الدكتورة إيناس ابراهيم: مصر أول من صاغت قانونًا يساوي في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 27 سبتمبر 2025    أسعار الأسماك والخضروات اليوم السبت 27 سبتمبر 2025    أمريكا تلغي تأشيرة رئيس كولومبيا بسبب تصرفاته «المتهورة» في نيويورك    عبور تاريخي لمصر الرياضية.. «الجمعيات الإلكترونية» نقلة نوعية حضارية على خطى العظماء    طريقك سالك.. تعرف على الحالة المرورية بالطرق السريعة بالقليوبية    مذبحة نبروه.. ماذا دار بين الزوج القاتل وزوجته داخل محل الأدوات المنزلية الذي تمتلكه المجنى عليها؟    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة الهواتف المحمولة بالنزهة    تحديث جديد لنشرة أخبار الطقس| أجواء خريفية تسيطر وأمطار بهذه المناطق    إسدال الستار على الدورة الأولى.. «المنزل» يحصد «الفنار الذهبى» في بورسعيد    د.إبراهيم مجدي متحدثًا عن الزواج والمرض النفسي: الأهل يعتبرونه وصمة عار    حكام مباريات غدا الأحد في الجولة التاسعة من الدوري المصري الممتاز    «شباب الفراعنة».. يتحدون «الساموراي الياباني» في انطلاقة المونديال    غرامة 200 ألف، عقوبة نشر أعمال من شأنها الإساءة للأشخاص ذوي الإعاقة    طن السلفات يتراجع 1976 جنيها، أسعار الأسمدة اليوم في الأسواق    ضوابط «الحج» 1447.. استمرار رسوم العام الماضي..وتوقعات بإلغاء برامج «البري».. و"السياحي" يكسر النصف مليون جنيه    انفراد.. عبد المنعم إمام يترشح على مقعد الفردي بدائرة التجمع الخامس وبدر أمام محمد الحناوي    أبل تستعد لإطلاق مودم 5G الخاص بها في iPhone 18    ارتفاع عدد ضحايا حريق المحلة ل14 شخصا    الجيش الأمريكي يدرس شن ضربات ضد أهداف مرتبطة بالمخدرات داخل فنزويلا    مرشح لمنصب مهم، مفاجأة عن سر استقالة أشرف زكي بشكل مفاجئ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 27-9-2025 في محافظة الأقصر    لعبة الكراسى السياسية! أزمة استقالات تضرب الأحزاب الكبرى استعدادا ل ماراثون النواب 2025.. وخبراء: تعكس هشاشة الولاءات الحزبية    الليمون يعزز صحة القلب ويحمي من الأمراض المزمنة    "الشارقة للتراث" يختتم فعاليات الدورة ال "25" من ملقتش الشارقة الدولي للراوي    الرئيس الإيراني: لن ننسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي رغم إعادة العقوبات    نحن مسالمون لكن لسنا ضعفاء ولا رهان بحياة المصريين.. ماذا قال الرئيس في زيارته للأكاديمية العسكرية؟    رانيا يوسف تعلن زواجها الرابع من المخرج أحمد جمال    رامي جمال يشعل حفل تخرج طلاب «الخدمة الاجتماعية» بحديقة أنطونيادس بالإسكندرية    فلسطين.. 