51 عاماً مرت علي وضع حجر الأساس لإنشاء السد العالي والذي سوف يظل أعظم ملحمة للإرادي المصرية في الصمود والتحدي.. شهد بناء السد العالي ملحمة وطنية خالدة اختلطت فيها الدماء والعرق من أجل النهوض بمصر وتحقيق الرخاء والنماء في كافة ربوع الوطن رغم أنف الاستعمار والحاقدين. جريدة المساء التقت البعض من بُناة السد العالي لتستمع إلي ذكرياتهم حول هذه الملحمة المصرية الرائعة والتي تعتبر وساماً علي صدر كل مصري إلي الأبد. يقول سهري حسنين هاشم 67 سنة التحقت بالسد العالي 13/11/1962 في وظيفة عامل تخريم وحقن واشتغلت في البداية في أنفاق السد العالي وهي أنفاق ضخمة للغاية حيث يضم السد 6 أنفاق ويبلغ قطر النفق الواحد منها 15 متراً وطوله 282 متراً. وينقسم النفق الواحد في المخرج إلي 2 توربينة وكل توربينة لها بوابة للري وأخري للكهرباء. وأضاف أنه كان يقوم بحقن أنفاق السد بمواد لمنع تسرب المياه مثل: السليكات والطَفْلَة الأسواني والبانتونايت واكتسبت خبرة كبيرة في هذا المجال من خلال عمله في السد العالي ثم شارك بعد ذلك في الكثير من مشروعات الري الأخري منها كوبري إسنا عام 1981. ومشروع توشكي حتي خرج علي المعاش عام .2003 يقول الحاج عبداللاه طه 73 سنة إنه التحق بالعمل في مشروع السد العالي في 9/9/1962 وكان يعمل في محطة محولات السد العالي التي كانت تتولي عمليات إنارة منطقة السد العالي بأكمله وأطلق عليها إدارة المرافق فيما بعد. أضاف أن العمل كان يجري في المشروع طوال "24" ساعة يومياً وكنا لا نرتبط بمواعيد محددة لانتهاء الوردية وعلي الرغم من أن مرتبات العمال كانت زهيدة للغاية وكانت تبلغ "30" قرشاً فقط يومياً إلا أن جميع العاملين في السد كانوا يعملون بحماس منقطع النظير لإحساسهم بأنهم يساهمون في مشروع قومي سوف يغيِّر وجه الحياة في مصر. تضحيات يقول أبو ضيف عبدالحافظ محمد إنه تسلم العمل في السد العالي في 18/2/1961 في مهنة عامل تخريم وشارك في تحويل مجري النيل ثم في حفر الأنفاق وممرات التفتيش. وأضاف أنه تعرض لحادثة خلال عمله بالسد العالي وكاد يفقد حياته حينما كان يحفر في النفق رقم 6 ومعه مجموعة من زملائه وفجأة قطعت ماكينة التخريم كابل كهرباء الخاص بإحدي الكراكات فصعقتهم الكهرباء جميعاً وتوفي خمسة منهم علي الفور ونجا هو من الموت بعد إسعافه في المستشفي العسكري. وأشار إلي أن الدولة كانت تقدم أفضل الخدمات أثناء بناء السد العالي ويطالب بأن تكون هناك أولوية في تعيين أبناء قدامي العاملين في الهيئة العامة للسد العالي أو في شركات الكهرباء. أما حسين دردير عمر 70 سنة أشار إلي أنه كان يعمل في قسم الجس والبحوث الفنية بالسد وشارك في إجراء جسات التربة في جميع المناطق بالسد العالي. وأضاف أن هناك العديد من الحوادث التي تعرض لها العاملون بالسد العالي منها مصرع وردية كاملة تضم 80 فرداً في نفق رقم 6 الذي انهار عليهم فجأة ولم ينج منهم سوي شخص واحد فقط يدعي علي وذلك بعد أن مكث تحت الأنقاض لمدة ثلاثة أيام ولكنه أصيب بلوثة عقلية بعد ذلك. وأوضح أن الرئيس عبدالناصر زار موقع الحادث فيما بعد وبكي أمام الحاضرين وحينما سألوه عن سبب بكائه قال إن هذه التفجيرات والألغام ذكَّرته بحرب بورسعيد. وأشار إلي عدم وجود فروق بين العاملين في السد العالي سواء كان مهندساً أو عاملاً لدرجة أن المهندس صدقي سليمان وزير السد العالي طلب أن يتناول الغداء مع العاملين في السد وتم اختيار 10 عمال من كل قسم وكان هو أحدهم. ويقول حسن أبو الفوا عثمان إنه كان يعمل "لحَّام" في السد العالي منذ عام 1961 وشارك في صناعة الفورم الحديدية التي تستخدم في صب قواعد التوربينات. وأضاف أن كل فني بالسد العالي كان يتولي تدريب أربعة من طلاب الدبلومات الفنية بأسوان حيث حصل هؤلاء الطلاب من دفعة 1963 علي الدبلوم داخل مواقع العمل وليس في المدرسة. يقول عمران عبدالله إبراهيم 70 عاماً إنه التحق بالعمل في السد العالي في 1/3/1962 وكان يعمل ملاحظ خراطة مع الخبراء الروس وكانت العلاقة