يشهد شهر رمضان بهجة خاصة في أنفس المسلمين في فرنسا، وذلك لأنه الشهر الوحيد الذي يستطيع المسلمون فيه إبراز انتمائهم للإسلام بشكل واضح ميسور، وأن يظهروا للمجتمع الفرنسي الطابع الإسلامي. ويعتبر الإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا، إذ يعيش هناك أكثر من خمسة ملايين مسلم، ورمضان له صدى خاص في نفوس المسلمين بفرنسا، لأنه يذكرهم بدايةَ الفتح الإسلامي لهذه المنطقة من العالم، إذ دخل الإسلام لفرنسا في وقت مبكر من تاريخ المسلمين. ورغم ما يعانيه المسلمون في فرنسا ومحاولة سعي فرنسا لصهر المسلمين في المجتمع الفرنسي، وتذويب الشخصية الإسلامية، والتخفيف من مظاهر ارتباطهم بالعادات والتقاليد الإسلامية، يأبى المسلمون إلا المحافظة على عقيدتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وينتظرون مواسم العبادات لتجديد أنفسهم والتحصين من محاولات تذويبهم ، كما يتحمل المسلمون في فرنسا مشقة صيام يدوم 18ساعة يوميا. الجالية المسلمة بفرنسا وتستحضر الجالية المسلمة التي يبلغ عددها خمسة ملايين نسمة (2.1 مليون منهم تتراوح أعمارهم بين 18 وخمسين سنة)، الأجواء الروحية لهذا الشهر من خلال ممارسة الشعائر الدينية والتضامن الاجتماعي. جمعيات خيرية فرنسية وخلال رمضان تتنافس الجمعيات العربية والإسلامية على توزيع وجبات مجانية للفقراء والمهاجرين غير الشرعيين ومن ذلك خيمة "شوربة للجميع" التي تعتمد على التبرعات من المواطنين باختلاف دياناتهم لخلق جو من التعايش داخل المجتمع الواحد ويزورها يوميا 700 شخص. أجواء رمضانية باريسية ورمضان يجعل باريس مدينة أخرى بألوانها وعطورها، حيث لا يشعر زائر هذه الأحياء بأنه في بلد أوربي يأوي بعض المهاجرين المسلمين، بل يحسب أنه في قلب الدار البيضاء أو وهران أو تونس. فغالبية المحلات التجارية في هذه الأحياء تعود ملكيتها إلى مهاجرين من أصول مغاربية، وقد ازدان الكثير منها بمظاهر الاحتفال بهذا الشهر الكريم، بعد أن أضفت لمسة رمضانية على واجهاتها التجارية من خلال أنواع الحلويات المعروضة كالغريبة والبقلاوة والمقروط والفقاص والكعبة والمخرقة، وكذا العجائن والفطائر بمختلف أنواعها، والتمور والمواد الغذائية من ألبان وخضر وفواكه وتوابل. موائد إفطار فرنسية وتقيم المطاعم العربية والإسلامية في فرنسا حفلات إفطار بكل مظاهر الفرحة المتبعة في الدول العربية والإسلامية والتي تستمر حتى ساعات الفجر يوميا. استقبال الشهر ويتهيأ المسلمون في فرنسا لاستقبال هذا الشهر المبارك بصيام أيامٍ من رجب وشعبان، إحياء للسُّنة، وتحضيرًا للنفس لصوم رمضان، وتقوم الهيئات الإسلامية بواجب التوعية والإرشاد من خلال الخطب والنشرات والحصص الإذاعية التي تسمح بها الإذاعات العربية في فرنسا. حلقات القرآن وينظم المسلمون حلقات القرآن والتدريس والوعظ في المساجد ليلاً ونهارًا يؤمها أبناء الجالية على اختلاف أعمارهم وثقافتهم، وهناك كثرة ساعات البث الديني من الإذاعات العربية المحلية، ومما يذكر أن (إذاعة الشرق) في باريس تبث صلاة التراويح يوميًّا من المسجد الحرام في النصف الثاني من الشهر فيحسّ المسلم بانتمائه إلى الأمة الأكبر والأوسع. صلاة التراويح ويتابع المسلمون في فرنسا مواعيد الصلاة والشعائر الدينية الخاصة بشهر رمضان المبارك من خلال إذاعة الشرق في باريس ويشمل بثها جميع المدن الفرنسية الكبرى أيضا، وتنقل الإذاعة التي تبث باللغتين العربية والفرنسية مواعيد الإفطار من خلال إطلاق تسجيل لدوي مدفع رمضان إيذانا ببدء الإفطار. الإفطار الجماعي وتكثر في رمضان حفلات الإفطار الجماعي في