3 شهداء وإصابتان في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا وسط غزة    الرئيس السيسي: نتألم لمعاناة أهالي غزة ولكل متألم في أي مكان بالعالم    السيسي: شباب مصر قيمة كبيرة.. اوعوا تستهينوا بيها    طراز معماري صامد منذ 1100 عام| «إبن طولون».. أعرق جوامع القاهرة    أبو العطا: كلمة الرئيس السيسي في الأكاديمية العسكرية تميزت بالمكاشفة والمصارحة    الإسكان ترد على شكاوى متقدمي المرحلة العاشرة من بيت الوطن: نتيح استرداد الأموال لمن يرغب    تشغيل مرتقب لمجمع المواقف المطوّر بمدينة المنيا.. وغرامات على المخالفين    وصول 19 من أطباء الجامعات إلى مستشفى العريش العام    الكرة النسائية| منة عزت: "إن شاء الله هنفرحكم في كأس العالم ومحتاجين دعمكم"    إيران: لم ننتهك معاهدة منع الانتشار.. وإسرائيل المالك الوحيد للسلاح النووي في المنطقة    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية كوريا الجنوبية    العراق يعقد مؤتمرًا دوليًا في الأمم المتحدة لإنهاء أزمة مخيم الهول السوري    هل يواصل الصعود؟.. آخر تطورات سعر الذهب اليوم السبت 27 سبتمبر 2025 فى مصر    وزير الخارجية يلتقي الجالية المصرية في نيويورك    وزير الخارجية يلتقي الجالية المصرية في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة    مباحث البحيرة تنقذ تلميذًا من أيدي خاطفيه خلال ساعات.. والمتهم نجل عم والده    غياب 5 نجوم عن بيراميدز أمام طلائع الجيش في الدوري    زيادة الحمل البدني في مران الزمالك قبل لقاء القمة    نائب رئيس«المعاهد التعليمية» يتفقد عدداً من المستشفيات لمتابعة انتظام العمل    سم قاتل في الطماطم: لا تشتريها إذا رأيت فيها هذه العلامات    إصابة عاملين سقط عليهم سقف منزل قديم أثناء ترميمه بالإسكندرية    أرتيتا يحسم الجدل: ساليبا سعيد في أرسنال رغم اهتمام ريال مدريد    عبد الحفيظ: الخطيب أخ أكبر لي.. وقد أترشح في انتخابات الأهلي    لحظات لا ترد فيها الدعوات.. سر آخر ساعة من يوم الجمعة    تعرف مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الجمعة 2692025    هيئة الرعاية الصحية تبحث توسيع نطاق استخدام المواد الصيدلانية المشعة خلال الأسبوع الذري العالمي في روسيا    اليقين وخطط مواجهة الإلحاد عنوان خطبة الجمعة اليوم 26 سبتمبر    اليقين لا يناله إلا الأصفياء.. أحد علماء الأوقاف: الصبر نصف الإيمان واليقين هو الإيمان كله    «الأهلى المصرى» يحقق أرباحًا تاريخية ب 223 مليار جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية سد‏..‏ وحكاية شعب

لم يكن صباح يوم السبت‏(‏ التاسع من يناير الحالي‏)‏ صباحا عاديا‏,‏ بل كان‏,‏ عن حق‏,‏ صباح عزة وحرية وكرامة‏,‏ في هذا اليوم كنا‏,‏ وجمع غفير من شيوخ وشباب وفتيان من أغلب محافظات مصر. نقف باحترام وإجلال أمام حسد مصر العالي الذي كان قد أتم في هذا اليوم عيده الخمسيني‏,‏ وكانت المفاجأة أننا وجدناه‏,‏ بعد كل هذه السنين‏,‏ كما وصفه المهندس إبراهيم أبو زيد رئيس هيئة السد العالي‏,‏ وكما تحدث عنه منذ أيام قليلة‏:‏ السد العالي ليس له عمر افتراضي فكل الأرصاد والمتابعات الدورية التي تدرس تأثير عوامل الزمن عليه منذ إنشائه وحتي الآن تؤكد أنه بني كما لو كان بالأمس‏,‏ وأنه في كامل قوته‏.‏
ما رأيته من حال السد وكل ما حوله من الجسم الهائل للسد وللأنفاق والبوابات والتوربينات والبحيرة‏,‏ وما قرأته من توصيف لحال السد الآن من الرجل المسئول عنه بقدر ما أسعدني وأعاد تجديد مشاعر عزة وحرية وكرامة عاشها جيلي مع كل يوم من معارك السد منذ إعلان مشروعه حتي إتمام إنشاءاته‏,‏ بقدر ما وضعني وجها لوجه أمام معادلة ملحمة تحدي بناء السد وبالتحديد طرفي هذه المعادلة‏:‏ السد وبناة السد‏.‏
