حتى أبوقردان غيّر عنوانه، فبعد أن كان يسكن الريف ليتبع المحاريث وهي تشق الأرض الزراعية، هاجر إلي أماكن جديدة باحثا عن رزقه ولو بين أكوام القمامة. الأسباب يلخصها خبراء الزراعة في التلويث الذي لحق بالتربة جراء الاستخدام المفرط للمبيدات، وظهور أراض مستصلحة خارج الريف التقليدي، فضلا عن شيوع طرق زراعة حديثة تمنع حركة الطائر الأنيق بين الحقول. لكن المزارع مهاب حسن لا يلاحظ هجرة أبو قردان ويقول إنه يتواجد بكثافة في فترة حرث الأرض، حيث يقوم بتنقية التربة من الديدان التي تظهر أمامه. ويضيف: "لا يتوقف ظهوره على هذه الفترة، فهو موجود على مدار السنة ولكن بتفاوت في العدد". ويبرئ مهاب، الذي تقع أرضه في منطقة العياط، الفلاحين من الإساءة ل"ابو قردان"، ويقول:" بالعكس ما زلنا نرى فيه صديقا لنا، فهو لا يسبب أضرارًا لنا ولا يتغذى من التقاوي التي نزرعها والحبوب التي نجنيها ".. وينفي عاشور الفخراني، وهو جار مهاب في المنطقة نفسها، أن يكون للمبيدات التي يستخدمها في الأرض تأثير سلبي على وجود أبوقردان. ويقول: "الأسمدة أو المبيدات تساهم في الحفاظ على التربة وكذلك منع إصابة المحاصيل من الأمراض لن يؤثر على تواجد أبو قردان". لكن الفخراني يقر بتراجع في أعداد طائر الهدهد الذي أصبح نادر الظهور، تماما كأبي فصادة المختفي عن الظهور منذ فترة بعيدة. ويدافع عبدالرحمن عواد ( مزارع من البدرشين ) عن أبي قردان، قائلا:" أبو قردان كطائر لن يذهب إلى الأماكن التي تتواجد بها القمامة من أجل التغذية عليها.. إنه طائر نظيف وإذا خرج من الأرض يتواجد على ضفاف الترع القريبة منها، فيبدو وكأنه يتغذى على القمامة الملقاة هناك، وهذا تصور خطأ".
من جانبه، ينوه الدكتور سعيد عبد الإله خبير المبيدات الزراعية وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لسلامة المحاصيل بأن الفترة الحالية تشهد تزايدا في معدلات ظهور أبو قردان بالأراضي الزراعية مقارنة بالفترة الماضية التي كاد ينقرض خلالها، وذلك بسبب الاستخدام المفرط في المبيدات الذي أدى إلى تلوث التربة، فضلاً عن سوء استخدام بعض المبيدات. ويضيف: "شهدت الفترة الماضية استخدام الطائرات في رى الحقول ما ساهم في هجرة العديد من الطيور ومن بينها أبو قردان والهدهد". وأشار عبدالإله إلى أن اتجاه العديد من الشركات وبعض محطات الطاقة الكهربائية بوضع أعمدة الكهرباء والأسلاك بالأراضي جعل طائرًا مثل أبو قردان يترك الأماكن الأكثر زراعة وخصوبة كأراضي الدلتا وبحيرة قارون بالفيوم، إلى مواطن جديدة. لكن هناك بعض المناطق ما زالت تحافظ على وجود أبو قردان بها، حيث يستخدم أصحابها المبيدات الحشرية بطريقة رشيدة وسليمة، حسب وصف عبدالإله الذي يقول أيضا إنه على الرغم من ظهور العديد من المبيدات والأسمدة التي تساهم في قتل الحشرات فإن أبو قردان ما زال له دور كبير في تنقية الأراضي الزراعية من بعض الديدان الخطيرة، كما أن له دورًا كبيرًا في تلقيح الزهور. وذكر الدكتور حسام حسن رئيس إدارة التشجير بمبنى تحسين الأراضي بوزارة الزراعة أن أبو قردان من الطيور التي تبني أعشاشها فوق الأشجار خاصة العالية، مضيفا أن هذا يفسر تراجعه في المناطق التي اختفت منها هذه الأشجار. ويهرب أبوقردان من المناطق التي يوجد بها ضوضاء، ولذلك تراجعت أعداده في الحدائق ومن بينها حديقة الحيوان وحديقة الأورمان، لكن ذلك لا يعني - حسبما يؤكد الدكتور حسام - أنه ينقرض، فالحقيقي أنه يتنقل من منطقة إلى أخرى كلما توافرت له الأرض الملائمة وكذلك الغذاء. ويدعم الدكتور أسامة القبيصي أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة القاهرة التفسيرات السابقة، ويؤكد أن استخدام المبيدات بكثرة داخل الأراضي الزراعية وتناقص أشجار الكافور المرتفعة من العوامل الأساسية لتراجع أعداد أبو قردان في الفترة الاخيرة. ويشير القبيصي إلي أن أبو قردان له فوائد عديدة، فهو ينقي الأرض من الحشرات والديدان، بالإضافة إلى أنه يعمل على تطهير الأرض لذلك "ينبغي أن نساعد على انتشاره وتكاثره عن طريق المحافظة عليه في أماكن تواجده في الأشجار العالية التي يتكاثر عليها". ومن الناحية العلمية، يفضل المتخصصون تواجد أبي قردان في الأراضي الصحراوية المستصلحة حديثًا على أساس أن فضلاته يمكن استخدامها كغذاء للأرض وفي زيادة درجة خصوبة الأرض أيضًا. وأضاف أن أبو قردان ما زال موجودًا ولكن بأعداد قليلة فقد تراجعت نسبته إلى 50% في المدينة وبدأ يهاجر إلى الأراضي الصحراوية كطريق مصر إسماعيلية الصحراوي وطريق مصر اسكندرية الصحراوي. وطالب القبيصي بضرورة توفير العوامل الأساسية لعودته مرة أخرى والعمل على استقراره فضلاً عن توفير عوامل الاستقرار اللازمة له حتى يتكاثر ويعود من جديد. ويقول الدكتور أشرف خليل رئيس قسم بحوث الأمراض النيماتودية بمركز البحوث الزراعية إن أبي قردان يتغذى أساسًا على الآفات في الأراضي الزراعية ولذلك يسمى بصديق الفلاح ولكنه نادرًا ما يتغذى على الديدان في المخلفات الزراعية. وأضاف أن طائر أبو قردان يتميز بالذكاء، ولذلك مثلا نراه واقفا على ظهور الماشية وبالقرب منها، وذلك لأن المواشي تزعج الحشرات الصغيرة في الأرض فيقوم هو باصطيادها. كذلك يبدأ أبوقردان في الظهور داخل الحقول بعد الري حيث إن عملية الري تخرج حشرات الأرض من أعشاشها الخفية، موضحًا أن هذا الطائر يعتبر مقياسًا لنقاء البيئة، ولذلك يوجد في شعارات بعض الهيئات التي تهتم بالحفاظ على البيئة. (العدد الأول 22 يناير 2012)