ما يحدث في 'مصر' هذه الأيام، يدفع الوطن إلي إبحار وسط عواصف هوجاء، تنذر بمخاطر جمة صوب طريق، معبد بالآلام .. والثأرات .. والنزيف الدائم. ما يحدث .. إن في سطح الحياة السياسية، وإن في قلب ميدان التحرير وميادين الشرف علي أرض الوطن، يحفر شروخًا، لا تندمل .. فصراعات الساسة، بلغت قمتها، ونتوءات الخلاف تكبر، وتتضخم، وأبناء الوطن يتقاتلون، ويسفكون دماء بعضهم البعض، ليبقي الجرح عميقًا، وليواصل الوطن دورانه في حلقات مفرغة، تأبي التوقف، بعد أن غلبت 'المصالح' عند البعض علي 'المبادئ' .. وباتت الرغبة في الاستقرار علي كرسي البرزلمان، أو كرسي الرئاسة أكثر أهمية من استقرار الوطن، وتوطيد دعائمه، وتثبيت أركانه. رياح مسمومة، تهب علي جنبات الوطن، تحمل الشر، وتسعي لهدم شراعات الحياة، وتمزيق أوصال الأمة، ودفع البلاد نحو هاوية سحيقة، لا تنجو منها أبدًا. هو مخطط، يتحرك بتدبير محكم، وتنظيم مسبق، يستهدف عمق الوطن، وقلبه، يستخدم من الوسائل والأساليب، ما يجعل الأوضاع عند لحظة الصدام الدائم. قد تبدو الأمور طبيعية في الظاهر، لكن دوامات ما يجري تكشف الحقائق المرة، والتي تؤكد في كل مرة أن استهداف مصر، بات أمرًا حيويًا في أجندة المخططات الأجنبية. يستغلون وقائع عارضة، وخلافات مؤقتة، ثم يديرون دفتها، بحيث تبدو المواجهات طبيعية، والخلافات عادية .. لكن المتربصين بأمن الوطن، واستقراره لا يألون جهدًا في توظيف ما لديهم من أدوات لتنفيذ مخططاتهم. في الداخل، يتصارع الساسة مع العسكر، وينهجون من الأساليب ما يحقق أهدافهم .. ولا غبار علي حق القوي السياسة في التعبير عن موقفها، لكن الحذر، والخطر هو في الوقوع في مكائد الشياطين، المدبرة سلفًا، والتي تدفع بالوطن صوب دوامات عنف لا يتوقف، وجروح لا تندمل. لا أحد بالطبع يقبل بهذا السلوك غير المبرر لرجال الأمن تجاه شباب، جاءوا لميدان التحرير، يشكون إهمال الدولة لهم، وتجاهل قضاياهم، ومشكلاتهم .. لا أحد أبدًا يمكنه تجاهل حقوق مصابي الثورة الظافرة 'ثورة 25 يناير' .. وما كان يجب تحت أي ظرف من الظروف استخدام القنابل المسيلة للدموع، لمواجهة صرخات الظلم، والإهمال، التي جاء هؤلاء ليعبروا عنها من قلب الميدان الذي شهد انتصار الثورة علي نظام القمع والفساد الذي جثم علي أنفاس المصريين لثلاثين عامًا خلت. لكن أحدًا لا يقبل أيضًا أن يكون الاعتداء علي رجال الأمن، وإهانتهم هو الحل لنيل الحقوق .. فمصرنا تعاني ألمًا عميقًا، ونعيش واقعًا صعبًا، يعبر عن نفسه في تلك الحالة من الاهتراء، والانفلات الأمني، وانتشار دوامة العنف، والبلطجة، والدماء التي تسيل في طول البلاد وعرضها .. وهو واقع يدفع الشرفاء في هذا الوطن، وفي مقدمتهم شباب الثورة الأبطال، لأن يعملوا، وبكل ما أوتوا من قوة، وتأثير، لانقاذ البلاد مما هوت إليه من فوضي، وانفلات، وأن يدفعوا صوب خروج الوطن من بحر الأمواج المتلاطم الذي ينجرف إليه بين لحظة وأخري. خيط سميك يربط الأحداث كلها .. فالعنف الذي تفشي أمام مديرية أمن الجيزة، ثم المأساة التي تجسدت أمام ماسبيرو، ومحاولات الهجوم المتكررة علي وزارة الداخلية، وحتي السبت الأسود 'الذي شهد صدامات ميدان التحرير المأساوية .. كل ذلك يكشف أننا بتنا أمام منحدر خطير، تنحدر إليه البلاد، ما لم يتمسك عقلاء المجتمع بالحكمة لمعالجة أزماته المتداعية. البيوت في مصر حزينة علي ما يجري .. الناس مذهولون من حجم المآسي التي تهوي إليها البلاد .. الخوف يعم جنبات الأسر علي ما يجري، والأمل في إجراء انتخابات نزيهة، وبدون عنف، يتراجع أمام ما تشهده البلاد من أحداث. قلب الوطن مجروح، وعقله متخم بالمشكلات والأزمات، وأبناؤه حائرون، ومنقسمون .. وصورة المستقبل تزداد قتامة، والأمل في الله سبحانه وتعالي، وعزيمة الشرفاء من أبناء الوطن، فهلا لبوا النداء لنجدته قبل أن تغرقنا دوامات العواصف الجارفة.