سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المسرح فى عهد عبدالناصر.. فرجة ومتعة وتأمل وازدهار .. قدم المسرح فى ذلك العهد نخبة متميزة من الكتاب مثل نعمان عاشور، ومحمود دياب، وألفريد فرج، وميخائيل رومان، وسعدالدين وهبة
نقلاً عن اليومى.. ماذا نفعل وأنوار الفن فى عهد جمال عبدالناصر مازالت تشع وتتلألأ؟ ففى الأسبوع الماضى من «عطر الأحباب» تحدثنا عن السينما والأغنية فى عهد الزعيم، واليوم نحاول - بمناسبة مرور 96 عامًا على ميلاد جمال - الاقتراب من عالم المسرح فى زمنه، ويا له من عالم ثرى ومدهش ومثير، لكن علينا أن نطل سريعًا على هذا الفن قبل يوليو 1952، لنعرف الأثر الجبار الذى أحدثته الثورة فى تطوير المسرح، وكيف شجعت الطبقات الشعبية الفقيرة على ارتياده والاستمتاع بعروضه. المجنون يوسف وهبى كما تعرف، فنحن المصريين لم نعرف المسرح بمعناه الحديث إلا فى عهد الخديو إسماعيل «طالع ما كتب عن هذا الحاكم العجيب فى هذا الباب»، حيث شرع الفنان المصرى اليهودى يعقوب صنوع «1839/1912» فى تقديم عروض مسرحية خفيفة لا تخلو من سخرية وتهكم على أوضاعنا الاجتماعية، وإن كان معظمها قد تم اقتباسه من نصوص فرنسية فى الأغلب لموليير وراسين، ثم جاء بعده من الشام أبوخليل القبانى «1833/1903»، ليقدم عروضا يختلط فيها التمثيل بالموسيقى بالغناء، لكن الشيخ سلامة حجازى «رحل عام 1917» قفز بالمسرح الغنائى أو فن الأوبريت قفزة كبرى إلى الأمام، كذلك أضاف سيد درويش «غاب عنا عام 1923» إضافة بالغة الأهمية إلى فن المسرح الغنائى بعد ثورة 1919. صحيح أن جورج أبيض «1880/1959» أسس فرقة مسرحية عام 1910 حين عاد من بعثة إلى فرنسا، حين أرسله الخديو عباس حلمى الثانى لدراسة هذا الفن، وصحيح أنه قدم عروضا مسرحية جادة معظمها ترجمة لنصوص مسرحية عالمية شهيرة، مثل يوليوس قيصر، وماكبث.. أقول كل هذا صحيح، لكن يظل يوم 10 مارس من عام 1923 هو بداية المسرح المصرى الحقيقى والجاد، حيث قدمت فرقة رمسيس أول عروضها، وهى مسرحية «المجنون»، ذلك أن هذه الفرقة التى أسسها يوسف وهبى تعد أول فرقة مسرحية مصرية أنشئت على أسس حديثة وعصرية، يراعى فيها قواعد الإخراج والتمثيل والبروفات وأجور الفنانين والدعاية اللازمة، وترسيخ فضيلة الانضباط فى العمل إلى آخره، وهو ما كانت تفتقده الفرق المصرية السابقة، بما فيها فرق نجيب الريحانى وعلى الكسار، كما يقول الناقد الكبير الدكتور على الراعى فى كتابه الموسوعة «المسرح فى العالم العربى»، وفى ظنى أن التأثير المهول لثورة 1919 لعب دورا مهما فى جعل فرقة رمسيس تنحو هذا النحو الجاد. ومع ذلك يمكننا القول إن المسرح ظل حتى يوليو 1952 يدور ويلف حول فواجع يوسف وهبى ومآسى رواياته من ناحية، والكوميديا الخفيفة للريحانى من ناحية أخرى، حتى حين أنشئت الفرقة القومية للمسرح عام 1935، وأوكل أمر إدارتها إلى الشاعر خليل مطران، لم