يعتبر فن بناء المآذن الإسلامية من الفنون الأصيلة التي ارتبطت بالحضارة الإسلامية وطرزها المعمارية ، كما أنها تواجدت في كل البلاد التي دخلها الإسلام وتنوعت تنوعا شديدا وتفاوتت في أشكال هندستها المعمارية والزخرفية آخذة في الاعتبار النواحي التاريخية والثقافية للبلاد التي وجدت فيها حتى ظهرت الألوف منها في تلك البلدان ، وقد ظهرت المئذنة في البداية كمكان مرتفع يقف عليه المؤذن لإيصال صوته لإعلان الصلاة ثم راحت تتطور هندسيا وجماليا وأصبحت رمزا جامعا للإسلام بهيبته وجلاله . بدأ فن عمارة المساجد مع بداية ظهور الدين الإسلامي ظهورا جديا في المدينة وكان بلال ابن رباح يؤذن من أعلى سطح مجتور للمسجد ، وفي مرحلة متقدمة تم اتخاذ المآذن وبنائها في دمشق لهذا الغرض ، وفي البداية كانت أبراجا مربعة ثم انتقل هذا الطراز إلى ثائر أنحاء العالم الإسلامي في شبه الجزيرة العربية ومصر والمغرب والأندلس ، وأقدمها مئذنة جامع سيدي عقبة في القيروان ، أما في مصر فقد عرفت فيها الطرز المختلفة حتى يمكن اعتبار القاهرة معرضا متنوعا لمعظم أنواع المآذن التي شهدتها العمارة الإسلامية كان أقدمها في مصر مئذنة جامع ابن طولون وهي تتألف من قاعدة مربعة تقوم عليه طبقة اسطوانية وتأخذ المئذنة الشكل الحلزوني وسلمها من الخارج بعكس المئذنة الإيرانية التي كان سلمها من الداخل ، ثم نشأت في مصر النصف الثاني من القرن الثامن الهجري منارات ذات رؤوس مزدوجة ومن أمثلتها مئذنة الغوري بالجامع الأزهر وجامع الحاكم بأمر الله وجامع المؤيد ، أما المآذن في إيران فكانت معظمها مثمنة الشكل وبعد القرن الخامس الهجري غلبت عليها المآذن الاسطوانية وهي مآذن لا طبقات لها ولا نوافذ ، أما في الهند فقد ظلت المساجد تشيد فيها بغير مئذنة مدة طويلة ثم شاع استعمالها منذ القرن التاسع الهجري ومن أجملها مئذنة قطب منار بمدينة دلهي ، وقد انتشرت طرزها في العهد العباسي بالعراق ومصر ، وقد ازدهر بناء المآذن في عهد الدولة الفاطمية بعد بناء الجامع الأزهر 974م ثم مئذنتي جامع الحاكم بأمر الله في نهاية القرن العاشر الميلادي ثم تطور فنها في العهد المملوكي والعثماني ، وبدأت المآذن خلال تلك العهود والدول الإسلامية المتتابعة تتفرد في عماراتها وتصميمها وزينتها وارتفاعها من بلد إلى آخر ما بين مستدير ومتعدد الأضلاع شرقا ومربع القاعدة غربا ثم بتصميم جديد في بلاد الأناضول والشكل المخروطي خلال فترتي السلاجقة والعثمانيين ، وفي العصر المملوكي وفي منتصف القرن الرابع عشر تطور فن المآذن في البلاد الإسلامية فتطور تصميم المئذنة القاهرية واستفاد مصممو المآذن من النمط الفاطمي واستفادوا منه في النمط المغربي كمئذنة السلطان الناصر محمد بزخارفها النباتية والهندسية و مقرنصاتها وبعدها انتشرت أروع المآذن الشهيرة في منطقة جام في أفغانستان ثم مجموعة قطب منار في دلهي ثم في مصر مرة أخرى في