انعكست النهضة الثقافية التى شهدتها مصر فى الستينيات على المسرح المصرى، ونهضت ثورة يوليو بالحركة المسرحية وأشاعت مناخًا يلتقى مع المزاج العام، ويتفاعل معه، وأطلقت حركة إبداعية متميزة، ورسخت ثقافة جماهيرية تجاوزت مصر إلى العالم العربى كله. وقبل «يوليو» كان المسرح يعج بالروايات الكلاسيكية البعيدة عن حقيقة ما يجرى فى الشارع، باستثناء الروايات الكوميدية التى كان يقدمها كل من نجيب الريحانى، وعلى الكسار، وكان تلقى قبولًا لدى قطاع عريض من الجماهير، فى المقابل قدم يوسف وهبى وجورج أبيض وروز اليوسف وفاطمة رشدى، من خلال فرقهم المسرحية روايات كلاسيكية مخملية، كانت تخاطب فئة محددة محسوبة على «السرايا» والحكم الملكى، وبين أولئك وهؤلاء ظهر جيل جديد من الكُتاب قدم عددًا من الميلودرامات المترجمة والمسرحيات المحلية التى كشفت عن بداية ظهور كتاب مسرحيين اسهموا فيما بعد فى تطوير الثورة وشكلوا واجهة للمسرح القومى والفرق المسرحية التى أطلقت حركة المسرح الجادة فى مصر وأسهمت فى إرساء قواعد للغة المسرح الحديث فى الوطن العربى.
ومن بين هؤلاء الكُتاب: لطفى الخولى، ويوسف إدريس، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج، ونجيب سرور، ومحمود دياب، والمخرجين : نبيل الألفى، وسعد أردش، وكرم مطاوع. و بدأ الفكر المسرحى فى البحث عن هوية مختلفة عن القالب الكلاسيكى المستعار من المسرح الغربى. وجاءت آراء توفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهما كمساهمات جادة فى هذا الاطار، كذلك بدأ المسرح الشعرى فى مصر تجسيده الحقيقى من خلال لغة القصيدة الحديثة على يد الشاعر صلاح عبد الصبور. ويؤكد عدد كبير من مؤرخى المسرح أن الخطوات الأولى لهؤلاء المبدعين ظهرت فى مرحلة الأربعينيات، إلا أن المناخ الذى جاءت به ثورة يوليو فى مطلع الخمسينيات ساعدهم على الظهور والانتشار. ولأن 23 يوليو احتضنت الفكر الاشتراكى، وما يتصل به من قضايا العدالة الاجتماعية، فقد أصبحت تلك القضايا هى المحور الذى تدور حوله غالبية العروض المسرحية، وكان من المستحيل أن يتغافل المسرح عنها، بحُكم طبيعته كمنبر تعبير جماهيرى حى، يتصدى لمعالجة هذه القضايا أو المشاكل، وأرسى مسرح الستينيات قواعده على أساس التعبير الخالص عن الآمال والآلام والتطلعات الاجتماعية للشعب المصرى، وتلازم هذا مع ظهور الواقعية كمدرسة أدبية وفنية خضعت لها جميع ألوان التعبير الأدبى والفنى. وقاد الجيل الجديد من الكتاب والمخرجين المدارس المسرحية الواقعية، وأحدثوا طفرة غير مسبوقة فى الحركة المسرحية، وظهرت أعمال ومؤلفات مسرحية كُتِبَت مباشرة لخشبة المسرح ولها قيمتها الأدبية والفنية التى تتسم بها المسرحيات المطبوعة، مثل مسرحيات، «على جناح التبريزى وتابعه قفه»، و»النار والزيتون» وكلاهما لألفريد فرج، والغرباء لا يشربون القهوة، والهلافيت» لمحمود دياب، و«الفرافير» ليوسف أدريس، و«مأساة الحلاج» لصلاح عبدالصبور، و«آه ياليل يا قمر» لنجيب سرور، وحققت تلك العروض نجاحًا جماهيرًا كبيرًا، لفت الأنظار إلى الحرفية المسرحية للجيل الجديد من الكتاب ودعمهم لما يسمى ب«مسرح الغلابة»، حيث تمتع هؤلاء بالنُضج الثقافى فى الإلمام بجوانب الثقافة العالمية، كل هذا مكًن معظم كتاب هذه المرحلة من تقديم أعمال مسرحية لاتزال تحتل مكانة كبيرة فى ارشيف المسرح المصرى، ونفس الأمر بالنسبة للمخرجين، سعد أردش وكرم مطاوع وجلال الألفى، وهانى مطاوع وغيرهم. ومع نكسة يونيو 1967 تراجع الانتاج المسرحى بالتزامن مع الهزيمة العسكرية ولم يتبق من تلك المحاولات سوى بعض الفرق التى ظهرت فى السبعينيات وتعتبر امتدادًا لجيل عمالقة الستينيات، وعلى رأسهم الثنائى لينين الرملى ومحمد صبحى اللذان قدما تجربة متميزة فى مسرح القطاع الخاص من خلال كم هائل من المسرحيات الناجحة بأسلوب راقٍ ونظيف لمسرح القطاع الخاص.