جاء القرار الروسي بالتدخل العسكري في سوريا موفقا وهاما في حينه ولولاه لما ضمن النظام السوري بقاءه بتلك القوة إلى الآن والأهم هو ضمان وحدة الأراضي السورية وعدم تقسيمها بل ولولاه لكانت التنظيمات الإرهابية سيطرت على غالبية الأراضي السورية، إضافة إلى أن سوريا ستصبح لقمة سائغة لمعظم القوى الإقليمية والدولية على حساب الشعب السوري ومآسيه . ولكان يأتي القرار الذي اتخذه بوتين منذ أيام بانسحاب معظم قواته من سوريا مفاجئا وصادما للجميع وقد يؤدي إلى تغيير موازين القوى وحدوث مالا يحمد عقباه في سوريا ولكن بوتين كان قد حدد بقاءه منذ تدخله في سوريا لأربعة أو خمسة أشهر انقضت عمليا بعد مرور تلك الفترة ليأتي القرار مواكبا لمحادثات جنيف الدائرة بين أطراف النزاع الآن تحت إشراف الأممالمتحدة، فلماذا انسحب بوتين فجأة من هذا المعترك السوري؟ يرجح المحللون السياسيون والعسكريون بأن بوتين أقدم على الانسحاب لعدة أسباب منها أن يكون قد حدث اختلاف في القرارات العسكرية بين القادة الروس والقادة في الجيش السوري أثناء أولويات الضربات والطلعات الجوية الروسية، أو أن يكون قد حدثت اختلافات في الرؤى والمصالح بين الرئيس بوتين والرئيس بشار الأسد حول نقاط مختلفة منها النقاط الهامة والمصيرية التي ستطرح في مؤتمر جنيف كمستقبل الرئيس بشار الأسد ووحدة الأراضي السورية، ومن أسباب انسحاب الرئيس بوتين هو خروجه من سوريا قبل تورطه في معتركها على غرار ما حدث للروس في أفغانستان، ولهذا فإن الانسحاب يأتي وروسيا في نشوة النصر ونجاح ضرباتها الجوية التي ضمنت التفوق للجيش السوري وبقاء الأسد مما جعل روسيا تخرج وهي محققة التقدم كدولة عظمى أثبتت وجودها واستعادت هيبتها التي كانت قد غابت عن الساحة الدولية لتعود القطبية الثنائية للعالم بين الدوليتين العظميين من جديد وبهذا يكون بوتين الرجل الأوحد في روسيا قد تفادى الدخول في حرب عالمية ثالثة وتفادي الدخول في حرب مع تركيا بعد إسقاط تركيا للطائرة العسكرية الروسية، وتفادى تعريض مصالح بلاده لخطر عمليات التنظيمات الإرهابية ومصالح روسيا في العالم والانتباه والتركيز لمواجهة التنظيمات الجهادية في دول البلقان المتاخمة للحدود الروسية، كما يرجح أن يكون الانسحاب أيضا متعلقًا بتفادي الانزلاق في تكاليف الحرب والطلعات الجوية وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي المتردي في روسيا بسبب العقوبات الدولية عليها بسبب الأزمة الأوكرانية من جهة وبسبب انهيار أسعار النفط من جهة أخرى، ومن الناحية السياسية والإستراتيجية فإن التدخل الروسي في الأزمة السورية قد أثبت فاعليته عن الطلعات الجوية للتحالف الدولي بقيادة أمريكا خلال الفترة السابقة مما أمن لروسيا مكانتها وقواعدها البحرية والجوية في سوريا لضمان مصالحها حتى جعلها شريكا وندا أمام القوى الإقليمية والدولية في تقاسم النفوذ بالمنطقة، كما أن عملياته العسكرية والسياسية قد أتت بنتائج قوية على الأرض منها أنه غير موازين القوى وحاصر تمدد داعش والنصرة بالأراضي السورية ووفر الحماية والضغط على الجيش السوري ووفر له التفوق العسكري والجغرافي على الأرض وحافظ على أمن العاصمة السورية كما أدى لضرب المعارضة السورية وجعلها تيأس من حلمها بأن تكون بديلا لنظام الأسد كما أمن بوتين نجاح المحادثات واستمرارها في جنيف بين الأطراف المتصارعة. ولهذا كله فقد أدرك بوتين أن يأخذ قراره بالانسحاب رغم بقاء بعض من قواته الجوية وذلك قبل أن يفقد وجوده القوي على الأرض حتى يتفرغ بالتنسيق مع أمريكا للعملية السياسية لحل الأزمة السورية في المرحلة اللاحقة وإن كان هذا الانسحاب المفاجئ للقوات الروسية قد جعل الأكراد السوريين الآن يعلنون من جانب واحد قيام فيدرالية كردية في جزء غال من سوريا ويكون هذا الموقف الكردي بداية مأساوية تفتح الباب على مصراعيه لتقسيم الأراضي السورية .