يكن من السهل على ملايين البسطاء ارتياد المسرح، نظرا لارتفاع سعر التذكرة، إذ ظل الجمهور محصورا بين الطبقة الثرية والشرائح العليا من الطبقة المتوسطة، ولا كان من الممكن أن تناقش العروض المسرحية القضايا الكبرى فى مصر، مثل النظام الملكى ومشكلاته، الاحتلال الإنجليزى ومأساته، الصراع الاجتماعى وأسبابه، الفروق الطبقية الضخمة وتوابعها، حرية المرأة وحقوقها المسلوبة إلى آخره، حتى جاءت يوليو فتغير حال المسرح تماما. نهضة شاملة وثب المسرح المصرى وثبة بالغة الأهمية مع يوليو 1952، فمن جهة ظهر نجوم جدد على مستوى الكتابة والإخراج والتمثيل، ومن جهة أخرى أصدر ثوار يوليو عدة قرارات لدعم المسرح، من أهمها إنشاء وزارة للثقافة والإرشاد القومى عام 1958، وهى ثامن وزارة من نوعها فى العالم، وقد تولى منصب الوزير كل من الوطنى الغيور فتحى رضوان، ثم الدكتور ثروت عكاشة، فالدكتور سليمان حزين، أستاذ الجغرافيا ومؤسس جامعة أسيوط، حيث أنشأت هذه الوزارة مؤسسة للمسرح، وفرقة للفنون الشعبية، وأكاديمية للفنون، ومسرح العرائس، وقصورا للثقافة فى جميع محافظات مصر ليمارس المسرح الشعب كله، وليست نخبته المقيمة بالقاهرة والإسكندرية، لكن أهم هذه الأمور هو تخفيض سعر الدخول للعروض المسرحية بما يلائم الطبقات المحدودة والفقيرة، الأمر الذى جعل مئات الآلاف من طلاب الجامعة يقبلون على مشاهدة المسرح، والتفاعل معه والانفعال به، هؤلاء الطلاب الذين منحتهم الثورة حق التعليم مجانا بعد أن كان الميسورون فقط هم من يتمتعون بنعمة التعليم! أما الجيل الجديد من مبدعى المسرح فحدث عنه ولا حرج، فهناك أسماء لمعت من المؤلفين فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، نذكر منهم بكل محبة نعمان عاشور صاحب «المغماطيس/الناس اللى تحت/عيلة الدوغرى»، وألفريد فرج «على جناح التبريزى/حلاق بغداد»، ومحمود دياب «الزوبعة/ليالى الحصاد/باب الفتوح»، وميخائيل رومان «الدخان/ليلة مصرع جيفارا العظيم، التى أخرجها الفنان كرم مطاوع وقام ببطولتها محمود ياسين فى أول ظهور قوى له فى أواخر الستينيات وبعدها انطلق كالشهاب نحو عالم السينما»، وسعد الدين وهبة «السبنسة/سكة السلامة» ويوسف إدريس «الفرافير»، وعبدالرحمن الشرقاوى «الأرض/الفتى مهران»، أما صلاح عبدالصبور، رائد المسرح الشعرى الحديث، فقد عرض له المسرح فى تلك الحقبة الذهبية من تاريخه مسرحيتى «مأساة الحلاج/ليلى والمجنون». هذا عن المؤلفين، أما المخرجون الجدد من الشباب الذين طعّموا مسرح الدولة بأفكار جريئة وخيالات مدهشة، خاصة أن كثيرا منهم أكمل دراسته فى الخارج، فنذكر منهم بكل إعزاز سعد أردش، وحمدى غيث، وكرم مطاوع، وجلال الشرقاوى. كذلك قدم المسرح فى خمسينيات وستينيات القرن المنصرم كوكبة معتبرة من الممثلين المتميزين، أمثال صلاح منصور، وعبدالمنعم إبراهيم، وتوفيق الدقن، وكمال ياسين، ومحمد الدفراوى، وسميحة