اليوم يترقب الكثيرون ما قد تسفر عنه مفاوضات جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة المقرر عقدها فى العشرين من فبراير الجارى تحت رعاية الأممالمتحدة، وبالتالى يتعين على المجتمع الدولى دعم العملية السياسية من منطلق التطبيق السريع لكل الخطوات التى اتفق عليها فى اجتماع الآستانا الذى عقد يومى 23، 24 يناير الماضى، والذى خرج بمحصلة تقول بأنه لا حل عسكريًا وأن الحل الوحيد سيكون من خلال عملية سياسية مبنية على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 بالكامل. وجاء هذا بعد أن اعتمد المجتمعون فى الآستانا منطقًا يقول: من الأفضل التركيز على ما يمكن عمله معا اليوم بدلا من التركيز على الأمور التى سنختلف عليها. وكما كان متوقعًا جاءت بداية اجتماع الآستانا متعثرة، والأسباب كثيرة يتصدرها مشاركة فصائل مسلحة فى المباحثات. لهذا كان «بشار الجعفرى» سفير سوريا فى الأممالمتحدة ورئيس وفد الحكومة السورية فى مفاوضات الآستانا على حق عندما وصف الفصائل التى شاركت فى المباحثات «بأنها لا تفهم الدبلوماسية وبأنها جماعات إرهابية». وبالتالى ما كان يمكن لهذه الفصائل أن ترتقى إلى مستوى المسئولية كى يتم التعويل عليها فى التوصل إلى حلول سياسية. ولا شك بأنه وفق كل المعايير والمنطق لا يمكن أن تكون هناك معارضة مسلحة، فالمعارضة تعارض بطرح رؤاها ولكنها لا تلجأ إلى استخدام السلاح كى تفرض رؤيتها. ولقد وضح هذا فى خطاب «محمد علوش» رئيس وفد الفصائل المسلحة والقيادى فى تنظيم «جيش الاسلام». بل ظهر الوفد على حقيقته عندما اختار عدم الجلوس وجها لوجه مع وفد الحكومة، وعدم الدخول فى مناقشات سياسية. أكثر من هذا خرج الناطق باسم هذه الفصائل ليقول: «إذا كانت الحكومة السورية تعتقد أن وجودنا فى الآستانا استسلام منا فهذا وهم، وأن الفصائل ستواصل القتال إذا فشلت المحادثات». غير أن التطورات على أرض الواقع تؤكد ضعف المعارضة بعد أن سقطت شرق حلب فى يد النظام، وقبل ذلك سقوط بلدة داريا، وتعرض مواقع أخرى للحصار. الأمر الذى غير موازين القوى وأجبر المعارضة المسلحة على التوجه إلى الآستانا، فانتصار الجيش العربى السورى فى حلب دعم شرعية النظام. ولهذا وعلى حين تطلعت الآمال إلى أن يكون لقاء الآستانا أكثر قابلية ليتمخض عن نتائج ايجابية خلافًا للقاءات الدولية التى جرت قبل ذلك إلا أنه وللأسف انتهى دون تحقيق إنجاز حقيقى. والسبب المعارضة المسكونة بالأوهام. كان الأمل أن يتم التوصل إلى تسوية للأزمة فى سوريا تستند إلى مجموعة من المبادئ السياسية أهمها اتفاق الدول الثلاث روسيا وإيران وتركيا، وهى الدول الراعية للمباحثات على وقف الأعمال القتالية وإطلاق عملية سياسية لتسوية الأزمة وهو ما سبق أن عبر عنه البيان الصادر عن اجتماع وزراء خارجية الدول المذكورة فى موسكو فى العشرين من ديسمبر الماضى ونتج عنه قرار مجلس الأمن 2336 الصادر فى 31 ديسمبر، وهو القرار الذى أعدته روسيا. أيًا كان الأمر فإن ما هدفت إليه مباحثات الآستانا هو تعزيز وقف اطلاق النار وبناء الثقة والتمهيد لمفاوضات جنيف التى ستعقد فى العشرين من فبراير الجارى. غير أن ما ينبغى أن يؤخذ فى الاعتبار هو أن الحرب فى سوريا متشابكة، ومن ثم سيكون من الصعب التنبؤ بنتائجها من الآن لا سيما أن داعش الإرهابى لا يزال لاعبًا رئيسًا فى ساحة القتال فيها. ويظل الأمل معقودا على أن تمثل مفاوضات جنيف المقبلة بداية لعملية جديدة يتم من خلالها خروج سوريا من مرحلة الأزمة كى تنهى التداعيات التى خلفتها المؤامرة الكونية التى سُلطت عليها. حفظ الله سوريا العروبة.