بين جميع العاملين متميزة للغاية وعلي الرغم من أن راتبه الشهري كان يبلغ 14 جنيهاً فقط إلا أنه كان يفي بجميع احتياجاته من مأكل ومشرب وهذا المبلغ أفضل من ألف جنيه في هذه الأيام. ويتذكر عبده محمود يوسف محمد ملاحظ ميكانيكي في السد العالي إحدي الحوادث التي شهدها وقال إنه بعد مرور أيام قليلة من استلامي العمل بالسد في أغسطس 1963 دخلت وردية تضم 300 فرد إلي أحد الأنفاق وفجأة حدث تفجير للديناميت وتناثرت الشظايا في كل مكان وأصيب عدد كبير من العاملين وكنت أنا أحدهم وتم نقلي إلي المستشفي القريب من الموقع ومع ذلك صممت أن استمر في عملي داخل السد العالي رغم المخاطر والصعوبات الكثيرة التي كنا نواجهها داخله. يقول نجيب حنا قلاديوس ملاحظ معدات تخريم بالسد العالي إنه حصل علي وسام الاستحقاق من الطبقة الخامسة من الرئيس جمال عبدالناصر تقديراً لجهوده في العمل. كما حصل علي ميدالية السد العالي من الطبقة الأولي بمناسبة تحويل مجري النيل عام .1964 وأوضح أن العلاقة كانت أكثر من رائعة بين جميع العاملين في السد العالي وكانت المحبة والمودة تسود بين المسلمين والمسيحيين بلا استثناء. أشار إلي أنه حصل علي مكافأة قدرها 14 جنيهاً و73 قرشاً في إحدي المرات أثناء عمله بالسد وتبرع بجزء كبير منها لبناء مسجد لإخوته المسلمين ليعبِّر لهم بذلك عن مشاعر الحب الموجودة داخله موضحاً أنه يعيش لأكثر من 50 عاماً وسط عدد كبير من المسلمين في مستعمرة السد العالي شرق ويبادل الجميع حباً بحب ويشعر أنه يعيش وسط أهله وعزوته لدرجة أن جيرانه المسلمين وقفوا بجواره لسنوات طويلة أثناء مرض زوجته قبل أن يتوفاها الله في العام الماضي. ويؤكد أنه يذهب إلي جميع جيرانه المسلمين في الأعياد ويقول لهم أنتم أقاربي ولستم جيراني فقط. كما أن الصغير والكبير يقدرونه ويكنون له كل احترام وحب والجميع ينادونه ياعم نجيب. ومن ناحية أخري يطالب فتحي عربي نجل أحد بناة السد العالي بضرورة الاهتمام بمبني نموذج السد العالي الذي تم إغلاقه منذ 15 عاماً تقريباً بسبب تهالكه وانتشار النمل الأبيض به لأنه مصنوع من الخشب حيث يحكي هذا النموذج مراحل العمل في السد العالي بالكامل وكان مزاراً هاماً في السابق ولكنه يعاني من إهمال المسئولين حالياً. كما يطالب بالاهتمام باللوحات التذكارية الأربع للسد العالي وضرورة وضع سور لحمايتها من العبث لأنها لوحات تاريخية توضح إحداهن وضع حجر الأساس في 9 يناير وأخري لتحويل مجري النيل عام 1964 وثالثة لانطلاق أول شرارة كهرباء للسد في عام 1968 واللوحة التذكارية الرابعة توضح إتمام بناء محطة كهرباء السد العالي. نقص الخدمات ويقول أحمد النوبي أمين الوحدة الحزبية بالسد العالي شرق وأحد بناة السد إن مستعمرة العاملين بالسد العالي شرق تعاني من نقص شديد في الخدمات رغم أن عدد سكانها يتجاوز 20 ألف نسمة وجميعهم أسر وعائلات بناة السد العالي. وأوضح أن المستعمرة تعاني من ضعف خدمات مياه الشرب. ولا يوجد فيها صرف صحي نهائياً مما يعرض المساكن للرشح وزيادة المياه الجوفية. كما أن شبكات الكهرباء بالمستعمرة متهالكة للغاية مما يتسبب في انقطاع التيار الكهربي باستمرار علي الرغم من أنه لا يفصلنا عن السد العالي العملاق سوي أمتار معدودة!!! وأضاف أن طبيب الوحدة الصحية بمستعمرة السد العالي لا يتواجد بانتظام. ولا تتوافر أمصال الحشرات السامة في هذه الوحدة الصحية بالمستعمرة مما يعرِّض الأهالي لمخاطر شديدة عند إصابتهم بلسعات العقارب أو الثعابين التي تنتشر بكثافة في هذه المستعمرة الموجودة في منطقة جبلية تبتعد حوالي 20كم جنوب مدينة أسوان. بالإضافة إلي أن مستشفي شركة المحطات المائية تقتصر الخدمات الطبية علي فترة الصباح فقط وتغلق أبوابها في فترة المساء. ويطالب بإدراج مستعمرة السد العالي شرق داخل كردون مدينة أسوان واعتبارها أحد أحيائها حتي تحصل علي الخدمات التي تستحقها هذه المستعمرة العريقة والتي قدم أبناؤها الكثير من التضحيات أثناء فترة بناء السد العالي في فترة الستينيات.