من فوائد اقتصادية لم يثنها عن محاولة التوصل إلى اتفاق. لجأت مصر إلى كلا من الولاياتالمتحدةوانجلترا والبنك الدولى الذى أقر تمويل مشروع بناء السد، فى سنة 1955 وتقدمت كلا من انجلتراوأمريكا فى خريف 1955 بعروض جزئية للمشاركة فى تمويل قروض مشروع بناء السد العالى تبلغ فى جملتها 130 مليون دولار واشترط لهذه المعونة موافقة البنك الدولى على تقديم قرضه لمصر البالغ 200 مليون دولار. فى نوفمبر عام 1955 سافر الدكتور عبدالمنعم القيسونى وزير المالية فى نوفمبر إلى واشنطن ليبدأ وقتها المفاوضات مع رئيس البنك الدولى )يوجين بلاك( ومع ممثلى الحكومة الأمريكية والبريطانية من أجل المساهمة فى تمويل المشروع، كانت عملية تمويل قروض مشروع بناء السد العالى كلها مشروطة منذ البداية، وكان من بين تلك الشروط، أن تتعهد مصر بعدم إبرام أى اتفاقات مالية أو الحصول على أى قروض دون موافقة البنك الدولى أن تتعهد مصر بتركيز تنميتها على مشروع السد العالى فقط وتخصيص ثلث دخلها لمدة عشر سنوات لهذا الغرض. وكان من الطبيعى أن ترفض مصر هذه الشروط، وبعد محاولات للتأثير على مصر، تعمد )جون فوستر دالاس( وزير خارجية الولاياتالمتحدة فى ذلك الوقت، بأن يستدعى السفير المصرى فى واشنطن إلى مكتبه وأبلغه بأن حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية قد وصلت إلى قرار بأن اقتصاد مصر لا يستطيع أن يتحمل أعباء بناء السد العالى، ومن ثم قررت حكومة واشنطن سحب عرضها بتقديم المعونة المالية وسلمه كتابا تعلن فيه الحكومة الأمريكية سحب عرضها وقدره 56 مليون دولار للمشاركة فى تمويل قروض مشروع بناء السد. ولم يختلف الوضع فى لندن، فقد استدعى فى اليوم التالى السير هارولد كاشيا، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية للسفير المصرى فى بريطانيا وأبلغه أن بريطانيا قد قررت بدورها أن تسحب العرض الذى كانت تقدمه لمصر وقدره حوالى 14 مليون دولار للمشاركة فى تمويل قروض مشروع بناء السد العالى. ولم ينقض اليوم قبل أن يعلن «يوجين بلاك» مدير البنك الدولى بأن البنك الدولى لا يستطيع أن يقرض مصر مبلغ المائتى مليون دولار لتمويل مشروع بناء السد العالى كما وعد مصر قبل اسبوع. كان رد عبد الناصر الحاسم على سحب أمريكاوانجلترا تمويل بناء السد، هو تأميم قناة السويس كشركة مساهمة مصرية، ذلك القرار الذى أثار مفاجأة كبيرة للدوائر السياسية العالمية، بقدر ما أثارته الطريقة والملابسات التى تم بها قرار سحب التمويل، والأسلوب الذى اتبعته لإبلاغه لمصر والذى لم يقبله جمال عبدالناصر، وكان تأميم شركة قناة السويس يلح على تفكير جمال عبد الناصر منذ بدأ تفكيره فى الثورة ليعيد لمصر حقوقها المنهوبة. قام الرئيس جمال عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس فى 26 يوليو 1956 حتى يخصص العائد منها لتمويل السد العالى وذلك بعد أن سحب البنك الدولى للإنشاء والتعمير عرضه بخصوص تمويل المشروع تحت تأثير الضغوط الاستعمارية من بريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية. قام الاتحاد السوفيتى بإقراض مصر قرضين بمبلغ 113,2 مليون جنيه مصرى لتمويل السد العالى. وفى 26 يوليو 1956 أعلن الرئيس «جمال عبد الناصر» تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، لتصبح شركة مساهمة مصرية، فى خطاب تاريخى حدد فيه أسباب قرار التأميم وعلاقته ببناء السد العالى، حيث قال «فى سنة 1955، دخل قنال السويس 35 مليون جنيه؛ أى 100 مليون دولار.. دخل الشركة المصرية، شركة قنال السويس المصرية 100 مليون دولار؛ 