عهد المماليك الشراكسة كما هو الحال في مئذنة قايتباي ذات الرأسين ، ثم مآذن العثمانيين في بلاد الأناضول وبخاصة في مدينة اسطنبول بعد استفادتهم من فن بناء المآذن الإسلامية من الدول التي استعمروها ونقلوا فنانيها إليهم وتفردوا في بناء المآذن المخروطية ومن أشهرها مآذن جامع السليمانية وجامع السلطان أحمد باسطنبول . وفي العصر الحديث تطور فن بناء المآذن الإسلامية وبخاصة في مصر ومدنها وأشهرها العاصمة القاهرة التي تفردت على العواصم الإسلامية في طرزها وتعدادها ، وظهرت وعلى الدوام محاولات جدية لتشييد مآذن بأسلوب حديث دون أن تفقد المئذنة خصوصيتها الرمزية والجمالية وبقاء فنانوها البناءون المبدعون منتشرون ومحافظون على ثقافة بنائها رغم اندثارها ويبقى من الصعب الآن تخيل جامع بلا مئذنة بسبب رمزيتها وقدسيتها الدينية وما حملته عمارتها من دلالات ثقافية وإرث معماري إسلامي كبير للإسلام وكانت المئذنة مفضلة من الناحية المعمارية لإبراز قدرات ومواهب الفنان ومساهمته في تلك اللوحة المعمارية الخارجية حتى أصبحت المئذنة موضوعا مستلهما للرسامين والفنانين والمستشرقين في دول العالم ، ومن أشهر المآذن في التاريخ مآذن الحرمين الشريف ومآذن القاهرة وبلاد الشام والعراق وتركيا والمغرب ، والهندوإيران وسمرقند وبخارى وطشقند وأفغانستان بآسيا والمآذن الطينية بأفريقيا ثم مآذن حضر موت باليمن . وفي مصر مازال فن بناء المآذن الإسلامية منتشرا في الكثير من مدنها ، وتعتبر محافظة الشرقية من المحافظات التي ينتشر في مدنها بعض البنائين المتخصصين في بناء المآذن وبخاصة في مدينة مشتول السوق بالشرقية ومن أشهرهم المعلم حسني حسن عبد الله مواليد 1966 وقد بدأ العمل سنة 1979 وتتلمذ على يد المعلم محمد سكران الشهير بأبو شوشة الذي ذاع صيته بمصر وبخاصة في المدن والقرى المجاورة لمحافظة الشرقية ، ويقول أيضا ظللت أعمل معه حتى استقليت بالعمل مع شريكي المعلم سمير أبو عمر وبدأنا في بناء الكثير من المآذن الإسلامية التي يبدأ ارتفاعها من 20 : 60 : 70متر بحسب الطلب ووضع المكان الذي ستقام عليه المئذنة وحجم الأساسات وغيرها من الأمور التي تحكم حجمها ونوعها وارتفاعها ، والملاحظ أن الحاج حسني متخصص في البناء اليدوي الذي يعتمد على مهارة البناء في استخدام الطوب الأحمر والحراري في بناء المئذنة ثم القيام باستخدام الدهانات بشكل فني لتلوين الطوب الذي يؤسس له هندسيا في شكل الأدوار والفتحات وبلكونات المئذنة وعمل السلالم من الداخل إضافة إلى بناء الواجهات الإسلامية لمداخل المساجد بشكل فني ، ويقول الحاج حسني أثناء قيامه ببناء إحدى المآذن بقرية بني قريش شرقية " المسجد الشرقي بها " أن لكل مبنى نظام هندسي وفني كما أم المئذنة تبنى على ثلاثة مراحل أو أربع ، الأولى الأساس ثم المثمن أو المسدس وهو البناء الأعلى ارتفاعا ثم نصل إلى بناء الدوسة أو البلكونة التي نعتمد