فإذا كان السد معجزة‏,‏ واعترف العالم‏,‏ عن جدارة‏,‏ بأنه مشروع القرن العشرين‏,‏ أي أهم المشروعات التنموية التي شهدها القرن العشرون‏,‏ فإن بناة السد هم أيضا معجزة‏,‏ لأنهم من شيد معجزة السد‏,‏ ومن خاضوا معاركه‏,‏ ولذلك فرض السؤال التالي نفسه‏:‏ إذا كان حال السد العالي الآن يؤكد أنه كما لو كان بني بالأمس وأنه في كامل قوته‏,‏ فهل بناة السد هم أيضا علي حالهم الذي كانوا عليه يوم أن خاضوا معاركه وواجهوا تحدياته‏,‏ مازالوا هم أيضا في كامل فتوتهم وقوتهم وقدرتهم علي التحدي وتحمل مصاعبه ومخاطره‏,‏ هل مازالوا علي جدارتهم ومكانتهم التي كانوا عليها يوم أن خاطبوا العالم كله بصوت رجل واحد‏,‏ ورفضوا كل الضغوط‏,‏ وخاضوا المعارك التي فرضت عليهم وقالوا حنبني السد‏,‏ أم ماذا حل بهم وماذا جري لهم وماذا أصابهم؟
السؤال كان قد فرض نفسه علي الندوة التي عقدت بنادي المحامين في أسوان ليلة التاسع من يناير الحالي ضمن احتفالات العيد الخمسيني للسد‏,‏ والاحتفاء ببناة السد وتكريمهم‏,‏ ولكنه طرح بشكل آخر علي هامش حوار أكثر تشويقا حول السد وأسطورته وحكايته وحكاية شعبه وأيهما أولي بأن يكون الحكاية هل السد هو الحكاية أم الشعب الذي بني السد هو الحكاية؟
إن من يتعرف علي السد كسد سوف يصل إلي يقين بأنه أسطورة وليس فقط حكاية‏,‏ فهو بناء من رخام الجرانيت والرمال والطمي تتوسطه طبقة صماء من الطين الأسواني يتجاوز حجمه ثلاثة أهرامات مثل هرم خوفو‏,‏ طوله عند القمة‏3820‏ مترا‏,‏ وأقصي ارتفاع له‏111‏ مترا‏,‏ وعرض قاعدته‏980‏ مترا‏,‏ أما عرضه عند قمته التي هي طريق السد فهو‏40‏ مترا‏,‏ أي أنه هو الآخر يأخذ شكل الهرم‏,‏ أو هو مجموعة أهرامات متلاصقة‏.‏ أما بحيرة ناصر‏(‏ بحيرة السد‏)‏ فتصل سعتها إلي‏164‏ مليار متر مكعب‏,‏ ويوجد بالسد ستة أنفاق لتمرير المياه والتحكم فيها‏,‏ أما عدد الوحدات الكهربائية‏(‏ التوربينات‏)‏ فيصل إلي‏12‏ وحدة قوة كل وحدة‏175000‏ كيلووات‏.‏
هذا السد الضخم والعالي بلغت تكلفته الاجمالية وقت التنفيذ‏400‏ مليون جنيه ولو أردنا بناءه اليوم وسيتكلف‏18‏ مليار جنيه‏(‏ حسب تقدير شيخ المهندسين إبراهيم زكي قناوي‏),‏ أي أن هذا السد العالي الذي أصبح معجزة القرن العشرين لم يكلف مصر أكثر من تكلفة بناء عدد محدد جدا من القري السياحية في الساحل الشمالي التي يزورها أصحابها شهرا أو شهرين علي مدي السنة‏.‏
قد يصعب علي غير المتخصصين أن يستفيض في الحديث عن معجزة السد في بنائه وفي تأمينه‏,‏ وفي فوائده‏,‏ تلك المعجزة التي تجعلها حكاية في ذاته‏,‏ لكن حتما ستبقي الحكاية ناقصة دون الوعي بالنصف الآخر للمعادلة أي حكاية الكفاح اللي ورا السد و حكاية الشعب اللي بني السد حكايتنا احنا‏,‏ احنا المصريين الذين بنينا السد والذين حفرنا قناة السويس‏,‏ والذين أممنا القناة‏,‏ ودافعنا عنها بدمائنا وأرواحنا كي نبني السد ليس فقط من أجل استخلاص مليون أو مليوني فدان من براثن الصحراء‏,‏ ولا لمجرد الحصول علي‏10‏ ملايين كيلووات من الكهرباء فحسب‏,‏ رغم الأهمية القصوي لهذا أو ذاك‏,‏ ولكن أيضا‏,‏ وهذا هو الأهم‏,‏ أن نبني سد العزة والحرية والكرامة‏,‏ من أجل أن نبني الأمل‏.‏
