استطاعت الجالية الإسلامية الكبيرة في باريس وسائر المدن الفرنسية أن تجعل لأعيادها وشعائرها الدينية طابعا مميزا يختلف عن سائر المدن الأوروبية الأخري. وأصبح الفرنسيون أنفسهم يشعرون بعبق تلك المناسبات ويرون الكثير من المظاهر الاحتفالية المتعددة بتعدد أبناء الجالية الإسلامية فيما بينها والتي تجتمع في احتفالياتها حول ظاهرة بعينها وإن تفاوتت فيما بينها في اختلاف العادات والتقاليد ولكنها في النهاية تتعلق بالمناسبة الدينية والتوحد حول شعائرها وأداء فرائضها، وكل ذلك بالفعل أثري الاحتفالات والمناسبات المختلفة، وبدأ المسلم المهاجر يعيش الجو الديني والترفيهي فانكسر حاجز الغربة، ومن أهم تلك المناسبات الغالية علي قلوب المسلمين وقلوب الجالية الإسلامية بفرنسا يأتي الاحتفال بقدوم شهر رمضان المبارك والاستعداد الكبير له علي قائمة الاحتفالات الدينية الأخري، وقد لوحظ أنه من عام لعام تتزايد المظاهر الاحتفالية به من خلال استعداد الجالية لاستقباله، فمع اليوم الأول من هذا الشهر اكتظت السلع الرمضانية وشتي متطلبات الجالية في المحلات العربية والفرنسية وأيضا في الأسواق الشعبية التي تقام في الأحياء الباريسية طوال الأسبوع وفي شتي المدن الفرنسية الأخري، فالسلع الرمضانية منتشرة ومتوافرة لدي البائعين مع إقبال كثيف لأبناء الجالية علي الشراء لإعداد الأطعمة المختلفة وإعداد الحلوي الرمضانية الشرقية منها والمغاربية التي تقدم عند الإفطار، وتكثر الزيارات في جو من التآخي والكرم العربي والاسلامي للضيافة داخل البيوت وخارجها بالمطاعم العربية التي تقدم الأطعمة المعدة لهذا الشهر وتتنافس فيما بينها لجلب الزبائن من الصائمين، كذلك تمتلئ محلات البقالة العربية ومحلات بيع اللحوم علي الشريعة الإسلامية وأيضا محلات الحلوي الرمضانية بمسمياتها المختلفة التي يحرص الصائم علي تناولها عند الإفطار، لذلك تتصدر مبيعاتها بجانب التمور والمكسرات واللحوم قائمة المشتريات ثم إن الأحاديث التي تدور قبل وإثناء تناول الإفطار وتناول حبات التمر من أيد لأيد مع التهنئة بالإفطار والشهر المبارك، ثم تناول أكواب الحليب بالقهوة المصحوبة بالفطائر والحلوي إيذانا بقدوم أطباق الشوربة، وكذلك يشعر الصائم بالجو الرمضاني الذي افتقده في بلاده. وعند المساجد التي انتشرت وتزايدت بكثرة ووصلت في فرنسا لأكثر من مائتين مسجد وزاوية أهمها مسجد باريس الكبير الذي يعد قبلة المسلمين في فرنسا وعادة تجد تجمعات كبيرة للمصلين وبخاصة أثناء صلاة الجمعة و صلاة التراويح وداخل المسجد تنبعث روائح طيبة من المسجد كالبخور ورائحة المصلين الطيبة وتجد في مدخل المسجد كميات كبيرة من المساعدات العينية كالمأكولات والأطعمة والتمور والألبان والمياه التي يقدمها المقتدرون من أبناء الجالية في شكل صدقات للفقراء والمحتاجين الذين ينتشرون حول المساجد لطلب الحاجة تماما مثل ما يحدث عند ساحات مساجدنا الشهيرة بالقاهرة والمدن المصرية. كما أن الإذاعات العربية كإذاعة الشمس والشرق وإذاعة فرنسا المغرب تقوم بتقديم البرامج الدينية والترفيهية والاغاني الرمضانية والفوازير وكثير من البرامج المعدة لشهر رمضان وبخاصة البرامج المفتوحة مع جمهور الصائمين. لقد تضافرت كل تلك العادات وخلفت الإحساس بالجو الرمضاني في العاصمة الباريسية وسائر المدن الفرنسية لكثرة عدد الجالية الإسلامية بها، وانتقلت مظاهرها إلي باقي العواصمالغربية الأخري، لذلك قامت الأسواق والمحلات الفرنسية الكبري بتقديم السلع الرمضانية لأبناء الجالية.ففي محلات كارفور الشهيرة ومحلات اوشان، وكذلك محلات أودي، ومترو تجد أنواعا كثيرة من أجود التمور العربية وبخاصة الجزائرية والمكسرات بكل أنواعها والمشروبات والألبان والحلوي، واللحوم التي كتب عليها مذبوحة حسب الشريعة الإسلامية ناهيك عن المحلات والمقاهي العربية . وفي الإحياء الشعبية الشهيرة في باريس كمنطقة باربس الشهيرة بالدائرة الثامنة عشر تجد تجمعات الشباب من أبناء الجالية والإقبال علي شراء الكتب الدينية وأشرطة القرآن وشراء البخور وغيرها، كما تسمح السلطات الفرنسية للمساجد والمقاهي والمطاعم بفتح أبوابها لوقت متأخر من الليل تشجيعا منها لأبناء الجالية ليتمكنوا من ممارسة شعائرهم وعادتهم الرمضانية، ففي وقت متأخر من الليل تشهد بعض المقاهي والمطاعم المغاربية ممارسة بعض الألعاب الجماعية من أجل الترفيه والترويح وهي ألعاب مخصصة لشهر رمضان، كما تشهد حركة السير في الطرق بباريس ازدحاما كبيرا وبخاصة في الساعة التي تسبق موعد الإفطار مما يسبب ارتباكا كبيرا وتشكل حالات طوارئ طوال الشهر المبارك لتنظيم حركة المرور في الإحياء التي تسكنها أغلبية عربية وإسلامية كما يلاحظ خلو الكثير من المطاعم الفرنسية والعربية طوال شهر رمضان حتي أصبح الفرنسيين وغيرهم من الجنسيات الأخري يعرفون رمضان ويقدرونه جيدا بعد أن أصبح جزءا من ثقافتهم.