يسمونه في مصر بأبو قردان أو أبو منجل وتشتق من فصيلته أنواع كثيرة ويوجد بالمناطق المدارية والمعتدلة والدافئة ومنها دول حوض النيل، وأبو قردان هو هذا الطائر الأبيض الجميل ذو المنقار والأرجل البرتقالية ويعيش كما عرفناه وألفناه في الأراضي الزراعية بالريف وبالقرب من المياه يتغذى على الحشرات وبخاصة الآفات الزراعية ولهذا يعتبر صديق الفلاح لأنه يحب الحقول وتجده عند بداية زراعة المحاصيل عند طمس الأرض بالماء فتخرج الحشرات ويقوم أبو قردان بالتقاطها فيساعد بذلك الفلاح إيذانا بقدوم محصول خير وفير وكان يستأنس بالفلاح والفلاح يستأنس به وبياضه الناصع وهدؤه وطيرانه المميز جعله محبوبا ذا تكوين انسيابي رشيق يتشكل من كتلة جسم جميلة ولهذا فقد كان مقدسا عند الفراعنة القدماء فهو الإله تحوت رمز العلم والحكمة والصبر وهو رمز الأخ عند قدماء المصريين وكلمة أخ عند الفراعنة تعني يشع أو الضوء المشع وهي إحدى المكونات التسعة عند قدماء المصريين ومنها الأخ الذي يعتبر الجزء الخالد في الإنسان، ولهذا نجده على المعابد والبرديات والنقوش الفرعونية باعتباره طائرا مقدسا عند الفراعنة الذين ارتبطوا بالنيل وبالزراعة حتى بجلوه إلى هذا الحد، ولهذا فإن هذا الطائر يعتبر عند الكثير من دول العالم مقياسا على نقاء البيئة ويوجد كرمز معبر عن نقائها في شعارات الهيئات والمؤسسات المختلفة، ولوقت ليس بالبعيد كنا نراه في حقولنا الزراعية بلباسه الأبيض الناصع يساعد الفلاح ويقف من حوله في جماعات يجوب الأرض ليخلصها من الآفات التي توجد في خباياها، والآن لم نعد نرى تلك الصورة الجميلة لهذا الطائر حتى وجدته وقد هجر الحقول وأصبح يقف عند مقالب القمامة والنفايات المنتشرة بكثرة على ضفاف الترع والمصارف ومداخل المدن حيث تنتشر جبال القمامة فحزنت عندما رأيته وقد تبدل حاله وأصبح زيه الأبيض متسخا ومتشحا بالسواد، هزيلا ومريضا برغم كم النفايات بأنواعها المختلفة التي يلتهمها فحزنت وقلت له ألا تعرفني؟ فنظر إلي وقال: نعم كنت أعرفك من قبل فقلت له: لماذا تركت الفلاح والأرض بمياهها النظيفة وخيراتها وجئت إلى تلك الأماكن الموبوءة؟ فقال لي: لست أنا الذي تركت الفلاح ولكنه هو الذي تركني عندما بنى الأرض الزراعية الخصبة التي تركها له الأجداد كما قال لي السلف وحتى مياه النيل العذبة والمقدسة دنسها المصريون فتبدل حالها وأصبحت ملوثة ومليئة بكل أنواع النفايات التي أقف عليها ولم يعد الفلاح يحب مهنته ولهذا لم يعد منتجا بل ينتظر من يدعمه ويسانده بكل ما يلزم وأصبح نهما يأكل ولا يشبع ويرمي نفاياته في كل مكان بعد أن كان ينتج ويصدر إنتاجه لأهل المدينة , كنا أصدقاء وعمل معا ويأكل كل منا من عمل يده ولكن ترك العمل وجلس في الخراسانات التي بناها واعتمد على غيره فلماذا اعمل أنا أيضا بعد أن صار الطعام متوفرا كما ترى في كل مكان، ولكل تلك الأسباب يا صديقي تركني ولم يعد صديقا ووفيا لأرضه التي فرط فيها وفي خيرها فكيف أصادقه وأين التقي معه، ولست أنا الطائر الوحيد الذي هجر الفلاح وجاء إلى تلك المزابل التي نعيش عليها ونجد ما نأكله ونعرف أن في طعامها الملوث هلاكنا فأين الهدهد وأبو فصادة وغيرها من الطيور والحيوانات البرية والبحرية التي كنت تراها من قبل، ولكل ذلك جئت مع رفاقي إلى هنا بعد أن باع الفلاح القضية كما باعها غيره من أصحاب الحرف والمصانع التي كانت تمد مصر وشعبها بالخير والعمار فقلت له وأنا في حزن عميق هل يمكن أن تعود كسالف عهدك بنا قال لو عادت الضمائر نقية وخيرة ومحبة ومحافظة على مقدرات الوطن الموروثة منذ آلاف السنين كما كانت عندها فقط يمكن أن أعود .