أيوب، وسناء جميل، وملك الجمل، وسهير المرشدى، ومحسنة توفيق، وسهير البابلى، وعبدالسلام محمد، وصلاح قابيل، ومحمود الحدينى، وأشرف عبدالغفور، وعبدالرحمن أبوزهرة، وحمدى أحمد، وعزت العلايلى، والقائمة طويلة وممتدة، فضلا على الرواد الكبار الذين شاركوا بالتمثيل مع الأجيال الجديدة، أمثال حسين رياض، وحسن البارودى، وفؤاد شفيق، وشفيق نور الدين، ونجمة إبراهيم، وآمال زايد، وعبدالوارث عسر، وفاخر فاخر، وغيرهم.. ناهيك بطبيعة الحال عن مسرح توفيق الحكيم الذى قدم «السلطان الحائر/عودة الروح/شهرزاد». أرجو ألا تنسى كذلك نصيب المسرحيات المترجمة التى كان يقدمها المسرح فى ذلك الوقت، فبدأ الجمهور يطالع عروضا لمؤلفين أجانب مثل المسرحى الألمانى الثائر برتولت بريخت «رحل عام 1956»، إذ عرض له مسرح الدولة «الإنسان الطيب/دائرة الطباشير القوقازية». أفكار جريئة لم يتوقف الأمر على إنشاء وزارة وإفساح المجال لكتاب جدد، وممثلين واعدين، وهى مسائل مهمة لا ريب، إذ تعداه إلى طرح الأفكار المسكوت عنها بكل جرأة وصراحة، فقد نوقشت فى تلك المسرحيات مشكلات المجتمع المصرى بكل تعقيداته وآلامه وآماله بصورة لم تحدث من قبل، ورأينا هموم الفقراء من فلاحين وعمال وموظفين صغار تتجسد على خشبة المسرح دون أن يُلقى سبب فقرهم إلى القدر المعاند أو الحظ البائس، بل إلى النظام الاجتماعى الظالم الذى يحابى الأثرياء، ويبطش بالغلابة، مثلما كان يحدث فى أيام العهد الملكى. كما عالج المسرح قضية فلسطين، والصراع العربى الإسرائيلى، والقومية العربية، وهى أمور لم يقربها قط مسرح ما قبل يوليو 1952. لا يغيب عن فطنة اللبيب أن ازدهار المسرح فى ذلك الزمن كان بمثابة تعبير عن- وجزء من- نهضة فكرية وسياسية واجتماعية شاملة أحدثتها الثورة فى المجتمع المصرى، كما لاحظ بحق ناقدنا الراحل فاروق عبدالقادر فى كتابه المثير «ازدهار وسقوط المسرح المصرى»، لكن أرجو ألا تظن أن المسرحيات التى قدمت فى ذلك العهد كانت جهمة الشكل، غليظة التناول، لأنها تناقش أوضاعا سياسية أو اجتماعية وحياتية لأناس من البسطاء، فذلك خطأ كبير، لأن هذه العروض كانت ضاجة بالفن الجميل والمبهج والمثير للعقل برغم جدية الموضوعات المعروضة، وأذكر جيدا أننى شاهدت معظم هذه المسرحيات فى التليفزيون المصرى وأنا طفل وصبى فى أواخر الستينيات حتى أواخر السبعينيات، وقد أسهمت لا ريب فى تشكيل ذائقتى ووجدانى وضميرى، لذا أطالب أن يعاد عرض تلك الأعمال بانتظام فى التليفزيون المصرى حتى يدرك الجيل الجديد أن المسرح فن بالغ الثراء والحيوية والسحر، وأنه غير منقطع الصلة بقضايا الناس ومشكلاتها، وحتى يتخلص هذا الجيل الجديد من وهم أن المسرح مرادف لعبارة شائعة مثل «شفيق يا راجل»، أو مجرد صراخ وابتذال وبذاءة، كما نشاهد فى معظم المسرحيات التى أنتجت منذ منتصف السبعينيات حتى يومنا هذا! الرقابة الملعونة بطبيعة الأمور، لم