فيها على البروز دخولا وخروجا لنشكل الشرفة خارج الشكل المثمن معتمدين على الطرز الفنية المختلفة من مقرنصات وسكينة وغيرها ، ثم تبدأ المرحلة الاسطوانية وهو بناء اسطواني يتم التشكيل الهندسي والزخرفي به وكتابة الله أكبر وبسم الله وغيرها ، وهي مرحلة أقل في الطول عن سابقتها ويمكن أن تتكرر مرة أخرى بشكل أقل وعند نهاية كل مرحلة بالتناسق يتم عمل الدوسة وهي من أصعب الأعمال ، ويقوم العمال بعمل السقالات المطلوبة يوميا مع صب السلالم بشكل يومي لننتهي من عملها مع كل مرحلة ويقوم الأفراد بالصعود بالخامات المطلوبة مستخدمين السلالم والسقالات ويقول لا نطمئن إلا عندما تأتي لحظة البناء في أقصى ارتفاع فنشعر للحظة وكأن المئذنة تتمايل وبعدها نشعر بالسمو والتجلي خشية وتضرعا إلى الله عز وجل بعد توفيقه لنا في هذا العمل أما شريكه في العمل المعلم سمير شحته أبو عمر من مشتول السوق مواليد 1964 يقول عملت مع المعلم عبد الحميد شريف سنة 1985 وبعدها عملت مع شريكي الحاج حسني في بناء المآذن وتنقلنا في بلاد كثيرة ويقول إضافة إلى مراحل البناء السابقة تأتي المرحلة الصعبة والنهائية وتسمى بالمرحلة الوهمية لأنها مرحلة تقام على 6 أعمدة أو5 حسب دوران الجلسة ونحن نستخدم فيها المواسير البلاستيكية ذات القطر الكبير ونقوم بوضع الحديد المسلح داخلها ثم نصبها بالخرسانة وبعدها نقوم بعمل سقوط دائري عليها من الخرسانة ونبني الشرفة الأخيرة مستخدمين المقرنصات ، ثم نبدأ في بناء القبة أو الصومعة ثم البطيخة والرقبة التي نثبت عليها الهلال النحاسي وعادة ما يتراوح ارتفاعه ما بين مترين وأكثر في منتصف القبة وعادة ما نثبته على عمود يكون في منتصف المئذنة ويتوسط الأعمدة الخارجية كما لا يفوتنا أن نعمل وصلة كهربائية عبارة عن سوسته لإضاءة لمبة الهلال حتى يسهل تركيبها وعدم تعريض الناس للخطر وعادة ما يتم شراء الهلال من منطقة الجمالية وشارع المعز بالقاهرة وقبل تركيبه يقوم أهل المسجد بالقرية بزفه على سيارة تطوف شوارع القرية أو المنطقة وتقوم الناس بوضع النقود من أجل المساهمة والبركة والتقرب من الله لفرحة تلك اللحظة ، ثم تأتي مرحلة النقش وقد تطورنا فيها كثيرا وأصبحنا نعتمد على استخدام الألوان الزيتية وأهمها الأبيض والأخضر والسماوي واللون الطوبي أحيانا بعد أن كنا نستخدم ألوان الطوب الطبيعي أثناء عملية البناء لإعطاء النقش المطلوب ، أما الآن فقد ساعدتنا الألوان على أن نتمكن من إضافة الكثير من الزخارف الفنية المتعددة حسب الطلب وهناك ما يسمى في النقش بوجود السبلة والسجادة والبلاطة والمعينات وموجات الزجزاج وغيرها أما في الشرفات الخارجية بين الأدوار فنحن الذين نقوم بصنع الوحدات الزخرفية الدينية من الجبس كالعرائس لإعطاء الشكل الفني والديني المطلوب ولا يتدخل أحد غيرنا في بناء المئذنة التي نتمنى ألا يندثر بناؤها وتظل مصر متميزة فيها عبر الأجيال .