الشعب الجمهوري يتابع التصويت بجولة الإعادة بالدوائر الملغاة في انتخابات النواب    3 مدارس بأسيوط تفوز في مسابقة المكتبات النموذجية على مستوى الجمهورية    انطلاق جولة الإعادة بانتخابات النواب فى 3 دوائر بالبحيرة    حبس عاطل بتهمة التحرش بسيدتين وترويعهما بكلب في السلام    قرار هام من جامعة القاهرة بشأن الطلاب المتعثرين في سداد المصروفات الدراسية    إقبال كثيف على لجان إمبابة والمنيرة الغربية في أول أيام انتخابات الإعادة بالجيزة | صور    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    انتخابات النواب 2025 | 352 لجنة تستقبل مليوني و215 ألف و411 ناخبًا بقنا    وزير الكهرباء: لدينا خطة عمل للاعتماد على الطاقات المتجددة والطاقة النظيفة    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم السبت 27 ديسمبر 2025    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم السبت الموافق 27 ديسمبر    وزير الكهرباء يزور معامل اختبارات بطاريات تخزين لشركة هواوي خلال زيارته الحالية للصين    بالأرقام| «الزراعة» تكشف حصاد إنجازات 2025.. فتح 25 سوقًا جديدًا للصادرات    القناة 14: اعتراف نتنياهو بإقليم أرض الصومال جاء مقابل استيعاب سكان غزة    روسيا تشن هجمات صاروخية ليلية على أنحاء أوكرانيا    جيش الاحتلال يزعم: فلسطيني أطلق نارًا قرب السياج الأمني في رام الله    مستشار ترامب: نتطلع إلى وصول المساعدات بانتظام إلى الفاشر السودانية    مودرن سبورت يخشى مفاجآت القناة في دور ال32 لكأس مصر    رونالدو أساسيًا.. تشكيل النصر المتوقع أمام الأخدود في الدوري السعودي    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة المصرية للاتصالات في كأس مصر    "النقض" تنتهي من جلسة الاستماع للمرافعات في قضية مقتل طبيب الساحل    إخماد حريق داخل مدرسة في القرين بالشرقية    محافظ البحيرة: رفع درجة الاستعداد القصوى لمواجهة الطقس غير المستقر    اليوم.. نظر محاكمة 3 متهمين بقضية "خلية داعش عين شمس"    الثقافة تختتم الموسم الثامن لمسابقة المواهب الذهبية بدار الأوبرا    القصة الكاملة للحالة الصحية ل محمود حميدة بعد خروجه من المستشفى    145 مستشفى جامعيًا يقدم خدماته الطبية ل32 مليون مواطن خلال 2025    بيض بالسبانخ والجبنة في الفرن، عشاء غني بالبروتين وخفيف على المعدة    أسعار اللحوم الحمراء اليوم السبت 27 ديسمبر    نجم الزمالك السابق: محمد صلاح دوره مع منتخب مصر مؤثر    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء العودة للخلف بالعياط    اليوم.. محاكمة زوجة بهاء سلطان فى واقعة سب وقذف خالتها    من 8 صباحا والعودة مفتوحة، فصل الكهرباء اليوم عن 5 مناطق في إسنا جنوب الأقصر    انفصال بعد 21 عامًا يشعل السوشيال.. داليا مصطفى في صدارة الاهتمام وتفتح صفحة جديدة فنيًا    منها السرطان والخصوبة، النوم بجانب هاتفك يصيبك ب 4 أمراض خطرة على المدى الطويل    "التحالف الوطني" يُطلق مسابقة "إنسان لأفضل متطوع" ويوقع أعضاؤه أول ميثاق أخلاقي مشترك للتطوع في مصر| صور    عماد الزيني رئيسًا ل "هواة الصيد" ببورفؤاد.. والجمعية العمومية ترسم لوحة الانتصار ب 2025    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    الجدة والعمة والأم يروين جريمة الأب.. قاتل طفلته    صور من الظل إلى العلن.. الديمقراطيون يفضحون شبكة علاقات إبستين    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية سد‏..‏ وحكاية شعب