تسلم بعض العروض المسرحية من التدخل المشؤوم للرقابة فى زمن عبدالناصر، فلا تنسَ أن أعداء ثورة يوليو كانوا منتشرين فى كل بقاع الأرض، ومادام هناك أعداء، هناك رقيب على الفن والإبداع، خاصة فى عالمنا الثالث، ومع ذلك، وإنصافا لعهد عبدالناصر، لم تكن الرقابة بالغباء أو القسوة التى نسمع أو أشيع عنها، فقد تدخلت الرقابة مرات قليلة جدا، منها تعديل وحذف بعض مشاهد مسرحية «الفتى مهران» لعبدالرحمن الشرقاوى، لأنها تهاجم النظام القائم بعصبية، وقد أخرجها كرم مطاوع فى موسم 1965/1966، حيث أوصت الرقابة بعدم تسجيلها لا فى الإذاعة، ولا فى التليفزيون، ولا يعاد عرضها مرة أخرى. كما حاولت الرقابة إيقاف عرض مسرحية «الشبعانين» لأحمد سعيد، والتى أخرجها الفنان على الغندور؛ نظرا لتطاولها المرذول على عبدالناصر نفسه وتشكيك الشعب فى ثورته، علاوة على ركاكتها الفنية، ومع ذلك رفض الأمن قرار الرقابة، وظلت المسرحية تعرض لفترة طويلة، كما جاء فى كتاب الدكتور على الراعى «هموم المسرح وهمومى»! المرة الثالثة التى تدخلت فيها الرقابة كانت حين أوقفت فى ليلة البروفة النهائية عرض مسرحية «الحسين ثائرًا» لعبدالرحمن الشرقاوى، وتمثيل عبدالله غيث، والمزمع عرضها فى المسرح القومى، الأمر الذى تحايل عليه مخرج العرض الفنان كرم مطاوع وهرع إلى ميدان العتبة ليدعو المارة وعابرى السبيل إلى دخول المسرح ليشاهدوا البروفة النهائية مجانا، وكان ذلك فى سنة 1968، كما ذكر فاروق عبدالقادر فى كتابه الذى سبقت الإشارة إليه! يقول الدكتور على الراعى الذى تولى رئاسة مؤسسة المسرح منذ عام 1959 حتى سنة 1967 عن تلك الفترة فى كتابه المدهش «هموم المسرح وهمومى».. يقول: «انصرف جزء من شهادتى إلى تسجيل وتفصيل الأعمال التى قمت بها فى خدمة المسرح مدة إشرافى عليه، اضطررت - على كره منى - أن أتحدث بلغة أنا، وهى غير محببة إلىّ، بعدما مرت سنون كثيرة على هذه الأعمال، فنُسيت أو تنوسيت أو نسبت إلى الغير عمدا أو عن غير قصد، بعدما- وهذا أفدح ما فى الأمر- جاءت أجيال جديدة لم تنسَ أو تتناسَ أو تنسب إلى الغير، لأنها لم تعرف أصلا إن كان هناك مسرح مزدهر وارف الظل يبسط نوره وعطره وزهره على الناس فى الخمسينيات والستينيات». انتهى كلام على الراعى، ولم ولن ينتهى الحديث عن ازدهار المسرح فى عهد الزعيم! للمزيد من التحقيقات والملفات... ننشر خطة الإخوان استعدادًا ل25 يناير.. تسخين الأجواء وتحويل الجامعات إلى ساحات اقتتال.. زحف عناصر الجماعة للقاهرة واستئجار شقق بمحيط التحرير.. إرباك منظومة الأمن واقتحام السجون لتهريب مرسى والقيادات بحضور سياسيين وفنانين ورجال دين.."كمل جميلك" تنظم مؤتمرها العاشر..وتؤكد: 25 مليون توقيع تطالب السيسى بالترشح للرئاسة..فريدة الشوباشى: عليه الاستجابة للجماهير..ونهال عنبر للفريق:الشعب يحتاج حنيتك وقوتك يوسف الحسينى يكتب: حيرة العربى «مصطفى الحسينى»