المساجد والمراكز الإسلامية وبيوت سكن العمال وطلاب الجامعات، فتشعر حقيقةً بالانتماء إلى عائلة واحدة، لا فرق فيها بين عربي ولا أعجمي إلا بتقوى الله. وتقوم الهيئات الإسلامية بواجب التوعية والإرشاد من خلال الخطب والنشرات والحصص الإذاعية التي تسمح بها الإذاعات العربية. بطاقة تهنئة واهتمام إعلامي ويتجلى الإقبال الكبير على الأسواق والمحلات التجارية في ما تقدمه موائد الإفطار من وجبات عامرة بما لذ وطاب من فطائر ولحوم وخضر وحلويات من كل صنف، فما إن يؤذن المؤذن حتى تتفرغ المعدة لاستيعاب كل الأصناف الواردة عليها وهضمها، فتتحول وجبة الإفطار إلى طقوس ليلية من الانغماس في الأغذية السكرية، تمتد بين غروب الشمس وشروقها. وقد بادرت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا هذا العام، إلى الإعراب عن تضامنها مع المسلمين في هذا الشهر المبارك من خلال طبع آلاف بطائق التهنئة لهم بهذه المناسبة، فيما استعرضت الصحف الفرنسية وفي مقدمتها "لوموند" و"ليبراسيون" و"لوفيغارو" بعناوين بارزة في صفحاتها الأولى، فضائل هذا الشهر بالنسبة للمسلمين ومبادئ التسامح والتضامن التي يحث عليها. وكتبت صحيفة "ليبراسيون" أن التزام الشباب المسلم في فرنسا بالصوم والتقيد بتقاليد رمضان، كما تدل على ذلك استطلاعات الرأي المختلفة (نحو 80% من مسلمي فرنسا يؤدون فريضة الصوم)، ليس سوى تأكيد على أن رمضان هو شهر الهوية والتكافل بالنسبة للمسلمين. ويبدي الكثير من الفرنسيين تحمسا ورغبة كبيرين في صوم رمضان، حيث تثبت استطلاعات الرأي أن عدد الشبان الصائمين بين الفرنسيين يتزايد بشكل كبير. فبالرغم من نشأتهم وترعرعهم في أجواء مسيحية، يصر بعض الفرنسيين على صيام بضعة أيام شهر رمضان أو الشهر بأكمله، إما لإثبات قدرتهم هم الآخرون على الامتناع عن تناول الطعام طيلة اليوم، أو لأنه يمثل حسب اعتقادهم فرصة ذهبية للنحافة، أو فقط لأسباب تضامنية مع زوجاتهم أو أصدقائهم. المغرب في قلب شوارع باريس وقد انتقلت طقوس إحياء رمضان من الضواحي والأحياء المغاربية لتدخل إلى العديد من المكتبات الفرنسية، حيث الإقبال على الكتب الدينية وفي مقدمتها المصحف الكريم بلغ ذروته منذ الأسبوع الثاني من شهر شعبان. وفي ترتيبها الأسبوعي، صنفت مجلة "ليفر إيبدو" (كتب الأسبوع) المتخصصة في الإصدارات ومبيعات الكتب، المصحف الكريم على رأس قائمة الكتب التي ارتفعت وتيرة شرائها بشكل كبير منذ العشر الأواخر من شهر شعبان. ووضعته في المرتبة الثالثة من حيث حجم المبيعات العامة ما بين 10 و20 يونيو، وفي المرتبة الأولى من حيث مبيعات الكتب الدينية والعقائدية بشكل عام (الكتب الإسلامية والمسيحية واليهودية وحتى البوذية وغيرها..). صورة مشوهة ويعاني المسلمون في كثير من الأحيان من جهل الفرنسيين بحقيقة الصيام ونظرتهم إليه كنوع من أنواع تعذيب الجسد، أو الأعمال الشاقة التي يفرضها المسلم على نفسه، وإن كانوا يعلنون تقديرهم لهذا الجلَد والصبر عن الطعام والشراب والتدخين ومقاربة النساء، ومما يزيد في التجهيل ما تبثه بعض محطات التلفاز العربية والعالمية من برامج مخصصة لرمضان يسمونها (سهرات رمضانية)، تمتلئ بالرقص والتهريج، وهو ما يدفع الفرنسيين إلى الظن بأن المسلمين يصومون نهارًا، ويعذبون أنفسهم بالجوع والعطش، ليملئوا بطونهم ويُشبعوا شهواتهم ليلاً . وتقوم بعض المطاعم العربية كذلك بتقديم برنامج خاص برمضان، يبدأ من المغرب إلى وقت الإمساك، يتخلله حفل رقص وغناء ماجن . وللأسف لا يوجد من يتصدى لهذه الحملات التي تسيء الإسلام والمسلمين وجوهر عبادة الصوم، قصد أصحابها أو جهلوا .