سألته: إنت مركّب دِش عندك فى البيت ؟ أجاب: طبعا ! - وبتتفرج على قنوات إيه ؟ - عانايلسات والأرابسات ، وبينى وبينك الواد عطوة جابلى الكامة بتاعت الأوروبى ، فبتفرج بيها على كل حاجة . - كل حاجة زى إيه يعنى ؟ - أفلام جنس للصبح ! - على طول ؟ - آه ماهى ببلاش ، إنما لو الجماعة معايا ؛ بنتفرج فى الدش التانى على أفلام عربى ، وما بنّامش لحد الصبح ، هم مش بيقولوا مش هتقدر تغمض عينيك ؟ صدمتنى إجابته إذ إننى أعرفه منذ ولد فلاحا ابن فلاح ، ولا عمل له أو لعائلته الكبيرة إلا الفِلاحة ، فالإصلاح الزراعى أهدى جده ثلاثة فدادين ، أصبحت الآن فدانا واحدا ، والفدانان الآخران باعهما أبوه أرضا للبناء بعد أن جرفهما لعدة سنوات . - ومتى تذهب إلى أرضك إذا كنت لا تنام حتى الصباح ؟ - بعد الظهر ، الساعة واحدة اتنين ، هى هتطير يعنى ، وبنعزقها بالجرار أبو عزاقة . أنقلكم إلى مشهد آخر .. فى حقل الفلاح إللى لسة نايم ؛ فالساعة الآن الثامنة صباحا ، اثنان من طيور أبى قردان يتنازعان بمنقاريهما شيئا ، دنوت منهما ، فإذا بهما يتناقران ضفدعة ! لا حول ولا قوة إلا بالله ! أبو قردان توقف عن أكل الديدان ويأكل الآن الضفادع ! منذ وعينا على الدنيا ، وفى دروس اللغة العربية ، عرفنا أن أبا قردان وأبا فصادة هما صديقا الفلاح ، فمجموعات أبى قردان تخرج من أعشاشها بعد أذان الفجر ، تطير فى جو القرية تبحث عن الفلاح الذى يعزق أرضه قبل شروق الشمس ، وحين تجده ؛ تهبط بالعشرات لتسير وراء موكب العزق ، البقرة أو الجاموسة تجر العزّاقة الخشبية ، والفلاح من ورائها يوجه سيرها لضبط خط تقليب التربة ، والطيور البيضاء الجميلة تتبعهما تنقر قطع التربة المقلوبة بمناقيرها الطويلة ، تنتقى ديدان الأرض لتأكلها ، ويستمر طابور العزق حتى ترتفع الشمس فى السماء ، فيركن الفلاح إلى الظل ومعه بقرته ، وتعود أسراب أبى قردان إلى أعشاشها لتطعم أطفالها التى لا تقدر على الطيران بعد ، هذا المشهد رآه منا من رآه بعينيه ، وشاهده الكثير فى أفلام السينما أيام الأبيض وأسود ، ومحلاها عيشة الفلاح .... هذا المشهد يتكرر على أرض مصر المزروعة وفى قراها منذ أكثر من ستة آلاف عام ، منذ أن كانت مصر تطعم العالم من فيض قمحها ، وتفيض على جيرانها من قطنها وتنوع محاصيلها ، ويلجأ إليها القريب والبعيد لينهل من خيرها ، وظل الوضع كذلك .. مصر يدها هى العليا ، تعطى دائما وتغدق دائما ، وخيرها على الكل دائما . أما الآن ؛ ومنذ أن دخل الدِش بيوت الفلاحين ، وعرفوا طريق الكامة وكارت فك الشفرة والقمر الأوروبى ؛ امتنعت مصر مجبرة عن العطاء لغيرها ، وما عادت قادرة أن تطعم نفسها ، وأصبحت يدها هى اليد السفلى ، وتبدلت الأحوال وحدثت الكارثة ، فالقنوات الفضائية التى تبث الأفلام العربية لا تنام على مدار اليوم ، والفلاح أيضا لا ينام ، وقنوات الجنس على القمر الأوروبى لا تتوقف ، وهو أيضا لا يتوقف عن مشاهدتها ، فلا ينام حتى الصباح ، وحين يقع فى فراشه متعبا من الفرجة طول الليل ؛ يكون أبو قردان فى طريقه إلى الحقول يبحث عن صديقه الفلاح الذى يعزق أرضه فلا يجد أحدا ، إن ساعة شروق الشمس هى ساعة طعامه ، فهل يبقى دون طعام ؟ طبعا لا .. فليأكل ما يتيسر له من الضفادع والسحالى ، وتغيرت عاداته الغذائية ، واضطربت المنظومة البيئية ، فالضفادع والسحالى تتغذى على الذباب والبعوض ، ولما تغذى أبو قردان على الضفادع والسحالى نقصت أعدادها ، فكثرت أعداد الذباب والبعوض. فعلا .. مش هتقدر تغمض عينيك من الناموس ، ومحلاها عيشة الفلاح مع الكامة والقمر الأوروبى.