الرأسمالية الشرهة الهجين، التى ابتلعت الاقتصاد المصري، وشوهت الحياة الاجتماعية، استطاعت بعبقرية تحسدها عليها أكبر أجهزة المخابرات أن تدمر التنمية وتزرع بالمجتمع ثقافة الاستهلاك القبيحة.. هذه الرأسمالية الغامضة النشأة، التى أتت من الحديقة الخلفية لتجارة المهربات والممنوعات والسوق السوداء وتجارة العملة والمضاربة والسمسرة مع بداية الانفتاح زحفت منذ التسعينيات فى القرن الماضى على قلاع الثقافة الوطنية، فاشترت استوديوهات السينما، ودور العرض، واحتكرت إنتاج واستيراد وتوزيع الأفلام وأنشأت المحطات الفضائية والمحطات الاذاعية، وتغلغلت فى الانتاج الدرامى وإنتاج وتوزيع الأغانى والفيديو كليب، ليس بهدف الربح والاستثمار فحسب، بل من أجل تسييد ثقافة الاستهلاك القبيحة المتجلية فى فنون التفاهة والتسلية الساذجة المعتمدة دائمًا على إعلاء القيم المادية والغرائزية وتمجيد النموذج الغربى والأمريكى بالذات لمسخ هوية وثقافة أجيال كامله لتدجين الانسان المصرى وتحويله إلى مستهلك صالح وانتجت أجيالًا أصبحت تعتقد أن هذه القيم المشوهة هى الحداثة، والعصرية، الأخطر أن هذه المنظومة الرأسمالية الهجين بدأت تزحف على مجال النشر والأدب، وانتبهت إلى أهمية الصحافة فاشترت وأسست عددًا لا بأس به من الصحف المستقلة لإشاعة نفس القيم، والظهور بمظهر الليبرالين والمعارضين والرافضين للاوضاع القائمة، فى حين أن الهدف الأساسى من وراء ما يكتبون هو تدمير الثوابت، والهوية والاعلاء من شأن الفوضوية فى مجتمع يعانى من التزمت والكبت والخرافة والنمطية.. فيصبح الفوضويون هم الثوريون وقادة التغيير!! نفس الشىء فى مجال النشر، فلقد أمتد نفوذ هذه الطبقة إلى عدد من دور النشر، التى تدعم نماذج بعينها من الكتابة والكتاب الذين لا هم لهم إلا البحث عن الشاذ والاباحى والقبيح تحت دعوى الكتابة عن المسكوت عنه، وتحاول هذه الدور دعم هذا التيار وتعميمه ودعمه خصوصا ذلك الذى لا يهتم إلا بالذات وتحولاتها، والإعلاء من شأن البطل الصعلوك الفوضوى غير المنتمى الذى يدمر بعبثية أى ثابت قيمى تحت دعوى كسر النمط والتمرد عليه بغرض التمرد فحسب!! آخر ما تقوم به هذه الرأسمالية الهجين هو الاعلان عن جوائز مادية مغرية للمبدعين الكبار والشبان فى محاولة لتحسين صورتها القبيحة، وغسل دورها المشبوه التابع للمنظومة الأمريكية، تمامًا كما تغسل أموالها الغامضة، ليس هذا فحسب بل تحاول استثمار بعض المثقفين وتحييد بعضهم الآخر؛ لخلق شريحة مثقفة مرتبطة اقتصاديا ومصلحيا بها فتصبح هذة الشريحة التابعة ممثلها لدى الحركة الثقافية الأهم فى اعتقادى هو إصرار الرأسمالية الشرهة على المضى قدما فى هذا المنهج فى ظل التحديات التى تحاصر الوطن منذ 30 يونيو حتى الآن وكأنهم حصان طراوده، أو كانهم يستكملون دورًا ما بنشر الفوضوية والعدمية وهدم الثوابت القومية وتشويه الرموز ودعم نماذج من الفنون والآداب لا تهدف إلا محو الهوية والغوص فى مستنقع السوداوية والتمترس خلف خندق الذات المتشرنقة المتربصة التى لا تشيع الا الطاقة السلبية واغلاق أبواب الأمل والبهجة امام الانسان المصرى وتحويله إلى مستهلك صالح قانع تحت أقدام افيال الرأسمالية لا حول له ولا قوة وهو أمر لابد أن يتصدى له المثقف الوطنى الحقيقى المؤمن بدور الابداع فى التنمية والبناء. فالقضية هى مستقبل وطن وهويته وثقافته فهل ننتبه ونواجه هذه العدمية القبيحة ومن يكرس لها من كتاب ورعاة رسميين؟