"الحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللى ورا السد.. حكايتنا احنا.. حكاية شعب.. شعب للزحف المقدس قام وثار.. شعب زاحف خطوته تولع شرار.. شعب كافح وانكتب له الانتصار.. تسمعوا الحكاية؟ بس قولها من البداية". كانت هذه الكلمات من أغنية "حكاية شعب"، التي غناها عبدالحليم حافظ في حفل أمام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بمناسبة الاحتفال ببناء السد العالي الذي وضع حجر الأساس له في التاسع من يناير عام 1960، إلى أن تم تغيير مجرى نهر النيل عنده في مثل هذا اليوم 14 مايو عام 1964، حيث وقف الزعماء جمال عبدالناصر وخروشوف وبن بيللا وعبدالسلام عارف في الشرفة المطلة على النهر واضعين أيديهم على الزر لإعطاء إشارة تحويل مجرى النيل إلى مجراه الجديد. تأتى الذكرى الثانية و الخمسون لتحويل مجرى النيل، لتعيد إلى الأذهان هذا المشروع العظيم الذى ظل ساترا منيعا لمصر ضد أخطار الجفاف والفيضان، وساعد فى توسعة الرقعة الزراعية وتوفير الكهرباء، ليقف شاهداً على قدرة الشعب المصرى على اجتياز الصعاب وترويض النيل الجامح، حيث يقف السد صامدا لتروى أحجاره وصخوره تضحيات المصريين، وما سطرته دماؤهم، وتحكى ملحمة البناء التى شهدتها مصر عند بناء هذا المشروع. قال على تركى حسنين 77 سنة، أنه عمل فى نفق (6) بالسد العالى في عام 1963، ويتذكر أن عبدالناصر في أثناء زياراته المتكررة للعمال كان يتخفى وسطهم حتى لا يشاهده أحد من أجل الاطمئنان على العمل بالمشروع، مؤكدا: "كنا نعرف بزيارته عقب رحيله عن الموقع بعد إخبارنا بذلك". وعن ذكرى تحويل مجرى النيل قال حسين حامد من عمال السد العالى إن المشروع العظيم تم بناؤه على دماء شهدائنا الأبرار والذين لا يقلون على ما فعله المصريون فى ملحمة العبور فى حرب أكتوبر بعد أن أبهروا العالم. وتابع: "كنا نشاهد سقوط الشهداء بمواقع العمل المختلفة وكم حملنا من شهداء"، لافتا إلى أن عبدالناصر قرر توظيفهم بهيئة السد العالي بعد انتهاء العمل بالمشروع إيمانا بما قدمه العمال لمصر ورفض تسريحهم بمقولته الشهيرة إن هؤلاء العمال ثروة قومية يجب الحفاظ عليها. واستكمل سهرى حسنين هاشم 75 سنة، أنه التحق بالعمل فى مشروع السد العالى فى 13 نوفمبر عام 1962، لافتا أنه بدأ فى مهنة عامل تخريم وتحديدا فى نفق (1) وانتهاءً بنفق (6) في عام 1964 وتحويل مجرى النيل. واسترجع محمد عبد اللطيف عامل تخريم بأحد أنفاق السد العالى 75 سنة، ذكريات تحويل مجرى النيل، قائلا إنه شاهد على أرض الواقع الزعيمين عبد الناصر والروسي خرشوف يقومان بتفجير موقع إنشاء السد العالى، الأمر الذى أسقط بدوره العديد من أرواح الشهداء الذين تأثروا بعملية التفجير لموقع السد. وأضاف: "أتذكر سقوط 21 شخصا شهيدا من عمال التخريم أثناء عملية التفجير، والحمد لله قد أنجانا الله من الموت وقتها بأعجوبة أنا وشخص آخر". وسرد أبوالوفا يزيد 73 سنة، سائق، حديثه ل"التحرير" باعتزازه أنه كان ضمن عمال بناء السد العالي، مشيرا إلى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تابع مراحل إنشاء السد بجولات مرورية دورية له منذ بدايات العمل وحتى انتهائه للاطمئنان على المشروع واقعيا. وأضاف أنه يذكر جيدا يوم الخامس عشر من مايو عام 1964، إذ تم تحويل مجرى النيل، قائلا: "استقبله شعب مصر وأمتنا العربية بفرحة ستبقى خالدة على مر التاريخ، وحضر هذه المناسبة الرئيس جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الاتحاد السوفييتى نيكيتا خروشوف". وقال هاشم إن مصر كانت مدرسة خاصة لتعليم فن التخريم وكان السد العالي بمثابة مدرسة مصرية أخرجت الأبطال والعظماء. "مشروع السد العالى يحمل لنا ولمصرنا الغالية أجمل الذكريات وخاصة خلال فترات التحدى والاستعمار".. بهذه الكلمات عبر عز الدين عبد السلام 72 سنة، عامل مدنى سابق بالسد العالى، عن اعتزازه بالعمل في المشروع القومي. وأردف بأنه يذكر جيدا ذكرى تحويل مجرى نهر النيل، وإنشاء السد العالى الذي كان تحديا بإرادة الشعب وتضحياته، بعد قرار البنك الدولى "بتوصيات أمريكية" رفض تمويل السد العالى. وأضاف أن الدولة احتفالا بهذه المناسبة كانت تقيم للعمال حفلات أضواء المدينة بحضور نخبة من الفنانين منهم فايزة وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش. وعن ذكريات تحويل مجرى النيل وأعمال إنشاء السد، ذكر هاشم أنه يتذكر وقت تفجير موقع السد العالى، مستكملا أن عددا من العمال كانوا مربطين بالحبال داخل موقع السد الحالى لاستكمال الأعمال المدنية والتبطين، وشاهدنا فجأة جثث زملائنا وهى تتناثر بسبب عمليات التفجير. واستطرد محمد محمود بنّاء بالسد العالى فى الإدارة المدنية، قائلا: "كنا ننزل إلى منسوب 114 تحت الأرض لاستكمال أعمال التبطين وإنشاء السد"، معلقا: "ياما شوفنا عذاب وموت أيام السد العالى خاصة حوادث الصعق بالكهرباء والحمد لله والشكر الله نجحنا فى إنشاء المشروع". وعن الخدمات التى تؤديها جميعة بناة السد العالى باسوان حاليا لهؤلاء العمال، قال مصطفى على مشرف نقل بمشروع السد العالى والمشرف العام على الجميعة إنها تقدم ما بوسعها لتكريم بناة السد العالى فى أى مناسبة، متابعا: "نشعرهم بقيمتهم وكفاحهم حتى لو على السبيل المعنوى"، وأضاف أن الجمعية تقدم أيضا لهم الرعاية الاجتماعية اللازمة.