الدول الكبرى بالعالم التي تبدي اهتمامها من داخل المنابر الدولية بحقوق الإنسان ومساعدة الدول الفقيرة وما يحدث بها من مجاعات هي وللأسف نفس الدول التي تقف وراء مشكلات الفقر والمجاعات والنزاعات في الدول الفقيرة وبخاصة في بلدان أفريقيا وأسيا ودول أمريكا اللاتينية ، بل إنها نفس الدول الاستعمارية التي غزت واستعمرت تلك البلدان خلال القرون الماضية والتي مازالت تملك الهيمنة والسيطرة على التحكم في مصير تلك البلدان وتجعلها في مكان الدول المتخلفة أو على أحسن الأحوال ما يسمى بالدول النامية من خلال عملها على زرع الفوضى والنزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية واستخدام ملفات شيطانية تم زراعتها في تلك البلدان عقابا على نيلها الاستقلال لاستخدامها وقت الحاجة لضمان الهيمنة والسيطرة على مصائرها والتحكم في مقدراتها وثرواتها بطرق استعمارية حديثة كملف الحدود وملف تضخيم العنصرية والطائفية بين العناصر المكونة لمجتمعات تلك الدول إضافة إلى تنفيذ أجندة الفوضى والإرهاب والتقسيم في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وغيرها من البلدان بالعالم حتى أوصلت الدول الاستعمارية كدول الغرب وأمريكا تلك الدول إلى حافة المجاعة والاقتتال والتهجير والتهميش ، وتلك الدول التي استعمرت ومصت مقدرات الدول قديما هي نفسها التي مازالت تهمين عليه وتنتقم منه وتسلب مقدراته بطرق خبيثة مع ظهورهم بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان والقائم بتقديم المساعدات إلى مناطق المجاعات التي يشهدها العالم الآن وبخاصة في جنوب السودان ، ونيجيريا ، والصومال ، وأفريقيا الوسطى ، ثم في اليمن ، وفلسطين ، وسوريا وغيرها من البلدان المنكوبة في أسيا وأمريكاالجنوبية ، في حين أن الناس يموتون جوعا قبل وصولها كما أنها قد تضل طريقها للوصول ، ولو وصلت فإنها لا تكفي الناس أسبوعا أو أسبوعين ولا تكفي في الوقت نفسه غير الآلاف مقابل الملايين من البشر الذين يموتون كل يوم من الجوع والأمراض واللجوء والحرمان وبخاصة من الأطفال والشيوخ . المجاعة : ويقصد بالمجاعة حسب موسوعة الويكيبديا بأنها حالة شح الغذاء أو عدمه التي تعانيها جماعة بشرية معينة أو ما ينجم عنها من موت أو مرض ، والمجاعات لها أسباب متعددة منها ما هو طبيعي ويرجع لأسباب وكوارث طبيعية ويخرج عن إرادة وسيطرة وتحكم البشر كالقحط والجدب والزلازل والأعاصير والفيضانات وانتشار الحشرات التي تسبب العدوى والمرض وعادة فإنها أعراض وأخطار مفاجئة ولا تدوم ، ومنها ما يرجع لأسباب بشرية وهو الأخطر ويقصد بها نوايا الدول الاستعمارية التي تعتدي على الغير وتستخدم نفوذها في إشعال الحروب والثورات والفتن والممارسات الظالمة من جانبها عن طريق التذرع بالحجج الوهمية للتدخل أو بسبب الممارسات الظالمة من جانب السلطات القائمة داخل بلدانها وعدم العدل في توزيع الثروات وسوء الإدارة وانتشار الفساد الذي يتسبب في نشوء المجاعات والحروب الأهلية والنزاعات ، ولتلك السياسات الظالمة من جانب البشر فإن الهوة تزداد بين عالم متخم تمتلئ بطونه بالثروات والطعام وعالم جائع محروم وبدلا من إنتاج الغذاء لإطعام الفقراء بالعالم يتم إنتاج السلاح ، وبدلا من التوزيع العادل للغذاء يحرم الملايين منه ومن فائضه ويموت الناس جوعا ، وأصحاب العقول والقوة من الدول الكبرى يستعبدون البسطاء لتظل البلاد النامية برغم ثرواتها ومقدراتها التي لا تحصى بؤرا للمجاعات بالعالم لأنها ورغم خروجها من عباءة الاستعمار واستقلالها وتحررها مازالت مستعمرة ومسلوبة من الدول الغنية التي تفرض عليها بمنطق القوة والنفوذ والتحكم في مصائرها إتباع نهج معين لا تخرج ولا تحيد عنه سواء كان ذلك في مجال التسلح والصناعة والإنتاج والتطور لتظل مركز للمواد الأولية والثروات للدول الاستعمارية والرأسمالية الظالمة ، ولهذا فإن مشكلة الجوع والأمراض ليست مشكلات ذات طبيعة حتمية ولكنها في الوقت نفسه ستظل حتمية ومستمرة بواقعها الأليم والكارثي بسبب الطغاة الذين يقفون وراءها ، هؤلاء الذين يروجون لأنفسهم بأنهم دعاة حقوق الإنسان والرحماء على الجوعى والمهمشين واللاجئين بالعالم ، ويكمن الحل في أن تستيقظ دول العالم الثالث والرابع من ثباتها وأن تستجب لصوت العقل الذي يتجسد في دعوات بعضا من قياداتها ورموزها الأقوياء الواعين والصادقين والعاملين على إحداث الوحدة والتكافل والتضامن من أجل التغيير من أجل إحداث تغيير في تلك المفاهيم الاستعمارية التي مازالت تسود العالم لإجبار تلك الدول على التخلي عن فكرها الاستعماري والمادي وهيمنتها على الشعوب وجعلها تعيش في الحرمان والجوع والحروب والفوضى والتخلف فمازال شبح الجوع يهدد حياة الملايين من البشر برغم الجهود والمؤتمرات التي يروج لها في حين أن أسباب الجوع يمكن تجاوزها من خلال إرادة الشعوب الحقيقية ومن خلال العمل بما دعت إليه الأعراف والقيم والأخلاق التي تمثل جوهر الأديان القائمة على التكافل والرحمة وحق الفقراء على الأغنياء وحق الشعوب المهمشة والمنكوبة على الدول القوية ، إننا لا نريد أن نرى معونات أو عربات إغاثة من دقيق ووجبات وأطعمة وأدوية مؤقتة نريد أن نرى عالم بلا جوع وبلا أمراض وبلا ظلم ولا حرمان ، نريد أن نرى الدول الفقيرة تأكل وتعيش من ثرواتها وعمل يدها نريد أن تعمل الدول من خلال المنابر الدولية وتتضامن ضد الدول التي مازالت تصنع المجاعات وليس في أن نرى صور نقل تلك المساعدات نريد وقف توريد الأسلحة بملايين الدولارات لاستنزاف شعوب الدول الفقيرة من أجل مواصلة الحروب والنزاعات والتقسيم على حساب النهوض والإنتاج ، نريد بتر تلك الأيادي التي تقف وراء صناعة المجاعات وسط النظام الرأسمالي العولمي الذي لا يرحم ، نريد وقف المجاعات في جنوب السودان وغيرها من الدول ونحاسب الدول المسئولة عن تقسيم السودان لدولتين ولربما لدويلات أخرى قادمة والتسبب في تلك الحروب الأهلية الشرسة والنزاع على الحكم داخل بلد تم اقتطاعه من جثمانه الحي ليظل معزولا ويعاني سكانه من الفقر والجوع والقتل والتهجير عاجزا أمام طمعه في الأرض والنفط والذهب ، نريد أن يكون جنوب السودان وما يقع به هو خير دليل نوظفه ونستثمره لنفضح به هؤلاء الذين ضحكوا على العالم وجعلوا سكان الجنوب بوسائل مختلفة يعملون على تحقيق فكرة الاستقلال والتقسيم حتى أوصلوهم إلى تلك المحرقة وتركوهم ينتظرون العطف من الآخرين ، فمنذ ميلاد جنوب السودان من العام 2011 وهو يعاني من الحروب والنزاعات والشقاق بأسلحة الغرب في الوقت الذي تزداد فيه المجاعات والقتل أمام عدم جدوى التبشير وجدوى المساعدات وجدوى نشر روح العنصرية والكراهية بين الجنوب والشمال وعدم جدوى تحقيق السلام بين الطرفين المتصارعين أي بين سلفاكير ومشار لترك البلاد بعد تقسيمها تعج في الصراع والحروب الأهلية والتطهير العرقي وتراجع الإنتاج والوصول إلى هذا الحال ، فلم يكن التقسيم الشيطاني الذي زرعه الانجليز منذ قيام الحكم الثنائي المصري البريطاني انتدابها على السودان منذ عام 1899 هو الحل بل كان طريقا لتحقيق فكرة التقسيم وتفاقم الأزمة وبدء عصر جديد من الحروب الدولية وهي الفكرة التي تنتشر الآن في الكثير من البلدان الأفريقية والأسيوية واللاتينية من أجل جعل هذه الدول تعاني أكثر مما كانت تعانيه في فترة الاستعمار وزمن العبودية والعنصرية ، فهل يعي العالم الحر هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه الملايين منه ويتفادى وقوع تلك المصائب في بلدان أخرى مهددة بالتقسيم والحروب والجوع من أجل أن يتضامن لخلق عالم بلا جوع ولا أمراض ولا ظلم ولا حرمان أم يستمر سيناريو دفن الرؤوس الحرة في الرمال خوفا من نفوذ وشيطنة الدول المهيمنة والظالمة بالعالم .