جاء القرار الذي اتخذه البنك المركزي المصري بخصوص تعويم الجنيه بعد تشاور مع الحكومة لمدة ثلاثة أشهر صادما للشريحة الكبرى من المصريين، وقد جاء هذا القرار الذي من شأنه تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية متسقا مع توصيات صندوق النقد الدولي الذي سبق أن طلب من الحكومة المصرية اتخاذ خطوات إصلاحية لاستكمال مشروعها الإصلاحي الاقتصادي كشرط لمنحها قرضا ب12 مليار دولار خلال ثلاث سنوات لدعم الاقتصاد المصري، إذ تنبع المشكلة في وجود فجوة تمويلية تصل إلى 6 مليارات دولار بمصر ولابد من سدها مما تطلب من مصر اتخاذ هذا القرار غير المسبوق إضافة إلى مجموعة تدابير أخرى طلبت منها وهي وضع برنامج محدد لتخفيض الدعم حتى يتسنى تقديم برنامج جيد يمكن قبوله من جانب المجلس التنفيذي للصندوق الذي ستقدمه مصر خلال هذا الشهر بعد أن لاقى القرار ترحيبا من صندوق النقد الدولي، والدليل على ذلك هو صدور قرار التعويم يوم الخميس الماضي مصاحبا لقرارات أخرى اتخذتها الحكومة وهي رفع مشتقات الوقود والمحروقات إلى نسبة 46% بعد رفع أسعار الكهرباء والماء والسلع الضرورية للمواطنين مما أدى إلى الشعور بالإحباط واليأس وزيادة الأعباء والضغوط لدى الشريحة الكبرى من المصريين الذين كانوا يتوقعون عكسه بعد الثورة والاستقرار السياسي والأمني الذي تشهده مصر. إن القرار اتخذ من أجل استرداد عافية الاقتصاد المصري أمام التحديات الراهنة في حين يرى الكثيرون من المتخصصون بأن القرار جاء استجابة لاملاءات صندوق النقد الدولي الذي لا يرحب المصريين بالتعامل معه، فإذا كان القرار يمكن أن يكون إيجابيا للاقتصاد المصري فإنه ومن الجانب الآخر جاءت انعكاساته سلبية على حياة الشريحة الكبرى من المواطنين بدت بوادره من الارتفاع الكبير في الأسعار للسلع الأساسية في الأسواق المصرية والذي من شأنه أن يفاقم الأوضاع المعيشية اليومية لمحدودي الدخل وهو ما يشهده الشارع المصري الآن أمام تحديات غلاء الأسعار وغلاء المعيشة بعد أن تم تعويم الجنيه أمام الدولار بنسبة 48% وبالتالي انخفاض القيمة الشرائية لدخول المصريين بنسبة 48% بسبب غلاء العملات الأجنبية مع منع الدولة استيراد الكثير من السلع لمدة ثلاثة أشهر واعتمادها على المخزون الذي سيشهد حتما زيادة في الأسعار وهو ما سيزيد من تحمل المصريين للكثير من الأعباء التي لا تتناسب مع دخولهم اليومية، وترك العملة الوطنية هكذا بدون ضمان داخل بحيرة العملات الأجنبية وأسماكها المتوحشة يعني أن يصبح الجنيه أي الاقتصاد المصري يحدد مصيره بنفسه أي تحديد سعر الجنيه وفقا لقوى العرض والطلب وهي تجربة جديدة على المصريين لأنها غير محسومة النتائج وقد تكون في غاية الخطورة، فمن المفترض أن تكون الخطوة لاسترداد عافية الاقتصاد المصري وأيضا بأن تكون لصالح المواطن البسيط، ولكن الواقع وفق آراء المحللين الاقتصاديين المخلصين بمصر يرون ارتفاعا متوقعا في الأسعار بعد رفع الدعم تدريجيا عن السلع والخدمات الضرورية لصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة كما يتوقع زيادة في نسبة عجز الموازنة والأخطر هو ارتفاع حجم الدين الخارجي لعدم ضمان توفر الدولار بالبنوك وبالتالي عجز الدولة في توفيره والرجوع للسوق السوداء مما يؤشر بحدوث كارثة، كما أن هذا القرار لم يأت في حينه وذلك قبل موعد 11 نوفمبر القادم الذي أعلن عنه من جانب جهات غير معلومة للتعبير عن حالة السخط لارتفاع مستوى المعيشة وغلاء الأسعار واستغلال جماعة الإخوان الإرهابية تلك النقاط للتأثير على المصريين وتحريضهم على الخروج لإحداث حالة فوضوية وتخريبية لضرب الاستقرار بالشارع المصري، فهل سينجح التعويم في استرداد عافية الاقتصاد المصري أم سيعوم بلا ضمانات ومعه ستعوم حياة المصريين؟