لم يكن صباح يوم السبت‏(‏ التاسع من يناير الحالي‏)‏ صباحا عاديا‏,‏ بل كان‏,‏ عن حق‏,‏ صباح عزة وحرية وكرامة‏,‏ في هذا اليوم كنا‏,‏ وجمع غفير من شيوخ وشباب وفتيان من أغلب محافظات مصر. نقف باحترام وإجلال أمام حسد مصر العالي الذي كان قد أتم في هذا اليوم عيده الخمسيني‏,‏ وكانت المفاجأة أننا وجدناه‏,‏ بعد كل هذه السنين‏,‏ كما وصفه المهندس إبراهيم أبو زيد رئيس هيئة السد العالي‏,‏ وكما تحدث عنه منذ أيام قليلة‏:‏ السد العالي ليس له عمر افتراضي فكل الأرصاد والمتابعات الدورية التي تدرس تأثير عوامل الزمن عليه منذ إنشائه وحتي الآن تؤكد أنه بني كما لو كان بالأمس‏,‏ وأنه في كامل قوته‏.‏
ما رأيته من حال السد وكل ما حوله من الجسم الهائل للسد وللأنفاق والبوابات والتوربينات والبحيرة‏,‏ وما قرأته من توصيف لحال السد الآن من الرجل المسئول عنه بقدر ما أسعدني وأعاد تجديد مشاعر عزة وحرية وكرامة عاشها جيلي مع كل يوم من معارك السد منذ إعلان مشروعه حتي إتمام إنشاءاته‏,‏ بقدر ما وضعني وجها لوجه أمام معادلة ملحمة تحدي بناء السد وبالتحديد طرفي هذه المعادلة‏:‏ السد وبناة السد‏.‏
فإذا كان السد معجزة‏,‏ واعترف العالم‏,‏ عن جدارة‏,‏ بأنه مشروع القرن العشرين‏,‏ أي أهم المشروعات التنموية التي شهدها القرن العشرون‏,‏ فإن بناة السد هم أيضا معجزة‏,‏ لأنهم من شيد معجزة السد‏,‏ ومن خاضوا معاركه‏,‏ ولذلك فرض السؤال التالي نفسه‏:‏ إذا كان حال السد العالي الآن يؤكد أنه كما لو كان بني بالأمس وأنه في كامل قوته‏,‏ فهل بناة السد هم أيضا علي حالهم الذي كانوا عليه يوم أن خاضوا معاركه وواجهوا تحدياته‏,‏ مازالوا هم أيضا في كامل فتوتهم وقوتهم وقدرتهم علي التحدي وتحمل مصاعبه ومخاطره‏,‏ هل مازالوا علي جدارتهم ومكانتهم التي كانوا عليها يوم أن خاطبوا العالم كله بصوت رجل واحد‏,‏ ورفضوا كل الضغوط‏,‏ وخاضوا المعارك التي فرضت عليهم وقالوا حنبني السد‏,‏ أم ماذا حل بهم وماذا جري لهم وماذا أصابهم؟
السؤال كان قد فرض نفسه علي الندوة التي عقدت بنادي المحامين في أسوان ليلة التاسع من يناير الحالي ضمن احتفالات العيد الخمسيني للسد‏,‏ والاحتفاء ببناة السد وتكريمهم‏,‏ ولكنه طرح بشكل آخر علي هامش حوار أكثر تشويقا حول السد وأسطورته وحكايته وحكاية شعبه وأيهما أولي بأن يكون الحكاية هل السد هو الحكاية أم الشعب الذي بني السد هو الحكاية؟
إن من يتعرف علي السد كسد سوف يصل إلي يقين بأنه أسطورة وليس فقط حكاية‏,‏ فهو بناء من رخام الجرانيت والرمال والطمي تتوسطه طبقة صماء من الطين الأسواني يتجاوز حجمه ثلاثة أهرامات مثل هرم خوفو‏,‏ طوله عند القمة‏3820‏ مترا‏,‏ وأقصي ارتفاع له‏111‏ مترا‏,‏ وعرض قاعدته‏980‏ مترا‏,‏ أما عرضه عند قمته التي هي طريق السد فهو‏40‏ مترا‏,‏ أي أنه هو الآخر يأخذ شكل الهرم‏,‏ أو هو مجموعة أهرامات متلاصقة‏.‏ أما بحيرة ناصر‏(‏ بحيرة السد‏)‏ فتصل سعتها إلي‏164‏ مليار متر مكعب‏,‏ ويوجد بالسد ستة أنفاق لتمرير المياه والتحكم فيها‏,‏ أما عدد الوحدات الكهربائية‏(‏ التوربينات‏)‏ فيصل إلي‏12‏ وحدة قوة كل وحدة‏175000‏ كيلووات‏.‏
هذا السد الضخم والعالي بلغت تكلفته الاجمالية وقت التنفيذ‏400‏ مليون جنيه ولو أردنا بناءه اليوم وسيتكلف‏18‏ مليار جنيه‏(‏ حسب تقدير شيخ المهندسين إبراهيم زكي قناوي‏),‏ أي أن هذا السد العالي الذي أصبح معجزة القرن العشرين لم يكلف مصر أكثر من تكلفة بناء عدد محدد جدا من القري السياحية في الساحل الشمالي التي يزورها أصحابها شهرا أو شهرين علي مدي السنة‏.‏
