عندما سافرت منذ شهرين إلي أوغندا لم أترك شوارع مصر خالية من القمامة ولكن الصورة لم تكن بهذه البشاعة : جبال القمامة ومخلفات المباني أغلقت الشوارع .. ليس هناك فرق بين منطقة راقية ومنطقة شعبية وأخري عشوائية .. المساواة تحققت .. جبل قمامة لكل مواطن .. بعض الشوارع؛ الناس فيها بين خيارين إما السير وسط القمامة وإما المخاطرة بالسير وسط السيارات . ما رأيته وماقرأته وما سمعته عن مشكلة الزبالة إصابني بالاكتئاب .. ' أوغندا ' الدولة الإفريقية المصنفة عالم ثالث والتي تعاني الفقر والفساد أيضاً، تغلبت علي مشكلة الزبالة .. لم أر خلال شهرين كيس قمامة وليس جبلاً أو تلاً من الزبالة .. رأيت جبالاً وتلالاً من الخضرة والجمال .. أوغندا التي تري عظمتها في ارتباطها بمصر عبر نهر النيل توصلت إلي نظام يجعلها نظيفة لناسها وفي عيون زائريها . في الشوارع تري رجال ونساء انحنت ظهورهم وهم يمسكون بمقشة بدائية من الخوص يكنسون في همة .. رءوسهم تكاد لا ترتفع ولا تلمح وجوههم من فرط انهماكهم في العمل . لا يتلفتون يميناً أو يساراً باحثين عمن يضع في أيديهم ' حسنة '. تحصيل رسوم النظافة هناك ليس عبر شركات الكهرباء لإجبار الناس علي الدفع دون إجبار الطرف الآخر علي الوفاء بالتزاماته .. منتهي القهر لإرادة الناس وليّ ذراعهم . عجبت لحالة الصمت والاستسلام التي يتعايش بها الناس مع الزبالة .. الشعب الذي اقتلع نظاماً ظل حاكماً بالحديد والنار ثلاثة عقود .. كيف يقف عاجزًا عن اقتلاع جبال القمامة؟ ! لماذا لم تخرج المظاهرات لتطالب شركات الكهرباء بالتوقف عن توريد الرسوم التي تحصِّلها علي الفواتير؟ لماذا لم ينقل الناس جبال القمامة إلي مكاتب المسئولين لعلهم يشعرون فيتحركون؟ لماذ لم يتحرك محامو مصر لمقاضاة شركات النظافة وشركات الكهرباء . هل استسلمنا نحن الشعب الثائر الذي بهر العالم بثورته؟ هل انهزمنا أمام تلال القمامة أم يشغلنا الفساد الذي جري عن الفساد الذي يجري الآن؟ فلنترك ما جري لقضاء مصر العادل ونلتفت لما يجري فليس هناك أهم من صحتنا وصحة أبنائنا .. فلننظم مليونية ونحمل جميعًا المقشات ونجبر الجالسين علي مقاعدهم علي مشاركتنا . في اليوم التالي لنجاح الثورة في خلع مبارك نزل الشباب والأطفال في كل أحياء مصر يحملون مقشات وجرادل بوية وفرشاً كنسوا الشوارع ودهنوا الأرصفة وربطو أسلال القمامة في أعمدة الإنارة والأشجار .. كان شعارنا ' البلد بلدنا ولازم نحافظ عليها ' ومازالت البلد بلدنا ولازم تليق باسم مصر وشعب مصر . مطلوب من المجلس العسكري وحكومة شرف أن تجعل من مشكلة القمامة مشكلة أمن قومي وتجند كل الطاقات لحلها .. مطلوب تنفيذ أفكار وأبحاث العلماء الذين يجرون دراسات منذ عشرات السنوات علي تدوير القمامة وتحوليها من مصدر للأوبئة والأمراض إلي مصدر للدخل .. وتحضرني الأبحاث التي أشرف عليها العالم الدكتور مختار الحلوجي بالمركز القومي للبحوث . استدعوا العلماء وممثلين عن جامعي القمامة .. الحلول ليست صعبة ولسنا بدعة من الأمم .. الدول حولنا توصلت لنظام تخلص من القمامة .. فقط نريد إرادة تعيد إلينا مصر الجميلة .