يعتبر الإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا إذ يشكل المسلمون ما يقارب ال10% من إجمالي السكان ، ولأن فرنسا منفتحة على الأديان والثقافات يوجد الآن ما يزيد على 2260 مسجد وزاوية للعبادة بفرنسا وما يقارب ال60 مسجد ومركز إسلامي تغطي سائر المدن الفرنسية ، ومن أشهرها وأقدمها المسجد الكبير بباريس التابع لمجلس الديانة الإسلامية . استطاعت الجالية الإسلامية الكبيرة في باريس وسائر المدن الفرنسية أن تجعل لأعيادها وشعائرها الدينية طابعا مميزا يختلف عن سائر المدن الأوروبية الأخرى .
وأصبح الفرنسيون أنفسهم يشعرون بعبق تلك المناسبات ويرون الكثير من المظاهر الاحتفالية المتعددة بتعدد أبناء الجالية الإسلامية فيما بينها والتي تجتمع في احتفالياتها حول ظاهرة بعينها وإن تفاوتت فيما بينها في اختلاف العادات والتقاليد ولكنها في النهاية تتعلق بالمناسبة الدينية والتوحد حول شعائرها وأداء فرائضها ، وكل ذلك بالفعل أثرى الاحتفالات والمناسبات المختلفة ، وبدأ المسلم المهاجر يعيش الجو الديني والترفيهي فانكسر حاجز الغربة ، ومن أهم تلك المناسبات الغالية على قلوب المسلمين وقلوب الجالية الإسلامية بفرنسا هو قدوم شهر رمضان المبارك والاستعداد الكبير له ليصبح بتعدد مظاهره على قائمة الاحتفالات الدينية الأخرى ، وقد لوحظ أنه من عام لعام تتزايد المظاهر الاحتفالية به من خلال استعداد الجالية لاستقباله لدرجة بسبب تعدد الجاليات تشعر بأنك ترى احتفالات ومظاهر الاحتفال والاستعداد له من صلاة وإفطار وصدقات لكل بلاد العالم الإسلامي ، فمع اليوم الأول من هذا الشهر اكتظت السلع الرمضانية وشتى متطلبات الجالية في المحلات العربية والفرنسية وأيضا في الأسواق الشعبية التي تقام في الأحياء الباريسية طوال الأسبوع وفي شتى المدن الفرنسية الأخرى ، فالسلع الرمضانية منتشرة ومتوافرة لدى البائعين مع إقبال كثيف لأبناء الجالية على الشراء لإعداد الأطعمة المختلفة وإعداد الحلوى الرمضانية الشرقية منها والمغاربية التي تقدم عند الإفطار ، وتكثر الزيارات في جو من التآخي والكرم العربي والإسلامي للضيافة داخل البيوت وخارجها بالمطاعم العربية التي تقدم الأطعمة المعدة لهذا الشهر وتتنافس فيما بينها لجلب الزبائن من الصائمين ، كذلك تمتلئ محلات البقالة العربية ومحلات بيع اللحوم على الشريعة الإسلامية وأيضا محلات الحلوى الرمضانية بمسمياتها المختلفة التي يحرص الصائم على تناولها عند الإفطار ، كما تجد مظاهره بالأسواق الشعبية المنتشرة في باريس والمدن الفرنسية ، لذلك تتصدر مبيعاتها بجانب التمور والمكسرات واللحوم قائمة المشتريات ثم إن الأحاديث التي تدور قبل وإثناء تناول الإفطار وتناول حبات التمر من أيد لأيد مع التهنئة بالإفطار والشهر المبارك ، ثم تناول أكواب الحليب بالقهوة المصحوبة بالفطائر والحلوى إيذانا بقدوم أطباق الشوربة ،وكذلك يشعر الصائم بالجو الرمضاني الذي افتقده في بلاده.
ويعتبر المسجد الكبير بباريس وكأنه قبلة المسلمين في فرنسا وعادة تجد تجمعات كبيرة للمصلين وبخاصة أثناء صلاة الجمعة و صلاة التراويح وداخل المسجد تنبعث روائح طيبة من المسجد كالبخور ورائحة المصلين الطيبة وتجد في مدخل المسجد كميات كبيرة من المساعدات العينية كالمأكولات والأطعمة والتمور والألبان والمياه التي يقدمها المقتدرون من أبناء الجالية في شكل صدقات للفقراء والمحتاجين الذين ينتشرون حول المساجد لطلب الحاجة تماما مثل ما يحدث عند ساحات مساجدنا الشهيرة بالقاهرة والمدن المصرية .
كما أن الإذاعات العربية كإذاعة الشمس والشرق وإذاعة فرنسا المغرب تقوم بتقديم البرامج الدينية والترفيهية والأغاني الرمضانية والفوازير وكثير من البرامج المعدة لشهر رمضان وبخاصة البرامج المفتوحة مع جمهور الصائمين ، وتقوم إذاعة الشرق بنقل صلاة التراويح من الحرم مباشرة للجالية الإسلامية بفرنسا . لقد تضافرت كل تلك العادات وخلفت الإحساس بالجو الرمضاني في العاصمة الباريسية وسائر المدن الفرنسية لكثرة عدد الجالية الإسلامية بها ، وانتقلت مظاهرها إلى باقي العواصمالغربية الأخرى ، لذلك قامت الأسواق والمحلات الفرنسية الكبرى بتقديم السلع الرمضانية وأطعمة الحلال لأبناء الجالية .ففي محلات كارفور الشهيرة ومحلات اوشان ، وكذلك محلات أودى ، ومترو تجد أنواعا كثيرة من أجود التمور العربية وبخاصة الجزائرية والتونسية ، والمكسرات بكل أنواعها والمشروبات والألبان والحلوى ،واللحوم التي كتب عليها مذبوحة حسب الشريعة الإسلامية ناهيك عن المحلات والمقاهي العربية .
وفى الإحياء الشعبية الشهيرة في باريس كمنطقة باربس الشهيرة بالدائرة الثامنة عشر تجد تجمعات الشباب من أبناء الجالية والإقبال على شراء الكتب الدينية وأشرطة القرآن وشراء البخور وغيرها ، كما تسمح السلطات الفرنسية للمساجد والمقاهي والمطاعم بفتح أبوابها لوقت متأخر من الليل تشجيعا منها لأبناء الجالية ليتمكنوا من ممارسة شعائرهم وعادتهم الرمضانية ، ففي وقت متأخر من الليل تشهد بعض المقاهي والمطاعم المغاربية ممارسة بعض الألعاب الجماعية من أجل الترفيه والترويح وهي ألعاب مخصصة لشهر رمضان ، كما تشهد حركة السير في الطرق بباريس ازدحاما كبيرا وبخاصة في الساعة التي تسبق موعد الإفطار مما يسبب ارتباكا كبيرا وتشكل حالات طوارئ طوال الشهر المبارك لتنظيم حركة المرور في الإحياء التي تسكنها أغلبية عربية وإسلامية كما يلاحظ خلو الكثير من المطاعم الفرنسية والعربية طوال شهر رمضان حتى أصبح الفرنسيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى يعرفون رمضان ويقدرونه جيدا بعد أن أصبح جزءا من ثقافتهم ، إن قضاء رمضان في فرنسا بما يحتوي عليه من مظاهر سرية لإقبال الجاليات الإسلامية عليه والقيام بالعبادة على أكمل وجه يعتبر من أجمل الأيام التي تعيد للأذهان أزمنة التراث الإسلامي وعاداتها الأصيلة في بلداننا كما أنه يدخل البهجة في النفوس ويؤثر على أجواء الحياة وطابعها بفرنسا .