قد يصعب علي غير المتخصصين أن يستفيض في الحديث عن معجزة السد في بنائه وفي تأمينه‏,‏ وفي فوائده‏,‏ تلك المعجزة التي تجعلها حكاية في ذاته‏,‏ لكن حتما ستبقي الحكاية ناقصة دون الوعي بالنصف الآخر للمعادلة أي حكاية الكفاح اللي ورا السد و حكاية الشعب اللي بني السد حكايتنا احنا‏,‏ احنا المصريين الذين بنينا السد والذين حفرنا قناة السويس‏,‏ والذين أممنا القناة‏,‏ ودافعنا عنها بدمائنا وأرواحنا كي نبني السد ليس فقط من أجل استخلاص مليون أو مليوني فدان من براثن الصحراء‏,‏ ولا لمجرد الحصول علي‏10‏ ملايين كيلووات من الكهرباء فحسب‏,‏ رغم الأهمية القصوي لهذا أو ذاك‏,‏ ولكن أيضا‏,‏ وهذا هو الأهم‏,‏ أن نبني سد العزة والحرية والكرامة‏,‏ من أجل أن نبني الأمل‏.‏
هذا هو المعني الذي أراد الزعيم جمال عبد الناصر أن يؤكده في خطابه الذي ألقاه في أسوان بمناسبة البدء في بناء السد العالي يوم‏9‏ يناير‏1960‏ بقوله‏:‏ إن الأهداف أيها الأخوة التي لا تحققها العزة والكرامة‏,‏ لا تساوي عناء الكفاح من أجلها‏,‏ فإن الطريق الذي نسلكه في غايتنا يجب أن يتناسب في جلاله مع هذه الغايات‏.‏ ولقد كان أعظم ما عزمه شعبنا العربي علي النجاح‏..‏ عزمه أن أختار أصعب الطرق‏,‏ لا لأنه أصعب الطرق‏,‏ ولكن لأنه أشرفها‏,‏ وأكثر استقامة‏,‏ وأكثرها اتساقا مع الهدف الذي نسعي إليه‏.‏ قيمته الكبري انه إرادة حررها أصحابها‏,‏ ثم كرموها‏,‏ ثم صمموا علي أن يسيروا في طريقها‏,‏ ثم صمموا علي أن يجعلوا هذه الحرية عاملة‏..‏ مستمرة‏,‏ وإنما توجهوا بها وتوجهت بهم ليكتبوا أروع صفحات في تاريخ كفاحهم‏,‏ يواجهوا عهد البناء ليعيدوا صنع حياتهم علي أساس يرتضونه بعد أن ظلوا طويلا في حياة فرضت عليهم فرضا من السيطرة الداخلية والسيطرة الخارجية‏.‏
عندما قال جمال عبد الناصر ذلك وأكده كان يضع المعالم الأساسية لأصل حكاية السد وحكاية الكفاح اللي ورا السد منذ أن قررت قيادة الثورة بناء السد ضمن مشروعاتها لتنمية مصر زراعيا وصناعيا‏,‏ وحتي إتمام بناء السد والمعارك الضارية التي خاضتها من أجل بنائه‏,‏ ابتداء من استرضاء الغرب للحصول علي دعمه للمشروع وتمويله‏,‏ إلي سحب الغرب وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي للإنشاء والتعمير عرض تمويل السد عقابا لمصر التي رفضت أن تنخرط في سياسة الأحلاف وأن تنجر إلي مشروعات التفاهم مع إسرائيل علي حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه‏,‏ وردا علي توقيع مصر أول اتفاقية لكسر احتكار السلاح مع الاتحاد السوفيتي بعد الرفض الأمريكي لتسليح الجيش المصري ليكون مستعدا للرد علي الاستفزازات والاعتداءات الاسرائيلية بعد الاعتداء الاسرائيلي علي قطاع غزة عام‏1955.‏
لقد كان قرار سحب تمويل بناء السد العالي أحد الحوافز المهمة لتؤمم مصر قناة السويس في‏26‏ يوليو عام‏1956,‏ وبعدها جاء العدوان الثلاثي‏(‏ البريطاني الفرنسي الاسرائيلي‏)‏ المخطط أمريكيا لاستعادة القناة ومعاقبة مصر علي تجرئها ضد السادة الكبار‏,‏ لكن الشعب المصري صمد ودافع عن قناته واستشهد الآلاف من أجل استعادتها كما استشهد مئات الآلاف في حفرها‏,‏ وليبني سد العزة والحرية والكرامة بسواعد عشرات الآلاف من الفلاحين والعمال والمهندسين والخبراء الذين استشهد المئات وربما الآلاف منهم خلال سنوات بناء السد ليكون شاهدا علي ملحمة شعب وقصة كفاح أمة ورمزا لإرادة صلبة من نوع نسيج هذا الشعب‏.‏
تحية إلي هذا الشعب‏..‏ إلي فلاحيه وعماله‏..‏ وكل بنائيه الشرفاء‏..‏ وإلي سدهم العالي الخالد بخلودهم‏.‏

المزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.