خلف قانون العمل الجديد في فرنسا احتجاجات وإضرابات واسعة داخل المدن الفرنسية عندما شمل الاحتجاج كل النقابات الفرنسية والكثير من المؤسسات والقطاعات والطبقات العاملة والحركة الشبابية والطلابية التي انضمت حديثا لتلك الاحتجاجات ، فمع طرح الحكومة الفرنسية الاشتراكية برئاسة مانويل فالس منذ شهر مارس الماضي مشروعها الجديد لقانون العمل المعروف باسم قانون الخمري نسبة إلى وزيرة العمل الفرنسية من أصل مغربي مريم الخمري واجه المشروع احتجاجات وتظاهرات كبيرة في باريس والمدن الفرنسية وأثار الكثير من الجدل داخل البرلمان والمجتمع الفرنسي وتعرضت معه حكومة فالس لانتقادات عديدة حتى من داخل معسكرها الاشتراكي واليساري أيضا ناهيك عن اعتراضات الأحزاب اليمينية أمام تزايد ضغط الرأي العام الرافض للمشروع بعد أن فشلت الحكومة ومن ورائها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تمريره بالبرلمان خوفا من عدم الحصول على الأغلبية اللازمة لتمريره مما أدى بالحكومة رغم استجابتها في بادئ الأمر لإجراء بعض التعديلات لصالح أرباب العمل إلى تمرير المشروع بالاعتماد على اللجوء لاستخدام ممارسة حقها في الدستور بالاعتماد على المادة 49 البند الثالث منه الذي يتيح للحكومة ورئيس الدولة تمرير بعض القوانين لدواعي استثنائية طارئة وهو الأمر الذي أثار غضب البرلمان الذي دعا خلال الأيام الماضية لتقديم مشروع لسحب الثقة من الحكومة الفرنسية ولكنه لم يتوفق في الحصول على الأغلبية المطلقة لسحب الثقة الأمر الذي يراه البرلمانيون قفزا على الديمقراطية وعدم إعطاء المشروع المهلة الكافية للحوار المجتمعي ومناقشته داخل البرلمان ومجلس الشيوخ ، ولهذا تواجه الآن حكومة فالس اليسارية مأزقا حقيقيا يمكن أن يقضي على مستقبل الحزب الاشتراكي وإمكانية ترشح الرئيس هولاند لولاية ثانية بعد تدني شعبيته إلى نسبة وصلت إلى 15% عندما رأى الفرنسيون بأن الرئيس والحزب الاشتراكي خذلهم عندما أتى على مكتسباتهم الاجتماعية والعمالية لصالح أرباب العمل في حين أن حكومة فالس كانت تسعى في الأساس لإنعاش الاقتصاد الفرنسي والحد من نسبة البطالة العالية مؤخرا لصالح التوسع في إعطاء مكتسبات إضافية لأرباب العمل وأصحاب الشركات ولكنها فوجئت بتلك الاحتجاجات والإضرابات المتواصلة حتى استجاب الرئيس هولاند وأمر بتغيير في أحد بنود القانون يتعلق بموضوع التعويضات المستحقة عند قيام أرباب العمل بتسريح العاملين وتركه للقضاء ليقرر النسب المطلوبة وهو الأمر الذي لم يرضى عنه أصحاب العمل ولا الأحزاب اليمينية التي كانت تطمح بمزيد من البنود لصالح أرباب العمل ورغم ذلك لم يشفع هذا التغيير للحكومة لدى المحتجين الذين صعدوا هذا الأسبوع من احتجاجاتهم عندما شملت قطاعات نقابية ومؤسساتية وعمالية كبيرة بعد أن بلغ عدد الإضرابات 8 أدت آخرها التي كانت يوم الخميس الماضي إلى إحداث شلل تام بالدولة بعد أن دخل مؤسسات ومحطات الوقود والطاقة الإضراب مع الإصرار على أن تسحب الحكومة هذا المشروع المثير للجدل مما يجعلنا نتعرض لجوهر القانون ونقاطه الخلافية بين الحكومة والمحتجين . قانون العمل الجديد الفرنسي تكفل بالدفاع عنه كلا من وزيرة العمل الفرنسية مريم الخمري ، ووزير الاقتصاد إيمانويل مكارو ومن خلفهم الحكومة فالس والرئيس الفرنسي هولاند ، عندما سعت الحكومة الاشتراكية إلى النهوض بالاقتصاد والحد من البطالة فقامت بإجراء تغييرات على قانون العمل الذي تعتبره النقابات العمالية والعاملين من المكتسبات الاجتماعية الفرنسية وبخاصة أن القانون جاء ليفتح الآفاق لصالح أصحاب الأعمال ويضيق الخناق على العمال ومكتسباتهم من أجل فتح الفرصة أمام الشركات للتوظيف للحد من البطالة الأمر الذي أدى لاستمرار الاحتجاجات وتفاقمها في شتى المدن الفرنسية مع غليان الرأي العام وكثير من أعضاء البرلمان