ربما تختلف الآراء حول ما أنجزته ثورة 23يوليو علي المستوي السياسي والاقتصادي.. ولكن لا خلاف علي أن المسرح المصري قد شهد مع تلك الثورة نهضة حقيقية. وأن السنوات الخمس عشرة الأولي التي أعقبت قيام الثورة من عام 1952 إلي عام 1967 تعد العصر الذهبي للمسرح المصري والعربي علي حد سواء وفي تلك الفترة أسست العديد من الفرق المسرحية ولمعت عشرات الأسماء لكتاب ومخرجين وممثلين أفذاذ تركوا بصماتهم الواضحة في تاريخ فن المسرح في مصر.. ولعل من أسباب تلك النهضة الفنية وجود اهتمام بحركة النقد الفني توازي الاهتمام بالابداع ومثال ذلك صدور مجلة المسرح عن مسرح الحكيم توزع في مختلف البلدان العربية.. وفي عددها رقم 13 بتاريخ يوليو 1966 قدمت مجلة المسرح دراسة شاملة لمسرح ثورة يوليو في حوالي 400 صفحة ليباع ذلك العدد الممتاز بعشرة قروش.. ومنه نحمل إلي القاريء في عصر الحرية والكرامة مع ثورة 52 يناير رؤي وشهادات مبدعي المسرح في فترة الستينيات من القرن الماضي. في البداية يقول الأستاذ توفيق الحكيم في ندوة بمكتبه بجريدة الأهرام ضمت كلا من الأساتذة نجيب محفوظ ونعمان عاشور وأمين يوسف غراب وثروت أباظة والدكتور رشاد رشدي ،وكان الحكيم يروي ذكرياته مع بداية المسرح القومي قائلا: «كنا في الماضي نكتب المسرحية التي يقرأها زكي عكاشة علي أولاده فإذا نام الأولاد فالمسرحية فاشلة - وكنا برغم ذلك حريصين علي الكتابة - وعندما ظهر المسرح القومي تيقظ في داخلي رجل المسرح - وعندما أرادوا افتتاح المسرح القومي بمسرحيتي أهل الكهف؟ اعترضت.. ولكن زكي طليمات تحايل وقدم من خلالها عملا جيدا. كان المخرجون يحترمون النص لأنه نص أدبي ولا يمكنهم التصرف فيه إلا بموافقتي ورغم تحايل زكي طليمات ورغم عرض نبيل الألفي لنفس المسرحية، لكنها تحتمل اخراجات مختلفة .. ففي الفصل الأول مثلا تستطيع تجسيد كل كلام «الفلاش باك» مع وضع «سبوتلايت» على الممثل هذا ممكن الآن بعد استفادتنا من التجارب الحديثة بعد ظهور ميللر.. وفي هذا العصر يجب أن تستفيد من التجارب الحديثة. وكان رأي الأستاذ نجيب محفوظ حول مسرحة الروايات كالتالي: «يجب أن نعتبر المعد فنانا مستقلا والمعد لا يستطيع الالتزام بالنص الأصلي لأنه فنان.. فالرواية بالنسبة للمعد المسرحي كأنها مادة خام ولذلك فالحدث في روايتي ربما لا يكون مهما بالنسبة للمعد وهو حر في رؤيته». أما الكاتب نعمان عاشور فيقول إنني أتجاوب مع الواقع دائما.. كاتب اجتماعي قبل كل شيء وملتزم بالطبقة الشعبية بالدرجة الأولي والجمهور الواعي هو الذي يكشف الكاتب الملتزم ونوع التزامه وإذا كان هناك بعض ظلام في المرحلة التي يعيشها المسرح الآن فاعتقد - أو هكذا أتمني - أن يكون المسرح متجها إلي النهار لا إلي الليل« ولعله يجدر بنا أن نتوقف عند احساس نعمان عاشور بظلام المرحلة التي نعتبرها الآن أزهي عصور المسرح المصري .. هل ذلك بسبب فقدان الحرية والقيود التي كانت تفرض علي الكتاب في تلك المرحلة؟ أم أنها الرغبة في تقديم الأفضل وعدم الرضا الذي يلازم بعض المبدعين لأن العمل الأفضل في نظرهم لم يكتب بعد؟! وهي رؤية الدكتور يوسف ادريس حيث يقول: »لم أرض للآن عن مسرحياتي أو قصصي.. ولا حتي عن شخصي فمثلي الأعلي في المسرح والقصة والشخصية مكابر وعنيد وبعيد وصعب ويكاد يكون مستحيل التحقق وكل الأمل الذي أعيش عليه ويدفعني للكتابة المستمرة أن أنجح مرة في الاقتراب أدق ما يكون الاقتراب مما أريد.. أما موقفي من عرض مسرحياتي فهو في الحقيقة لا يختلف كثيرا من موقف أي متفرج.. لاني أكتبها معروضة ومن الصعب أن تجد انسانا غيرك يعرض عملك بمثل ما أردته تماما ولهذا لابد أن تتخذ من المخرج الذي يتصدي لتقديم العمل موقف المتفرج باعتباره هو الذي سيتحمل مسئولية القرب أو البعد عن روح النص المكتوب». أما الكاتب المسرحي د. رشاد رشدي فيقول: «الثورة أعطتنا الحافز وفتحت أمامنا آفاقا واسعة وحققت لنا أحلاما كثيرة من أحلام الصبا.. كل هذا حدث ولكن علينا بعد ذلك أن نساعد أنفسنا فنحن نتعرض لصراع مستمر - صراع دفين بين ما كان وما هو كائن.. بين ما نحن عليه وما نحب أن نكون فيه.. وإلي أن نتخلص مما هو كائن.. ومما هو دفين ومما يتناقض مع الحاضر ومع رغبتنا لا يمكن أن تستوي النفوس فالماضي بكل مستوياته وصوره هو بالنسبة الينا كالقدر بالنسبة للبطل الاغريقي. أما الكاتب المسرحي سعد الدين وهبة فيقول: لقد عكست في مسرحياتي خطين أساسيين الأول انني قدمت الفلاح المصري علي المسرح بلا مبالغة للسخرية منه وبلا استجداء يثير الاشفاق عليه.. قدمته كمخلوق يمكن أن يثور ويعترض ويتسامح في الوقت المناسب، ولكنه لا يمكن أن يقهر إلي الأبد وهذا واضح في ثلاث مسرحيات هي «المحروسة»، «كفر البطيخ» «كوبري الناموس» ثم قدمت في الخط الثاني نقدا بناء لمجتمع ما بعد الثورة برغبة الاخلاص في الحفاظ علي مكاسبه من الانتهازيين فقدمت نماذج حية من طوائف مختلفة الرأسمالي الوطني - والبيروقراطي ثم قدمت المثقف السلبي وعكست انتهازية الطبقة المتوسطة، وهذا واضح في سكة السلامة أولا وفي بئر السلم أخيرا، ويقول الفريد فرج انني اعتبر كل موضوعات مسرحياتي ثورية فأنا أكتب كتابة واعية ومنفعلة مع ما أؤمن به ولا اعتمد علي هواجس العقل الباطن فيما أكتب - وأعرف سلفا ما أريد أن أعكسه علي الجمهور من معان وحريص أن تكون هذه المعاني تقدمية وثورية، أما الكاتب المسرحي عبد الرحمن الشرقاوي فيقول هذه الثورة كشفت عن بطولة الناس البسطاء في شعبنا، وأكدت خلاله الدور الذي قامت به القوي الشعبية عبر تاريخنا وفي حاضرنا لكي تسيطر علي المستقبل، وأوضحت حب شعبنا للسلام وتمسكه بالإخاء الدولي، ودفاعه عن العدالة وحبه العميق للحقيقة ورواية الأرض كنت قد فكرت طويلا في كتابتها قبل الثورة، ولكني لم أستطع أن أكتبها إلا بعد الثورة.