35 مليون جنيه، بناخد منهم احنا–اللى مات من أبنائنا 120 ألف وهم بيحفروها، واللى دفعنا فلوس بنائها–بناخد مليون جنيه، 3 مليون دولار. احنا لن نكرر الماضى أبدًا، ولكن سنقضى على الماضى، سنقضى على الماضى بأننا نستعيد حقوقنا فى قنال السويس. هذه الأموال أموالنا، هذه القنال ملك لمصر؛ لأنها شركة مساهمة مصرية، حفرت قنال السويس بواسطة أبناء مصر، 120 ألف مصرى ماتوا وهم بيحفروها. شركة قنال السويس–اللى قاعدة فى باريس–شركة مغتصبة؛ اغتصبت امتيازاتنا.. التاريخ لن يعيد نفسه، بل بالعكس حنبنى السد العالى، وسنحصل على حقوقنا المغتصبة.. حنبنى السد العالى زى ما احنا عايزين، حنصمم على هذا.. 35 مليون جنيه كل سنة بتاخدها شركة القنال.. ناخدها احنا، 100 مليون دولار كل سنة بتحصلها شركة القنال لمنفعة مصر.. نحقق هذا الكلام، يبقى ال 100 مليون دولار نحصلهم احنا لمنفعة مصر برضه. ولهذا.. لهذا.. إننا اليوم–أيها المواطنون–حينما نبنى السد العالى نبنى أيضًا سد العزة والحرية والكرامة، ونقضى على سدود الذل والهوان، ونعلن مصر كلها جبهة واحدة.. كتلة وطنية.. متكاتفة.. متحدة.. مصر كلها ستقاتل لآخر قطرة من دمائها.. احنا أغنياء.. كنا متهاونين فى حقوقنا بنستردها، وقلت لكم فى الأول: معركتنا مستمرة، نسترد هذه الحقوق خطوة خطوة، وسنحقق كل شىء.. سنبنى مصر القوية، وسنبنى مصر العزيزة. لهذا قد وقعت اليوم، ووافقت الحكومة على القانون الآتى: قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية. كان قرار ناصر الشجاع بتأميم شركة قناة السويس ردًا عمليًا على سحب البنك الدولى وأمريكاوبريطانيا عرض تمويل بناء السد العالى، وعلى الرغم من ان القرار كان نتيجته العدوان الثلاثى على مصر، والذى تكبدت معه الكثير من الخسائر إلا ان الارادة والتصميم لم تمنع ناصر من تكملة بناء السد العالى بمشاركة الاتحاد السوفيتى. فى 27/12/1958 تم توقيع اتفاقية بين روسيا )الاتحاد السوفيتى سابقا( ومصر لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد. - وفى مايو 1959 قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميمات السد واقترحوا بعض التغييرات الطفيفة التى كان أهمها تغيير موقع محطة القوى، واستخدام تقنية خاصة فى غسيل وضم الرمال عند استخدامها فى بناء جسم السد. - فى 27 أغسطس 1960 تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع روسيا )الاتحاد السوفيتى سابقا( لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد. - بلغ إجمالى التكاليف الكلية لمشروع السد العالى حوالى 450 مليون جنيه. يعتبر السد العالى من المشروعات ذات العائد الاقتصادى المرتفع جدا إذا ما قورن بمثيله من المشروعات العالمية الأخرى إذ بلغ العائد خلال عشر سنوات – منذ بدء انشائه – ما لا يقل عن عشرين ضعفا مما أنفق عليه. وحقق انشاء السد عددًا من الفوائد الاقتصادية ومنها زيادة نصيب مصر من مياه النيل حيث أصبح 55.5 مليار متر مكعب سنويا. - وزيادة مساحة الرقعة الزراعية فى مصر بحوالى 1.2 مليون فدان. - وتحويل 970 ألف فدان من نظام الرى الحوضى إلى نظام الرى الدائم مما زاد من انتاجية الفدان. - والتوسع فى زراعة الأرز إلى 700 ألف فدان سنويا. - وتحسين الملاحة النهرية على مدار السنة. - بالاضافة إلى توليد طاقة كهربائية جديدة تصل إلى 10 مليارات كيلووات سنويا، استغلت فى انارة القرى والمدن وأغراض التوسع الصناعى والزراعى. - ناهيك عن وقاية البلاد من أخطار الجفاف فى السنوات الشحيحة الايراد مثل ما حدث فى الفترة من عام 1979 إلى عام 1987.