من كافة الأحزاب ، ومن رجال الفن والإعلاميين وانضمام منظمات شبابية جديدة على الخط وعلى رأسها أكبر منظمة للطلاب في فرنسا من طلبة الثانوية العامة والفنية ومن طلبة الجامعات ، ومن أبرز نقاط الخلاف في هذا المشروع بين الحكومة والمحتجين هو الفصل التعسفي الذي ينص عليه القانون من جانب أصحاب الشركات وتحديد سقف التعويضات للعامل في حالة تسريحه دون اللجوء للقضاء لتحديد قيمة التعويض وفقا لنسبة الأضرار للعامل ، أو فصل العامل لأسباب اقتصادية عند إفلاس الشركات دون تعويض ، كما يتيح القانون للشركات مد ساعات العمل الأسبوعية لأكثر من 46 ساعة بعد أن كانت 35 ساعة أسبوعيا عام 2000 في عهد حكومة ليونيل جوسبان وهو ما تراه النقابات تجاهل لحقوق العمال وغيرها من القوانين التي تصب في صالح أرباب العمل بالتخفيف من الأعباء الواقعة عليهم والتي تتعلق بتعويضات وحقوق الأمان الوظيفي في حالة التسريح التي توفرها عقود العمل من جانب الشركات ، فالفكرة الأساسية للمشروع هي تقليص دور قانون العمل كمرجع لحل الخلافات التي يمكن حلها من خلال كل إدارة داخل الشركات يجوز لها التصرف في الأمر مع النقابات الأمر الذي أدى إلى استمرار وتصاعد الأزمة بين الحكومة والمحتجين حتى طالت إضرابات الخميس الماضي أكثر من 16 محطة نووية ومحطات الوقود والنقل العام والمطارات والموانئ الفرنسية عندما حاصر المتظاهرون مصافي البترول ومحطات توليد الطاقة لإرباك الدولة وإحداث شلل تام بها ودعوة فيليب مارتنيز الأمين العام للاتحاد والعمل باستمرار وتعميم الإضرابات في الوقت الذي صرح فيه رئيس الحكومة إيمانويل فالس بالإصرار على تمرير القانون ومن عدم رضوخه للنقابات التي تهدد مصير البلاد وإن كان قد تراجع بعدها في وسائل الإعلام أمام التصاعد الجماهيري ووعد بإمكانية التعديل وإجراء الحوار ثم إعطائه الأمر لرجال الشرطة بإخلاء بعض الأماكن الهامة من المحتجين واستخدامه للمخزون الاستراتيجي من الوقود واشتعال الأزمة بين الشرطة والمحتجين وإطلاق القنابل المسيلة للدموع وإصابة أكثر من 300 رجل شرطة خلال الإضرابات بعد دخول فئة جديدة من الشباب وحركات حزبية متطرفة من اليسار وشباب الثانوية وشباب الضواحي إلى المظاهرات وقيامهم بأعمال تخريبية وتجرئهم على رجال الشرطة ثم مكوثهم بالميادين الشهيرة بباريس ليلا ومنها ميدان الجمهورية حتى سموهم بالمرابطين أو الواقفين ليلا وهي حركة اجتماعية جديدة انضمت للنقابات وتتحرك وفق أيديولوجية معينة وبصورة منظمة للغاية وقادرة على إحداث الفوضى والعنف حتى أن أجهزة الإعلام الفرنسية ركزت على تلك الظاهرة لدرجة تناست فيها فتح الحوار المجتمعي والتركيز على قانون العمل الأمر الذي سيؤدي إلى التصعيد ومواصلة الإضرابات خلال الأيام المقبلة مع تشدد من جانب الحكومة الفرنسية التي تصر على تمرير القانون وهو ما أدى إلى تناقص شعبيتها وشعبية الحزب الاشتراكي مع تقليل الفرص أمام الرئيس هولاند للفوز بدورة رئاسية ثانية في الانتخابات المقبلة العام القادم 2017 ، إن هذا القانون المثير للجدل برغم الإضرابات والاحتجاجات فإنه لم يرضى عنه الشارع الفرنسي بنسبة 74% وفق آخر استطلاعات للرأي وأيضا فلا العمال راضون عن القانون ، ولا أرباب العمل سعداء بهذا التغيير ، ولا أعضاء البرلمان من أحزاب اليمين واليسار الذين كانوا يحلمون بقوانين قوية لصالح أرباب العمل ، مقابل تعنت الحكومة الفرنسية برئاسة مانويل فالس بتمرير المشروع وعدم الرضوخ لتلك الاحتجاجات مما يجعل الأمر مشتعلا بين جميع الأطراف مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات خلال الأيام المقبلة بشكل موسع وانضمام وسائل النقل العامة والمطارات والطاقة والوقود إلى المحتجين لإحداث شلل تام بالبلاد وذلك قبل بدء بطولة كأس الأمم الأوروبية التي تستضيفها فرنسا في العاشر من يونيو الجاري .