هذا هو المعني الذي أراد الزعيم جمال عبد الناصر أن يؤكده في خطابه الذي ألقاه في أسوان بمناسبة البدء في بناء السد العالي يوم‏9‏ يناير‏1960‏ بقوله‏:‏ إن الأهداف أيها الأخوة التي لا تحققها العزة والكرامة‏,‏ لا تساوي عناء الكفاح من أجلها‏,‏ فإن الطريق الذي نسلكه في غايتنا يجب أن يتناسب في جلاله مع هذه الغايات‏.‏ ولقد كان أعظم ما عزمه شعبنا العربي علي النجاح‏..‏ عزمه أن أختار أصعب الطرق‏,‏ لا لأنه أصعب الطرق‏,‏ ولكن لأنه أشرفها‏,‏ وأكثر استقامة‏,‏ وأكثرها اتساقا مع الهدف الذي نسعي إليه‏.‏ قيمته الكبري انه إرادة حررها أصحابها‏,‏ ثم كرموها‏,‏ ثم صمموا علي أن يسيروا في طريقها‏,‏ ثم صمموا علي أن يجعلوا هذه الحرية عاملة‏..‏ مستمرة‏,‏ وإنما توجهوا بها وتوجهت بهم ليكتبوا أروع صفحات في تاريخ كفاحهم‏,‏ يواجهوا عهد البناء ليعيدوا صنع حياتهم علي أساس يرتضونه بعد أن ظلوا طويلا في حياة فرضت عليهم فرضا من السيطرة الداخلية والسيطرة الخارجية‏.‏
عندما قال جمال عبد الناصر ذلك وأكده كان يضع المعالم الأساسية لأصل حكاية السد وحكاية الكفاح اللي ورا السد منذ أن قررت قيادة الثورة بناء السد ضمن مشروعاتها لتنمية مصر زراعيا وصناعيا‏,‏ وحتي إتمام بناء السد والمعارك الضارية التي خاضتها من أجل بنائه‏,‏ ابتداء من استرضاء الغرب للحصول علي دعمه للمشروع وتمويله‏,‏ إلي سحب الغرب وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي للإنشاء والتعمير عرض تمويل السد عقابا لمصر التي رفضت أن تنخرط في سياسة الأحلاف وأن تنجر إلي مشروعات التفاهم مع إسرائيل علي حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه‏,‏ وردا علي توقيع مصر أول اتفاقية لكسر احتكار السلاح مع الاتحاد السوفيتي بعد الرفض الأمريكي لتسليح الجيش المصري ليكون مستعدا للرد علي الاستفزازات والاعتداءات الاسرائيلية بعد الاعتداء الاسرائيلي علي قطاع غزة عام‏1955.‏
لقد كان قرار سحب تمويل بناء السد العالي أحد الحوافز المهمة لتؤمم مصر قناة السويس في‏26‏ يوليو عام‏1956,‏ وبعدها جاء العدوان الثلاثي‏(‏ البريطاني الفرنسي الاسرائيلي‏)‏ المخطط أمريكيا لاستعادة القناة ومعاقبة مصر علي تجرئها ضد السادة الكبار‏,‏ لكن الشعب المصري صمد ودافع عن قناته واستشهد الآلاف من أجل استعادتها كما استشهد مئات الآلاف في حفرها‏,‏ وليبني سد العزة والحرية والكرامة بسواعد عشرات الآلاف من الفلاحين والعمال والمهندسين والخبراء الذين استشهد المئات وربما الآلاف منهم خلال سنوات بناء السد ليكون شاهدا علي ملحمة شعب وقصة كفاح أمة ورمزا لإرادة صلبة من نوع نسيج هذا الشعب‏.‏
تحية إلي هذا الشعب‏..‏ إلي فلاحيه وعماله‏..‏ وكل بنائيه الشرفاء‏..‏ وإلي سدهم العالي الخالد بخلودهم‏.‏

المزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.