تعرض حالياً علي مسرح ميامي مسرحية »بلقيس« للمخرج الكبير أحمد عبدالحليم التي يعود بها للإخراج بالمسرح القومي بعد غياب استمر أكثر من عشرة أعوام منذ آخر مسرحياته »الملك لير« التي عرضت لمدة ثمانية أعوام متتالية بنجاح كبير. الفنان القدير أحمد عبدالحليم مخرج كبير ورجل مسرح من الطراز الرفيع، حمل علي عاتقه قضايا وهموم الوطن وقدمها في الكثير من أعماله المسرحية التي تعد من العلامات البارزة في مسرح الستينيات وفي تاريخ المسرح المصري. في حواره مع »الوفد« يتحدث عن عرض »بلقيس« وظروف إنتاجه وأيضاً حال المسرح المصري وروشتة علاجه وغيرها من القضايا المهمة: سألته في البداية عن مسرحية »بلقيس« وظروف إنتاجها؟ - قبل أن أتحدث عن »بلقيس« ينبغي أن أذكر مفارقة مهمة وهي انني بعد أن قدمت »الملك لير« بالمسرح القومي عام 2001 وظلت تعرض بنجاح لمدة ثماني سنوات، وبعد عرضها بحوالي سنتين استدعاني المخرج الكبير هاني مطاوع رئيس البيت الفني للمسرح وقتها حينما استشعر نجاح »الملك لير« ورأي أنني أستطيع تقديم عروض ترتبط بالجماهير وتحقق المعادلة الصعبة، طلب مني تقديم مسرحية »جواز علي ورقة طلاق« بالمسرح الحديث عام 2003.. ومنذ هذا التاريخ لم أقدم أي مسرحية بمسرح الدولة باستثناء عرض للطفل عام 2005، علي الرغم من وجود مشروع لي بعنوان »عائلة صابر« مأخوذ عن النص العالمي »العائلة توت« وقام بإعدادها الشاعر طاهر البرنبالي وهي تنتمي لنوعية العروض »التراجيكوميدي« ولم يتم الالتفات إليها، حتي حدثني الدكتور أشرف زكي وعرض علي تقديم مسرحية »بلقيس« وقرأتها وأعجبت بها ووافقت علي إخراجها بعد جلسات مع الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن حيث أعجبت بها وبمضمونها وبالرموز التي تمتلئ بها، وبعد ذلك واجهت المسرحية بعض العراقيل والمعوقات حتي جاء الفنان رياض الخولي وأحيا المشروع من جديد بكل الحب وبدأنا في ترشيح الأبطال حتي انتهينا منها يوم 25 يناير وكان مفترضاً افتتاحها يوم 27 يناير ولكن قيام الثورة حال دون ذلك. المسرحية مليئة بالرموز والإسقاطات علي النظام السابق.. هل واجهت مشاكل رقابية؟ - كان بداخلي بعض المخاوف من وجود اعتراضات رقابية علي بعض الرموز والتلميحات الموجودة في النص والعرض لكنني فوجئت بموافقة الرقابة عليها قبل ثورة 25 يناير وتفسيري لذلك أن النظام السابق كان يعطي هامش الحرية من باب »هما يقولوا اللي عايزينه وإحنا نعمل اللي عايزينه« وأنا أعتبر أن المسرحية من ارهاصات الثورة المصرية النبيلة التي استطاع شباب مصر الواعي كسر حاجز الخوف الذي نما بداخلنا نحن الكبار علي مدار أجيال مختلفة، وقد تم افتتاح المسرحية منذ 20 يوماً ونحن من وقتها نحاول استعادة جمهور المسرح الذي ابتعد قليلاً نظراً لظروف الأحداث الأخيرة والغياب الأمني. حدثنا عن اختياراتك للفنانين وعناصر العرض المسرحي؟ - أود أن أؤكد في البداية أنني فخور بالعمل مع هذه المجموعة المتفانية في العمل وأشيد بجهدهم وحرصهم علي نجاح العمل فقد كانت الفنانة رغدة خير معين لي في التجربة، فهي متمكنة في اللغة العربية وفنانة متميزة ولها تجربة عريقة في التمثيل المسرحي والسينمائي، والفنان أحمد سلامة الذي سبق لي التعاون معه في أكثر من عمل وأيضاً باقي فناني العرض أحمد عبدالوارث ومفيد عاشور وشادي سرور وعهدي صادق وفوزي المليجي وزينب وهبي ورحاب الغراوي ونهير أمين وصبري عبدالمنعم وكلهم أدوا أدوارهم علي مستوي عال، بالإضافة لمجموعة العمل من الاستعراضات للدكتور عاطف عوض والديكور لصلاح حافظ والموسيقي لهيثم الخميسي والأشعار لمصطفي سليم والأزياء لنعيمة عجمي. خلال مشوارك الإبداعي بالمسرح عاصرت ثلاثة رؤساء.. في رأيك أي العصور الثلاثة كان المسرح فيها أكثر تألقاً؟ - بالتأكيد فترة الستينيات حيث قدمت مع رواد المسرح كرم مطاوع وسعد أردش وجلال الشرقاوي وبعدهم سمير العصفوري وغيرهم عدد كبير من العروض المهمة في تاريخ المسرح المصري وكنا وقتها نقدم نقداً للنظام في مسرحياتنا ولكن بشكل رمزي ومستتر وغير مباشر، وعندما جاء عصر السادات والانفتاح، تلون المسرح المصري بصبغة مختلفة جعلتنا ننفر منه فسافرت للكويت لمدة 22 سنة وتبعني كرم مطاوع وقضي سنتين في الكويت و4 سنوات في العراق، وسعد أردش 6 سنوات في الكويت، وفي عهد مبارك كان هناك هامش حرية بالمفهوم الذي ذكرناه في البداية وبالنسبة لي كانت هناك عملية عزل مقصود لي دون أن أعرف السبب وربما كانت سياسة عزل الكبار عن الشباب عملية مقصودة لدي بعض المسئولين في البيت الفني للمسرح. ما تقييمك لحال المسرح المصري في الفترة السابقة؟ - المسرح المصري له تاريخ طويل وريادة للمنطقة العربية كلها ولن يستعيد دوره الريادي سوي بزيادة الاهتمام من جانب الدولة به، فالمسرح خدمة ثقافية لابد أن تلقي رعاية واهتماماً أكبر من التي شهدها في عصور سابقة. وكيف يتم ذلك في تصورك؟ - المسرح يواجه تحديات كبيرة أبسطها أن المسرح ليس متوفراً به التقنيات الفنية الكاملة الواجب توافرها حتي يقاوم المسرح صناعة الإبهار لمواجهة التطور الحادث في السينما والتليفزيون، كذلك لابد من إقامة دور عرض مسرحية في المدن الجديدة مثل العاشر من رمضان وأكتوبر والتجمع الخامس، وغيرها.. أيضاً لابد من إعادة الهوية لكل مسرح بدلاً من التضارب الذي كان سائداً لغياب القيادات الواعية. كيف كان تقييمك لعلاقة الوزير فاروق حسني بالمسرح المصري؟ - للأسف لم يهتم فاروق حسني بالمسرح بالقدر الكافي والمطلوب منه كوزير للثقافة مع كامل احترامي وتقديري له كفنان إلا أنه لم يضع المسرح ضمن أولوياته ولم يأخذ مكاناً مناسباً في أجندته مقارنة بفنون أخري والدليل علي ذلك أنه كان يترك المسرح في أيادي مسئولين يتلاعبون به حسب أهوائهم. في رأيك من هو أفضل رئيس للبيت الفني في الفترات السابقة؟ - اعتبر فترة رئاسة الناقد الكبير سامي خشبة هي النموذج الأمثل وما عدا ذلك هناك اجتهادات لم تكن علي المستوي المطلوب، وبدون ذكر أسماء كانت الأهواء الشخصية هي المتحكم في بعض الفترات وكانت حجر عثرة طريق المسرح المصري. ما رأيك في الأعمال التي عرضت مؤخراً عقب الثورة؟ - اعتبرها من ضمن مسرحيات المناسبات التي لن تعيش طويلاً ولكنها ترتبط بالحدث الحالي فقط ولكنها في بعض الأحيان تقول كلمة طيبة وهادفة مثل مسرحية »هنكتب دستور جديد« للمخرج الشاب مازن الغرباوي. وما رأيك في قرار وزير الثقافة بإجراء انتخابات لمديري المسارح؟ - اندهشت في البداية من القرار ولكن لا نستطيع الحكم علي الأمر إلا بعد خوض التجربة فقد تؤتي ثماراً جيدة وإذا لم يحدث فيمكن تغييرها. كنت عضواً في لجنة إنقاذ المسرح المصري مع الفنان محمد صبحي.. فما مصير هذه اللجنة؟ - لم نجتمع سوي مرة واحدة فقط ولم نلتق بعد ذلك ومع احترامي وتقديري للفنان الكبير محمد صبحي إلا أنني لم أفهم سر ازدواجية أن يكون هناك لجنة لإنقاذ المسرح في ظل وجود لجنة أخري للمسرح بالمجلس الأعلي للثقافة بها عدد كبير من المسرحيين من أجيال مختلفة، وتقوم بصياغة أفكار وخطط لتطوير المسرح. ولماذا لا تفعل هذه الأفكار؟ - لأن هذه التوصيات ليست ملزمة وهذا ما يعيبها وأتمني أن يتم تغيير هذا في الفترة القادمة وأن تكون هذه القرارات والتوصيات محل التفعيل. ما رأيك فيما يحدث حالياً من تجاهل لإكمال تجديدات المسرح القومي؟ - ما يحدث مع المسرح القومي حالياً »أكبر عار« وتقصير في حق المسرح المصري كله الذي يعد المسرح القومي عنواناً له، لابد من النهوض به في أفضل صورة وفي أسرع وقت. ما مشروعك المسرحي القادم؟ - أحلم بتقديم مشروع مسرحي لوليم شكسبير لم أحدده بعد ولكنني منذ أن درست في إنجلترا وأنا تستهويني أعمال شكسبير التي لم أقدم منها سوي »الملك لير« فقط.